انتشرت في الآونة الأخيرة ظاهرة أسماء الأفلام التي تحمل القاب الحرامية بكل دلالتها منها: "حرامي علي ماتفرج" بطولة سامح حسين - "مقلب حرامية" بطولة شريف سلامة وعمرو يوسف - "أشرف حرامي" للفنان تامر عبدالمنعم، وقبلها أفلام أخري مثل: "حرامية في تايلاند" إخراج ساندرا - "حرامية في كي جي تو" - "حرامي الحب" ومعظم هذه الأفلام تأتي في إطار كوميدي ساخر، لكنها لاترصد القضية بشكل صحيح. ما هي الأسباب الحقيقية وراء انتشار وشيوع تلك الصفة؟ وما هي دلالة العنوان؟ وهل حقا باتت صفة اللص هي الأقرب والانعكاس الأمثل لما يعيشة المجتمع المصري في تلك الحقبة الشائكة؟ ومن المتحكم الحقيقي في تحديد اسم الفيلم؟ هل الواقع هو الذي يفرض نفسه بقوة؟ أم المنتج؟ أم السيناريست؟ أم كلاهما؟ في السطور التالية نحاول الإجابة عن تلك الأسئلة. مخاطبة الذوق السوقي يفسرالشاعر الكبير أحمد عبدالمعطي حجازي تلك الاشكالية ويقول إنها جزء من ظاهرة منتشرة في الفن المصري بصفة عامة، فأسماء مثل "أشرف حرامي" أو "مقلب حرامية" كلها عناوين تخاطب الذوق السوقي، ولها بالطبع مدلولات عديدة، لعل أبرزها تلك الايحاءات السياسية التي تتجاوز العلاقات الشخصية واللغة السوقية في اشارة الي أن الحياة باتت مليئة باللصوص، وأن الفساد ألقي بظلالة علي المجتمع بل تحول الفساد إلي ذوق، والذي لا يملك ذوقا فاسدا لم يعد له قيمة، حتي بات الفساد هو العملة السائدة الان والمتداولة!! وطالما أن الفن يمثل استجابة لطلب وحاجة السوق، فالفن الان يستجيب للذوق الراهن خاصة أن تلك الطبقة ذات الذوق الرفيع قد توارت، ومن هنا لايوجد منتج للفن الرفيع وساد الفن المنحط والذوق المنحط. وقد امتدت تلك السوقية لتشمل مختلف فنون الحياة بما فيها الغناء والمسرح واختفت الكلاسكيات من المسرح مثلما اختفت أم كلثوم وعبدالوهاب من الغناء، لدرجة أن عناوين ومانشيتات الصحف تكتب بالعامية!! أري أن هناك استهتارا بالقيمة وبعدا عن النبل، خاصة أن الثقافة والفنون ارتبطت بفكرة النبل أما الآن فنري الفن يرتبط بالقبح والسوقية، وكلما أوغل الفنان في القبح زاد الاقبال عليه!! لذا أري أن هذه الظاهرة في السينما جزء من ظاهرة عامة في المجتمع المصري. تقول السيناريست وسام سليمان: إن ظاهرة انتشار كلمة حرامي أو لص في عناوين الأفلام إنما تعكس إلي حد بعيد حالة الفساد العلنية والفجة التي يعيشها المجتمع المصري في السنوات الماضية والحالية ايضا. فكلما توغل المجتمع في الانهيار وكلما غابت القيم تظهر تلك العناوين سواء في السينما أو في المسرح لأنها تعبر عن انتشار السرقة والفساد. والهدف علي سبيل المثال من اسم فيلم "أشرف حرامي" -بعيدا عن المضمون- هو جذب الجمهور والترويج لخفة ظل اللصوص الذين نراهم ونقرأ أخبارهم في الصحف يوميا!! علما بأن الفيلم واسمه هما صنيعة المؤلف فقط، لكن ما يحدث في اختيار الأسماء يبعد في أغلب الأحيان عن قبضة المؤلف، لكن السيناريست المحترم في نظري لا يسمح بتغيير اسم الفيلم لأي سبب من الأسباب، فلا يوجد كاتب جاد يسمح بمثل هذه الأسماء، لأن السيناريست يجب أن يكون أخلاقيا وأن ينادي بقيم جمالية وفنية، وألا يتاجر بأوجاع البشر وألا يستخف بعقولهم من خلال تلك الكوميديا الرخيصة. يختلف الفنان هشام عبدالحميد مع الرأي السابق ويقول: لقد قدمت قبل سنوات فيلم "مجرم مع مرتبة الشرف"، وأري ان انتشار كلمة حرامي في عناوين الأفلام ما هي إلا محض مصادفة، أنها ليست ظاهرة ولا تعبر عن المجتمع أو أن هناك حالة من الفساد تسيطر علي المجتمع، خاصة أن أسماء الأفلام يتم اختيارها علي أن تميل نحو الاثارة والتشويق، فالسينما صناعة وفن، وجزء من الاسماء الأدبية للأفلام يكمن في عنصر الجذب، واؤكد أن اسم فيلم "أشرف حرامي" ملئ بالطرافة ويثير الدهشة والسخرية في الوقت ذاته، كي يلقي أكبر نسبة مشاهدة. منتجون للجنس والمال والنفوذ الناقدة السينمائية خيرية البشلاوي تقول إن الفن في ظروفه المنهارة يعكس الواقع الي حد كبير، ففيلم "أشرف حرامي" يتكون من كلمتين متناقضتين تماما، خاصة ونحن نري الآن اللصوص الذين يرتدون أغلي وأرقي الأذواق العالمية ويدخنون السيجار الكوبي، ويركبون السيارات الفارهة وأحيانا الطائرات ويمتلكون الشركات ومصائر الالوف، حتي بات اللص يحتل مكانة وله نقوذ واسع في المجتمع، وقد ظهرت تلك الموضة من عناوين الأفلام مع انتشار رجال الأعمال واسعي الثراء ما جعلهم مادة جيدة في نظر البعض، للدراما الاستهلاكية التي نراها الآن. اللافت للنظر حسب البشلاوي ان بعض صناع تلك الأفلام هم من ضمن كتيبة اللصوص، خاصة أن منتج الفيلم في الغالب يكون لديه أنشطة عليها علامات استفهام كبيرة، وهناك منتجون كبار من تجار المخدرات ومنهم من لديه شبكات دعارة، وقد فتحت الأبواب علي مصراعيها لهؤلاء المنتجين، وبالتالي دخل في صناعة السينما وتحديدا الانتاج اناس استثمروا أموالهم وهم بعيدون كل البعد عن الثقافة والسينما والفنون. وتعاملوا مع السينما باعتبارها سلعة تدر الربح، ومن هنا يلجأون لتلك الموضوعات والعناوين المثيرة حول اللصوص والاغتصابات والانهيارات الأخلاقية، وهو هنا يتاجر بآلام وأوجاع المجتمع. لذا أتوقع أن تتحول قصة سوزان تميم ورجل الأعمال هشام طلعب مصطفي الي عدة أفلام سينمائية لأن بها كل عناصر الاثارة والتشويق من جنس ومال ونفوذ وشهرة، في نظر هؤلاء من المنتجين الجدد.