يعرف الجميع الدور الأمريكي والأوروبي الضاغط علي المعارضة السورية لتشكيل هيئة جديدة تحل محل المجلس الوطني السوري المعارض القائم منذ عام ونيف، بحجة توحيد المعارضة السورية بعد أن استعصي علي المجلس الوطني توحيدها، ووضع برنامج جديد لها يصلح لإسقاط النظام السوري وإقامة نظام بديل ديمقراطي تعددي تداولي، علي أن تكون الهيئة الجديدة المقترحة أكثر تواصلاً مع الداخل السوري، وقادرة علي إبعاد المسلحين المتطرفين وتوحيد المعارضة المسلحة، وتأكيد الاطمئنان علي حقوق الأقليات في سورية في النظام الجديد. ذلك ما صرحت هيلاري كلينتون به أكثر من مرة. وقد تم عقد مؤتمر جديد ورث المجلس الوطني السوري وفصائل المعارضة الأخري، كما طلب الأوروبيون والأمريكيون بالضبط، وانتخبت الهيئة مكتباً تنفيذياً جدياً ورئيساً ونائبي رئيس وأميناً للسر، واستكملت بالتالي الإطار التنظيمي المطلوب للمعارضة السورية، كما اقترح الغربيون والعرب المناصرون للثورة السورية وبعض الدول الإقليمية كتركيا مثلاً. وكان مفهوماً ضمناً لدي هيئة المعارضة السورية الجديدة أن الخطوات المقبلة بعد عقد المؤتمر وانتخاب القيادة الجديدة هي اعتراف الدول بهذه القيادة كممثل شرعي وحيد للشعب السوري، وتسليمها بعض السفارات السورية وبعض الأموال السورية المجمدة، والأهم تسليمها السلاح الذي تطلبه، وتشكيل حكومة انتقالية تعترف بها معظم الدول، وتكون الشروط الموضوعية لإسقاط النظام قد تحققت فعلاً. إلا أن توقع المعارضة هذا خاب جزئياً، فالبلدان العربية رفضت في اجتماع وزراء الخارجية العرب الاعتراف بالهيئة الجديدة كممثل شرعي للشعب السوري، واعترفت بها كممثل شرعي لتطلعات الشعب السوري ومحاور مع الجامعة العربية فقط. تردد في الاعتراف أما البلدان الأوروبية فمازالت مترددة بالاعتراف، وصرح أكثر من مسئول فيها بأنها لا تستطيع تسليم الأسلحة للمعارضة، لأن هناك حظراً أوروبياً علي ذلك. أما الولاياتالمتحدة فكل ما صدر عنها هو اعتبار أعمال المعارضة الجديدة خطوة إيجابية وهامة، وصرح الرئيس أوباما أنه من المبكر الاعتراف بها كممثل شرعي. وباستثناء تركيا وفرنسا ودول الخليج العربي مازالت المواقف الدولية مترددة حول الاعتراف بشرعية قيادة المعارضة الجديدة ووحدانيتها. كان الغرب الأوروبي والأمريكي يبرر عدم تقديم المساعدات الإنسانية والعسكرية والتسليحية للثورة السورية، بسبب تشرذم المعارضة وتفرقها، وها هو الآن يبرر تردده بل وتقاعسه بأنه يريد أن يستكمل دراسات حول أمور أخري لم يفصح عنها، ويحتج بقراراته السابقة وخاصة حظر بيع السلاح لسورية أو غير ذلك، مما حدا بالسوريين لإطلاق سيل (النكات) حول الموقف الأوروبي والأمريكي، حيث قال بعضهم إنه حتي لو استكملت المعارضة كامل الطلبات الأوروبية والأمريكية سيخلق هؤلاء طلبات جديدة لا تخطر علي بال أحد. وقد ملأ السوريون صفحات التواصل الاجتماعي بمثل هذه (النكات) التي تعبر عن آرائهم. حكومة انتقالية حسب أوساط القيادة الجديدة للمعارضة، فإن خطتها تشكيل لجنة بهدف توحيد قوات المعارضة المسلحة، وإقصاء من لايقبل بالتوحيد نهائياً والاستغناء عنه، وهذا يسد ذريعة المتطرفين والقاعدة وغير ذلك التي يتذرع بها الأوروبيون والأمريكيون، كما تتضمن الخطة تشكيل لجنة لوضع تصور لمستقبل قوات الأمن الحالية بعد سقوط النظام والعمل علي تفكيكها وتفصيلات ذلك وأسلوبه كما جاء في البيان الختامي لمؤتمر ائتلاف المعارضة الذي عقد في الدوحة قبل أسبوعين، ولجنة قضائية للبحث في مشروع الدستور ومشروع القوانين التي تحفظ حقوق الأقليات وحقوق الجميع، وتضع أسس عقد اجتماعي بين السوريين، ثم تشكيل حكومة انتقالية تمثل الجميع أو القسم الأكبر من التيارات السياسية والاجتماعية السورية، علي أمل أن تتاح الظروف لدخول هذه الحكومة الأراضي السورية وفرض سيادتها علي منطقة محررة، بحيث تنتزع الاعتراف العالمي بها، وتصبح هي الحكومة الشرعية، ويتحول النظام الحالي إلي حكومة غير شرعية وخارجة عن القانون. وقد صرح رئيس هيئة الائتلاف الجديدة بأن تشكيل حكومة سيتم خلال الأسابيع القليلة القادمة، وأن البحث كثيف لتحقيق هذا الهدف. لقد توحدت المعارضة السورية تقريباً، وهي في طريقها لتوحيد قواتها المسلحة، وتشكيل حكومتها، ولكن المشكلة أن الغرب الأوروبي والأمريكي وحلفاءه مازالوا مترددين مما يثير الشك حول مواقفهم، ويري السوريون أن هذا الائتلاف هو المحاولة الأخيرة للمعارضة التي إذا لم تنجح فستدخل سورية في فوضي لا يعلم أحد نهايتها، وستكون سورية في نهايتها غنيمة للمسلحين المتطرفين، وعندها سيلوم الغرب والدول العربية والإقليمية نفسها، بعد أن تكون الفرصة قد ضاعت.