حلت هزيمة ثقيلة بتحالف المحافظين والاحرار الحاكم في المانيا بقيادة المستشارة ميركل ووزير الخارجية فيسترفيله بسقوط هذا التحالف في انتخابات ولاية شمال الراين وفيستفالن (عاصمتها دوسلدورف). وهي هزيمة يتفق المحللون علي ان مغزاها يشمل كل المانيا. وحقق حزب اليسار نجاحا كبيرا حين دخل برلمان الولاية لأول مرة بينما سجل الخضر أكبر نجاح انتخابي لهم. رئيس البوندستاغ والقيادي في الحزب الديمقراطي المسيحي، نوربرت لامرت، ادلي بحديث مدهش بصراحته قال فيه إن الانتخابات في ولاية شمال الراين وفيستفالن هي اختبار للمزاج السياسي السائد في المانيا. وقال "لو أن هذه الانتخابات كانت انتخابات برلمانية عامة (اي لكل المانيا) لكان من المحتمل الا يحصل الائتلاف الوزاري للمحافظين والاحرار علي الاغلبية كما حدث اليوم في ديسلدورف". ويعني سقوط تحالف المحافظين والاحرار الذي حكم الولاية خلال السنوات الخمس الماضية بالنسبة للنظام البرلماني الالماني خسارة التحالف الحاكم الذي تقوده المستشارة الالمانية الاغلبية في برلمان الولايات (بوندسرات) وهو المجلس البرلماني الثاني الذي يمثل مكونات النظام الفيدرالي الالماني ولا تسن قوانين أو تغييرات ادارية عامة الا بموافقته. هذا سيضطر المستشارة ميركل الي البحث عن مساومات مع الديمقراطيين الاجتماعيين الذين اعلنوا انهم سيحولون دون تنفيذ خطط الحكومة الاتحادية في مجال السياسات الضريبية والصحية. شلل واضطراب ويعكس الاعلام منذ شهور تبرم المواطنين من شلل واضطراب السياسات الحكومية بدءا من السياسات الداخلية الي السياسات الخارجية وفي الفترة الاخيرة بسبب الاداء السيئ والمتناقض للحكومة الالمانية في ازمة اليونان. ومن المؤكد ان تكلفة حل أزمة اليونان كانت ستقل كثيرا لولا عرقلة الحكومة الاتحادية لاتخاذ قرار من الاتحاد الاوروبي خشية ان يؤثر هذا القرار سلبا علي فرصة المحافظين في انتخابات ولاية شمال الراين وفيستفاليا. بسبب هذه العرقلة نجحت البنوك الكبري المضاربة في سوق المال العالمي في رفع فوائد القروض وابتزاز اليونان والبرتغال واسبانيا. وفي الواقع ان الوقت لم يطل كثيرا بعد فوز تحالف المحافظين والاحرار بالحكم في اكتوبر الماضي حتي تكشف للناخبين ان الحكم لن يحقق وعوده التي جاء بفضلها، بل انه يتصرف كحكومة تجسد تحالفا نيوليبراليا فلم يقم بخطوة واحدة جادة للجم الرأسمال المالي الذي تهدد سياساته بمواصلة توليد الازمات، ولم يستجب للمطالب الملحة للشروع في حل المشاكل الاجتماعية المزمنة مثل البطالة، وازدياد انتشار الفقر، وتفاقم مشكلات نظام الرعاية الصحية، ناهيك عن الاتجاه للتراجع عن قانون انهاء الاعتماد علي محطات الطاقة النووية، وازدياد التورط في حرب افغانستان التي تعارض اغلبية الالمان المشاركة فيها برلمان مصغر ولاية شمال الراين وفيستفالن هي اكبر ولايات المانيا سكانيا (18 مليونا اي اكثر من خمس سكان المانيا) ويبلغ عدد الناخبين فيها 13 مليون مواطن ولذا يطلق علي انتخابات هذه الولاية "انتخابات البوندستاج المصغرة" باعتبارها مؤشرا علي الاتجاهات الكبري للناخبين في البلاد. وعاقب الناخبون كلا من الحزبين الرئيسيين. الحزب الديمقراطي المسيحي (الذي كان يقود الحكومة) فقد نحو مليون صوت بالنسبة للانتخابات السابقة، كما حقق الديمقراطيون الاجتماعيون اسوأ نتيجة لهم منذ نصف قرن (5,34 %) في ولاية كانت فيما مضي تعد معقل الديمقراطية الاجتماعية في المانيا. ولكن الحزبين حصلا علي نفس عدد النواب في برلمان الولاية. الخضر سجلوا اكبر نجاح انتخابي لهم ويشكلون ثالث كتلة برلمانية. والاحرار الذين حلموا بالحصول علي 15 % لم يحققوا نصفها. والنتيجة التي كان اليمين الالماني يخشاها تحققت، اذ دخل حزب اليسار لأول مرة الي برلمان الولاية وبذا ترسخ ايضا في الغرب نظام الاحزاب الخمسة. تركيبة البرلمان جعلت تشكيل الحكومة لا يسير علي هوي اي من الاحزاب. التحالف الحاكم سابقا اسقطه الناخبون ولم يعد لديه ما يمكنه من تشكيل حكومة. ولا يشكل المحافظون مع الخضر اغلبية تمكنهم من الحكم. وتشكيل تحالف كبير من المحافظين والديمقراطيين الاجتماعيين ان حدث سيأتي بنكسة تعصف بالديمقراطيين الاجتماعيين الذين بدأوا الآن في استعادة الثقة بالنفس لوجود فرصة حقيقية لانهاء حكم المحافظين والاحرار وقيادتهم للحكومة. الاختبار الأصعب ولكن هناك امكانية واقعية تحوز اغلبية كافية وهي تشكيل تحالف بين الديمقراطيين الاجتماعيين والخضر وحزب اليسار. وهذا هو الاختبار الاصعب بالنسبة للديمقراطيين الاجتماعيين الذين يدفعون الآن ثمن تضحيتهم بحكم ولاية هيسين بسبب رفضهم للتحالف مع اليسار. وكانت هذه بداية تدهور وانقسام سياسي في حزبهم ادي ايضا - بمساهمة قيادات محلية انتهازية للخضر - للفشل في تشكيل حكومات في ولاية السار وولاية تورينجيا.. ستحمل الايام والاسابيع المقبلة تطورات سياسية مهمة في المانيا، وهناك توقعات بأن تحالف المحافظين مع الاحرار ماض نحو نهايته. وربما نشهد في المستقبل القريب نسخا اخري من تحالف المحافظين مع الديمقراطيين الاجتماعيين. مهما تبدلت وتغيرت التحالفات في الحكم سواء في المانيا او بقية بلدان اوروبا تواجهنا صورا متشابهة لنخب حاكمة تتضاءل قدرتها علي استخدام السيادة للجم هيمنة الراسمال المالي، وتبتعد عن وعودها الديمقراطية والاجتماعية، وفي المقابل تواجه صعوبات متنامية في التحكم والسيطرة علي الحراك السياسي والجماهيري الطامح للديمقراطية والعدالة الاجتماعية.