.مدينة ديترويت الأمريكية هي واحدة من أكبر المدن الصناعية، إنها مدينة صناعة السيارات في أمريكا، وبهذه الصنعة نفسها فإنها واحدة من أشد المدن الأمريكية تأثرا بأزمة الرأسمالية العالمية.. ولايزال عدد العمال الذين فقدوا وظائفهم فيها بسبب هذه الأزمة يشكل معضلة تستعصي علي الحل. لهذا اختيرت ديترويت لتكون مقرا لانعقاد «المنتدي الاجتماعي الأمريكي» في الأيام من 22 إلي 26 يونيو القادم، وقد بدأت الاستعدادات فعلا لهذه المناسبة التي ستجمع التقدميين والاشتراكيين والمناهضين للحرب والداعين إلي العدالة وإلي توفير الوظائف للطبقة العاملة، وإيجاد حلول للمشكلات التي تعاني منها الشعوب والجماعات المقهورة في العالم، ويقول أول بيان صدر عن هذا الحدث الكبير «إن ديترويت لا تمثل فحسب حركة كثيفة من أجل العدالة الاجتماعية والعنصرية والاقتصادية، إنما هي أيضا - كمقر لهذا المنتدي هذا العام - تكشف عن فشل النظام الراهن الاقتصادي - الاجتماعي وضرورة دعم الحرية والمساواة». ويقول هذا البيان الذي يمكن أن نصفه بأنه «البلاغ رقم واحد» في هذه المعركة النضالية في قلب الولاياتالمتحدةالأمريكية والنظام الرأسمالي العالمي: «إن لجنة التخطيط القومي للمنتدي الاجتماعي الأمريكي قد تكرست لخلق فضاء تستطيع فيه الجماعات المناضلة من الملونين والشعوب الأصلية أن تسمع آراءها للعالم». ويضيف البيان - في أول إشارة من نوعها - «أن مشاركة شبكة الجماعة الفلسطينية في الولاياتالمتحدة في لجنة التخطيط القومي للمنتدي، تدل علي تحول بالغ الأهمية سواء للحركة اليسارية في الولاياتالمتحدة وبالمثل للنشاط المتعلق بالحقوق الفلسطينية». ومن خلال المشاركة الفلسطينية يهدف المنتدي إلي تشجيع حركة اليسار الأمريكية علي ادماج النضال الفلسطيني من أجل تقرير المصير في أعماله التحليلية ونشاطه العملي، وبالمثل فإن هذه المشاركة تسمح للمدافعين عن الحقوق الفلسطينية وكذلك الفلسطينيون - الأمريكيون الذين يناضلون من أجل العمل والإسكان والهجرة والعدالة العنصرية والقانونية بأن يتحالفوا مع اليسار «الأمريكي» ليبنوا معا عالما مختلفا، «إن لجنة التخطيط القومي الأمريكي تري أدوارا كثيرة للفلسطينيين والعرب في أمريكا ليفردوها، تشمل - إنما لا تقتصر علي - المناقشات المتعلقة بتحرير فلسطين وربط هذا التحرير بحركة العدالة الاجتماعية الشاملة، وتثقيف القيادات الفلسطينية والعربية لمتابعة النضال من أجل العدالة الاجتماعية. لقد حرص المنتدي الاجتماعي الأمريكي علي إعطاء الفلسطينيين عضوية اللجنة القومية للتخطيط لهذا المنتدي «لصهر النضال الفلسطيني من أجل المساواة والحرية والكرامة»، ويقول بيان للمنتدي في هذا الشأن إن جهودنا ستنجح فقط إذا نشط العرب والعرب الأمريكيون والنشطاء الفلسطينيون وعملوا بكل جهودهم مثل بقية الشعوب التي ستحضر المنتدي من أجل حضور أكبر الأعداد الممكنة منهم من أنحاء الولاياتالمتحدة ومن العالم إلي ديترويت. بالإضافة إلي هذا فإن المنتدي الاجتماعي الأمريكي وافق علي أن يسبق اجتماعاته في ديترويت وفي المقر نفسه «تجمع أول لليهود المناهضين للصهيونية»، وسيعقد هذا التجمع في الأيام من 19 إلي 22 يونيو وبعده مباشرة يبدأ المنتدي اجتماعه الكبير. ويري تجمع اليهود المناهضين للصهيونية أن يكون اجتماعا لليهود الأمريكيين الملتزمين بالتضامن مع فلسطين ورفض سياسات «الأبارتهايد» «التفرقة العنصرية» التي تنتهجها إسرائيل، كما يهدف التجمع إلي «دعم أصوات الفلسطينيين الداعية إلي نزع تميز الأصوات اليهودية علي الأصوات الفلسطينية بشأن حق تقرير المصير، وتحدي النزعة العنصرية البيضاء بما في ذلك عنصرية اليهود الغربيين ضد اليهود الشرقيين، ودعم النضالات المناهضة للإمبريالية والكولونيالية، والبحث عن سبل لمواجهة الصهيونية التي تزيف التاريخ اليهودي والثقافة اليهودية». وجدير بالذكر أن هذا التجمع تقوم بتنظيمه «الشبكة اليهودية الدولية المناهضة للصهيونية.. بالاشتراك مع عدد من المنظمات اليهودية المؤيدة للعدالة ولحقوق الشعب الفلسطيني والمناهضة للسياسات العنصرية الإسرائيلية». وجدير بالذكر أن «المنتدي الاجتماعي الأمريكي» - الذي انبثق أساسا عن «المنتدي الاجتماعي العالمي» - كان قد أعلن عن خمسة أهداف عامة لنشاطه خلال عام 2010 يمكن تلخيصها فيما يلي: خلق فضاء من أجل تقارب الحركة الاجتماعية ومناقشة استراتيجيتها. تحقيق التقدم لجدول أعمال الحركات الاجتماعية من أجل العمل والتحول. بناء علاقات أقوي وتآزر أقوي بين الحركات الاجتماعية. تعميق التزام المنتدي بالتضامن الدولي والنضال المشترك. تقوية القدرات المحلية لتحسين الأحوال الاجتماعية والتنظيم والحركة. وفي تحديده لهذه الأهداف قال المنتدي «يتوجب علينا أن نعلن ما نريد أن يكون عليه العالم وأن نبدأ في التخطيط للطريق الذي يوصلنا إليه، إن حركة عالمية آخذة بالصعود، والمنتدي الاجتماعي الأمريكي هو فرصتنا للبرهنة للعالم علي أن إقامة عالم آخر أمر ممكن، إن المنتدي الاجتماعي الأمريكي حركة جماهيرية للتقارب ونحن نخلق بأنفسنا جدول أعمالنا وبرنامجنا وحلولنا الخاصة من أجل التغيير». أما المنتدي الاجتماعي العالمي - وهو المنظمة الأعم للمنتدي الأمريكي - فقد تأسس في بورتو الليجري في البرازيل في مؤتمره الأول الذي عقد من 25 إلي 30 يناير 2001، وبلغ عدد الحضور فيه 1200 شخص، ومع ذلك فإن المؤتمر الثاني الذي عقد في المدينة البرازيلية نفسها فقد شهد اتساعا كبيرا إذ حضره أكثر من 60 ألف شخص من 123 دولة، تكونت منهم 652 ورشة عمل، وضم الوفد الأمريكي إليه 500 عضو. ويعقد المؤتمر العام للمنتدي الاجتماعي العالمي سنويا منذ ذلك الحين، وتقرر أن تعقد سلسلة مؤتمرات في أنحاء العالم خلال عام 2010 بدلا من مؤتمر واحد. أما المنتدي الاجتماعي الأمريكي فعقد أول مؤتمر له في مدينة أتلانتا الأمريكية في صيف عام 2007، وكان هدفه الأساسي المعلن: المساعدة في تأسيس حركة تنهي كل الأضرار التي تلحقها الممارسات «السياسات» الأمريكية ضد الشعوب كافة». ومن المتوقع أن يحضر المنتدي هذا العام في ديترويت نحو 15 ألف شخص يتدفقون علي المدينة من أنحاء الولاياتالمتحدة والعالم بالطائرات والباصات والسيارات والدراجات وحتي سيرا علي الأقدام، ليعلنوا إيمانهم بأن «عالما آخر أمر ممكن» وستكون أهم القضايا المطروحة - بالإضافة إلي قضية فلسطين - قضايا الهجرة وحقوق الطبقة العاملة وحقوق التنظيم النقابي ودعم قيام حركة اجتماعية عالمية مهمتها إيجاد حلول عالمية، وسينقسم العمل علي هذه الأهداف بين ألف ورشة عمل ومئات من اللقاءات الثقافية. وقد قرر التنظيم المتحد لعمال صناعة السيارات والاستفادة من فرصة انعقاد المنتدي الاجتماعي الأمريكي فاختار ديترويت مقرا لمؤتمره المقبل ليسبق بأسبوع واحد انعقاد المنتدي. ومن المتوقع أن تبرز في المناقشات في كليهما، القضايا المتعلقة بالطبقة العاملة وتأثيرات أزمة الرأسمالية العالمية عليها، وقد أعلن ريتشارد تروسكا رئيس الاتحاد العام لعمال أمريكا أن العمال سيطرحون ثلاثة مطالب رئيسية «أولها أن تتوقف وول ستريت «حي المال والأعمال في نيويورك حيث توجد بورصة الأوراق المالية» عن محاربة الإصلاحات التي تهدف إلي تحسين أوضاع العمال، والتوقف عن ممارسة المضاربات الخطرة، وأن يتقدم رجال آخرون للقيام بأعمال التنظيم لإزالة آثار ما فعلت أيديهم». والمتوقع بوجه عام أن يشهد المنتدي الاجتماعي الأمريكي حملة واسعة النطاق علي النظام الرأسمالي ورجال الأعمال والبنوك الكبري والدعوة لإجبارها علي أن تدفع نفقات إصلاح ما أفسدته بجشعها.. بدلا من إجبار العمال ومحدودي الدخل علي دفع هذه النفقات.