علي شاشات التليفزيون الآن أكثر من 40 مسلسلا أخذت طريقها للعرض علينا بمناسبة شهر رمضان، وفي الادراج أكثر من نصف هذا العدد لم يجد مساحات علي شاشات العرض، أو لم يجد من يشتريه أو يحييه بالإعلانات التي ترفع من شأنه تجاريا.. من بين هذه الاعمال عدد من الاعمال المتميزة بحق، والتي استطعت أن أعثر عليها بين هذا المهرجان الفني المزدحم، ولكن لأن حق المشاهد يسبق حق الصحفي والناقد، فأنني سوف اتوقف فقط عند القليل من الملاحظات حول هذه الأعمال، وعند عمل يثير الانتباه منها هو مسلسل (الخواجة عبد القادر) للكاتب عبد الرحيم كمال والمخرج شادي الفخراني، والممثل القدير يحيي الفخراني في دور جديد عليه، وربما علي غيره من نجوم التمثيل وهو دور الخواجة هربرت الانجليزي القح، الذي عاش في مجتمع لم يحبه، وحياة كات تعيش وسطها، يشعر بالدفء فقط بقرب زجاجات الخمور التي عشقها وكانت بالنسبة له هي الحل الوحيد للتغلب علي غضبه الداخلي وشكوكه تجاه كل ما يحدث حوله، غضبه من مارجريت زوجته (مها أبو عوف) التي لم تهتم إلا بالحفاظ علي رونقها وجمالها برغم أنها تقاربه في العمر، وغضبه من شقيقته كيت (نبيهة لطفي) التي تعيش طفولة وهي في خريف العمر بسبب الزهايمر . ومن الاسئلة الدائمة التي يطاردونه بها حول ايمانه وعلاقته بالرب وبالكنيسة، وهو ما اضطره لأن يصارح القس الذي جاء للصلاة علي شقيقه بأنه – أي هربربت- لم يري الرب بعد.. وبعدها يذهب الرجل مضطرا إلي السودان للعمل في محاجرها كمهندس للمناجم كعقاب له من الشركة التي يعمل بها وإلا يتعرض لفقد عمله، وفي السودان يبدأ هربرت – الانجليزي الابيض أحمر الوجه والسمين- في اكتشاف مجتمع آخر وناس آخرين هم عمال المحاجر السمر بكل ملامحهم ومفرداتهم في الحديث والعمل والحوار، يقاوم الانجليزي الانجذاب لهؤلاء لكنه يرفض عنصرية زميله بايدين (ايمن شتيوي) رئيس المحجر الذي يصفهم بالسود المتخلفون ويعاملهم بقسوة.. وفي الحلقة الرابعة تبدأ الأحداث في التصاعد ما بين هربرت أو (الخواجة عبد القادر) وبايدن، خاصة بعد أن أعلن طبيبه الانجليزي (يوسف عسال) أنه سيموت لو اضاف لجسمه نقطة خمر أخري، كما تبدأ الأحداث في التطور في علاقته بفضل الله السوداني الذي أحبه والذي رعاه في مرضه. وهو ما نعرفه من خلال حكاية أخري موازية يقودها الحاج كمال (محمود الجندي) في اللحظة الحاضرة، والذي يغضب حين يعرف أن ابنه كان واحدا من مجموعة سلفيين حاولوا هدم ضريح الخواجة عبد القادر بحجة أنه حرام، وحيث ينتقل المسلسل ما بين الماضي والحاضر في سلاسة وجمال وكأنه كتاب مفتوح علي قضايا الحاضر والماضي التي لازالت مثارة تتجدد كل حين، حيث يحاول الحاج أن يقول لولده وأصحابه المتطرفين إن الخواجة عبد القادر يستحق الحب والاحترام الذي يبديه له أهل المكان في صعيد مصر، وأما الأسباب فهي ما سوف نعرفه حتي نهاية المسلسل الذي يناقش في رحلته بين الماضي والحاضر كثيرا من الأمور المهمة في حياتنا ويحاول الدخول إلي عوالم العلاقات الثقافية المؤثرة علي سلوكيات الإنسان ومناقشة حوار الحضارات بعيدا عن الطرح النظري .. هذه المقدمة وجهة نظر سريعة في بدايات عمل مختلف.. ولنا عودة بعد كلمة النهاية.. والملاحظ أيضا أن (الخواجة عبد القادر) واحد من أعمال نادرة مختلفة حقيقة تناقش ما يحدث في حياتنا بصدق من خلال زاوية أوسع من المنظور المعتاد لأغلب مسلسلات هذا العام، ومعه عمل آخر مثل (بونابرت والمحروسة) الذي يعود بنا لزمن الحملة الفرنسية علي مصر وكيف كان حال المصريين وقتها ويتوقف عند شخصية مهمة في هذا الزمن هي السيدة نفيسة التي لقبت بأم المماليك وصاحبة العطف والكرم والتي تقوم بدورها ليلي علوي في عملية تجديد لجلدها الفني في عمل كتبته عزة شلبي وأخرجه شوقي الماجري وتشارك فيه فرق فنية من تونس وسوريا ولبنان بجانب المصريين، وأيضا ممثلون فرنسيون ربما للمرة الأولي في تاريخ الدرامات التليفزيونية، وهناك أيضا (الهروب) للكاتب بلال فضل والمخرج محمد علي والممثلون كريم عبد العزيز وكارولين خليل ودلال عبد العزيز وعبد العزيز مخيون ودراما تبدأ بتعذيب شاب علي يد الأمن لاجباره علي الاعتراف بأن صديقه حاول قتل الرئيس ومناقشة علاقة المواطن بجهاز الأمن في كل أشكاله وألوانه، أما في (باب الخلق) فنحن أمام (أبو عبد الله) أحد زعماء الجهاد الذي جاء من خارج مصر في صندوق خشب مغلق وخرج منه هو وولده ليواجه كل الاسئلة عن رحلة الجهاد الطويلة في عمل من اخراج عادل اديب وبطولة محمود عبد العزيز ومجموعة كبيرة من النجوم، وكذلك الأمر مع (اخت تريز) المسلسل الذي يطرح قضايا المواطنة والعلاقة الشائكة بينها وبين الموقف الأمني ودخول الطائفية طرف فيها..ومع ذلك كله.. نحن في البداية فقط.