اعتمدت مصر في السنوات الماضية علي الاستثمار الأجنبي لتعويض فشل الحكومات السابقة في رفع معدلات الادخار القومي، كذلك ضعف القدرة التنافسية للمنتجات المصرية سواء في السوق الداخلي أو الخارجي. ورغم أن الاقتصاد المصري – بالمقارنة باقتصاديات الدول المجاورة – أقل قدرة في جذب الاستثمارات الأجنبية، إلا أن الاقتصاد المصري لديه قدرة كبيرة علي استيعاب الاستثمار الأجنبي المباشر، إلا أن هذا الاستيعاب مرهون بالاستقرار السياسي في مصر. وقد شهدت الاستثمارات الأجنبية لمصر انخفاضا شديدا في بدايات عام 2010، وقبل ثورة 25 يناير كنتيجة لضبابية الموقف السياسي آنذاك، ومحاولات توريث الحكم، واستمر انخفاض الاستثمار الأجنبي بعد ثورة 25 يناير إلي الآن، وبعد انتخاب رئيس جديد للجمهورية فإن مصر تعول كثيرا علي الاستثمار الأجنبي في محاولة للخروج من الأزمة الاقتصادية.. لكن هل سيأتي الاستثمار الأجنبي سريعا؟ نوعان من الاستثمارات في البداية تقسم دراسة للبنك الأهلي المصري الاستثمارات الأجنبية في مصر إلي نوعين أساسيين.. الأول هو الاستثمارات التي تعمل في مجالات خدمية وغيرها من الاستثمارات التي يمكن تصفيتها أو تجميدها مؤقتا. أما النوع الثاني من الاستثمارات، فهو الاستثمارات الثقيلة التي لا يمكن تصفيتها أو تجميدها بسهولة، وفي مقدمتها الاستثمارات في القطاعات الإنتاجية الصناعية أو الزراعية أو الفندقية أو في القطاع العقاري، وهذه الاستثمارات لا يوجد أمامها سبيل آخر سوي الانتظار والبقاء في السوق حتي تتحسن الأحوال في مصر. اضطراب سياسي وتشير الدراسة إلي أنه مع استمرار حالة الاضطراب السياسي التي تشهدها مصر حاليا فإن لا يمكن التكهن باستعادة الاستثمار الأجنبي المباشر خلال فترة قصيرة، وبالتالي سيظل معدل النمو الاقتصادي منخفضا، فضلا عن تفاقم مشكلة البطالة، إلي جانب الانعكاسات السلبية علي الاستثمار الأجنبي في مصر والتي تتمثل في انتظار الاستثمارات الجديدة الراغبة في المجيء إلي مصر لحين معرفة اتجاهات المرحلة المقبلة وطبيعة الحوافز التي سيقدمها النظام السياسي الجديد للقطاع الخاص سواء كان محليا أو أجنبيا، فضلا عن معاناة الاستثمارات الأجنبية القائمة والتي بدأ تنفيذها بالفعل من مشكلة توقف التمويل اللازم لاستكمالها. تدفقات الاستثمار وتكشف الدراسة عن أن تدفقات الاستثمارات الأجنبية لمصر شهدت تذبذبا واضحا خلال الفترة من 2005 وحتي عام 2010، وسجلت أعلي مستويات لها عام 2007 بنحو 6.11 مليار دولار، في حين شهد عام 2009 أكبر تراجع في الاستثمار ليصل إلي 7.6 مليار دولار، ويواصل الاستثمار الأجنبي انخفاضه عام 2010 ليسجل 4.6 مليار دولار كنتيجة للآثار السلبية للأزمة المالية العالمية. ويشير التوزيع الجغرافي للاستثمار الأجنبي في مصر خلال عام 2010 – 2011 إلي احتلال مجموعة دول الاتحاد الأوروبي للمركز الأول بنسبة 8.63% من إجمالي التدفقات الداخلة، وعلي رأسها المملكة المتحدة بنحو 3.4 مليار دولار، تليها الولاياتالمتحدةالأمريكية بنسبة 7.18%، ثم مجموعة الدول العربية في المركز الثالث بنسبة 11%، وعلي رأسها الإمارات بنحو 410 ملايين دولار، ثم السعودية 206 ملايين دولار. البترول الأول أما التوزيع القطاعي للاستثمارات الأجنبية لمصر في تلك السنة، فيشير إلي استحواذ قطاع البترول علي 7 مليارات دولار بنسبة 3.73% من جملة الاستثمارات الداخلة، وتشكل الاستثمارات الواردة لتأسيس الشركات أو لزيادة رءوس الأموال نحو 4.2 مليار دولار بنسبة 25%، أما التحويلات الواردة لشراء عقارات بواسطة غير المقيمين فتمثل 13.0 مليار دولار بنسبة 4.1% من إجمالي الاستثمارات الأجنبية المباشرة لمصر خلال عام 2010 – 2011. لكن يجب ملاحظة أن تدفقات الاستثمار الأجنبي للخارج عام 2009/2010 بلغت 2.4 مليار دولار، وعام 2010 – 2011 بلغت 4.7 مليار دولار، 98% منها تمثل معظمها إعادة تحويل رأس مال شركات البترول الأجنبية والمشتركة للخارج. القطاعات الاقتصادية وشهدت الاستثمارات الأجنبية المباشرة لمصر تحولا من قطاع إلي آخر خلال الفترة من 2007 إلي 2011، فقطاع الصناعة شهد انخفاضا مستمرا في نسبة الاستثمار الأجنبي من 5.35% عام 2007 إلي 33% عام 2008، ثم 9.30% عام 2011، فما ارتفعت الاستثمارات في قطاع السياحة من 10% إلي 5.13%، وانخفضت الاستثمارات في القطاعات الخدمية من 15% إلي 10%، فيما ارتفعت الاستثمارات في قطاع الإنشاء من 2.7% إلي 4.17%، ارتفعت في قطاع الاتصالات من 5.6% إلي 7.7%، والزراعة من 2.6% إلي 4.9% خلال الفترة نفسها. صعوبات ورغم أن مصر بذلت العديد من الجهود لجذب الاستثمارات الأجنبية المباشرة لمصر منذ منتصف التسعينيات، إلا أن دراسة البنك الأهلي تكشف العديد من العوامل التي أدت إلي انخفاض تدفق الاستثمار الأجنبي لمصر، منها الافتقار إلي حرفية الترويج للاستثمار الأجنبي المباشر داخل مصر خاصة في ظل المنافسة العالمية لجذب الاستثمارات، فضلا عن غياب الرؤية السياسية والاقتصادية في الوقت الحالي، ومن ثم عدم توافر مناخ آمن وجاذب للاستثمارات الأجنبية المباشرة. الأهم من ذلك غياب وجود خريطة استثمارية للمناطق الجغرافية الواعدة والجاذبة للاستثمار واتباع سياسات غير مرنة وفعالة في التعامل مع المستثمر لجذب المزيد من الاستثمارات، فضلا عن انتشار البيروقراطية والعراقيل التي تواجه الاستثمار، ونقص العمالة الماهرة والمدربة اللازمة للمشروعات، واقتصار الاستثمار الأجنبي علي قطاعات البترول والغاز والسياحة، وارتفاع تكلفة التكنولوجيا الأوروبية المقدمة إلي الدول النامية ومن بينها مصر خاصة بعد الوحدة الأوروبية. توصيات وفي النهاية تولي الدراسة بعض المقترحات لزيادة تدفق الاستثمار الأجنبي المباشر في مصر منها الاستمرار في الإجراءات الإصلاحية فيما يتعلق بمناخ الاستثمار بصورة عامة ودراسة كيفية تنمية بيئة الأعمال اقتصاديا وسياسيا وتشريعيا، ودراسة مدي إمكانية تفعيل وتنمية الدور الذي تلعبه «العناقيد الصناعية» في مصر، حيث أكدت تجربة منطقة غرب أوروبا أهمية الدور الذي تلعبه هذه العناقيد في جذب الاستثمارات الأجنبية. ودراسة تفعيل التكامل الاقتصادي بين الدول النامية بصورة عامة وبين الدول الغربية بصورة خاصة، ودراسة الاستثمارات المصرية الموجهة للخارج وبحث إمكانية جذبها لمصر مرة أخري من خلال تقديم المزيد من الحوافز للمستثمرين.