أنهى مجلس أمناء الحوار الوطنى الأربعاء الماضى المرحلة الأولى لأعماله، بعد نحو مائة يوم من بدئها فى منتصف مايو الماضى ، ونحو 60 جلسة نقاشية للمشاركين فى أعماله والمشكلين للجانه لمناقشة نحو 70 قضية، كما تم الإعلان عن توصيات تلك الجلسات التى تعد تجميعا لمشروعات القوانين والمقترحات والتوصيات التى شكلت مشتركا عاما بين معظم المشاركين فى الحوار من حزبيين ومستقلين وشخصيات عامة وممثلين للنقابات ومنظمات العمل المدنى فى شأن القوانين التى تحكم العمل السياسى والأهلى والثقافى، والأخرى التى تخضع لها الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية السائدة .ولعل الطموح الذى يسعى الحوار إلي بلوغه، ونتمناه جميعا، هو النهوض بالحياة السياسية والاجتماعية والاقتصادية، وحل الإشكاليات التى تعترض تحويل ذلك النهوض من أمل منشود، إلى حقيقة على أرض الواقع، وتنفيذا لتمنى الرئيس السيسى أن يشكل الحوار"خريطة طريق لمستقبل واعد مشرق ".، وتحقيقا لوعده الرئاسى بالتصدى لكل المعضلات التى تعترض تقدم مصر والأخذ بها إلى المكانة التى تستحقها. أن يبدأ الحوار الوطنى وينتهى ويصدر توصيات، متنوعة، فهذا فى حد ذاته انجاز لترسيخ مبدأ وقيمة الحوار فى الحياة السياسية بين مختلف الآراء والتوجهات الفكرية والتيارات السياسية ، بصرف النظر عن الموقف من مخرجاته .والتجارب المعاصرة علمتنا أن الاكتفاء بالإدانة والتذمر والشكوى ليس بوسعه أن يحل المشاكل، بل هو يراكمها. وما كان لمثل هذا أن يتحقق لولا الجهود التى بذلها 19 عضوا يشكلون مجلس الأمناء، وجهد المنسق العام "ضياء رشوان" ورئيس الأمانة الفنية للحوار المستشار "محمود فوزى" الذين نجحوا فى بناء الثقة بين المنصة وبين المشاركين فى الحوار من قوى سياسية متباينة الرؤى والأهداف، وتحقيق الفرص المتساوية فى عرض تلك الرؤى، وقصرها على بدائل تشريعية واقتراحات خلال الدقائق الأربع التى تم منحها للمتحدثين، والأخذ بمبدأ التوافق لا التصويت، فيما يتم الانتهاء إليه من مقترحات لمشروعات قوانين أو إجراءات تنفيذية أو توصيات ترفع للرئيس السيسى . وكان من الأمور التى عززت تلك الثقة، تشكيل إدارة الحوار للجان خبراء متخصصة، محدودة العدد لبحث قضية واحدة بعينها، فضلا عن استجابة الرئيس أثناء عقد جلسات الحوار لمطالبه ، بإصدار قرارات عفو رئاسى عن عدد من المحبوسين فى قضايا الرأى، وتمديد الإشراف القضائى على الانتخابات، والموافقة على تشكيل مفوضية عليا للتعليم . كنت أتمنى أن يشمل التقرير المكتظ بتوصيات لجان الحوار الوطنى، اقتراحات وتوصيات آنية تربط مؤتمر الحوار بجميع فئات المجتمع، وليس بنخبه السياسية فقط، تتعلق بظروف الحالة الاقتصادية المتعثرة التى تمر بها البلاد الآن، لكبح حالة الغلاء المتوحشة التى باتت تفقد أغلبية المواطنين القدرة على تلبية احتياجات حياتهم اليومية، كما زادت من حدة الفقر، لاسيما مع تقليص الدعم وتحويله من عينى إلى نقدى، مما أفقده وظيفته الاجتماعية بعد الانخفاض المتوالى لقيمة الجنيه، وغيبة الرقابة التنفيذية على الأسواق . وجاءت التوصية بزيادة عدد مقاعد المجالس التمثيلية، البرلمان والشيوخ، لتؤكد التفسير الشائع أن القوى السياسية تسعى فى الحوار للتشريع لنفسها على حساب المصالح العامة . فما الذى تكسبه البلاد من زيادة أعداد المجالس التمثيلية التى لم يثبت حتى الآن أنها تقوم بدورها الرقابى والتشريعى على الوجه الأكمل ؟ كما أفرطت التوصيات فى المطالبة بكيانات تنفيذية جديدة كمفوضية التمييز ومفوضية التعليم، تضاف لمثيلاتها من مؤسسات ومجالس تنفيذية قائمة تستحق الدعم وبعث الروح فى أنشطتها لتقوم بحرية وكفاءة بجميع الأدوار المنوطة بها، وكلها أمور لا تحتاج إلى تغيير فى الشكل بل فى السياسات .والدعوة لدعم الأنشطة الثقافية الخاصة ومنح تسهيلات لانتشارها، تبدو متعارضة مع مطالب مزمنة بدعم أجهزة الثقافة الجماهيرية وتنشيط قصورها التى تحولت لمأوى للمتشددين الدينيين ! ولكى تعم الفائدة من المرحلة المقبلة من جلسات الحوار، فربما يكون من الأوفق أن تنحصر الجلسات على مناقشة قضية واحدة فقط ، وأن يدعى إليها المتخصصون والخبراء ، وذوى الشأن ،وأن يفتح الحوار فيها على مصراعيه، لينتهى إلى توصيات عملية محددة، يسهل النقاش حولها وييسر لصانع القرار تنفيذها .ولعله يكون من الأفضل الحرص على الكفاءة والتناغم بين أعضاء مجلس الأمناء بدلا من سياسة التنوع التى تسعى لإرضاء كل الأطراف، فيتوه الهدف ويخسر الجميع !