انتهت الحرب العالمية الثانية وكان لهزيمة الفاشية واضعاف المعسكر الاستعماري اثر ضخم في انتفاضة الشعوب في كل أنحاء العالم مطالبين بالتحرر من قبضة الاستعمار انتهت الحرب وكانت الحكومة القابضة علي زمام الحكم في مصر هي حكومة السعديين والدستوريين برئاسة النقراشى باشا وهي حكومة الاحتكار والاقطاع وانتظر الشعب من الحكومة ان تصنع شيئا في قضية الجلاء ولكنها لم تصنع شيئا. وفي الوقت الذي طالبت فيه العناصر الواعية بعرض قضية مصر علي مجلس الامن واخراجها من نطاق العلاقة الثنائية بين انجلترا ومصر, نري عبد الحميد بدوي مندوب الحكومة في هيئة الامم, يقول في تصريح له في 20 يناير 1946, انه لا يعتقد ان من شأن مجلس الامن أن يتناول أي مشكلة تتعلق بمصر أو العالم العربي, وكانت خطة الحكومة القائمة ان تبقي معاهدة 1936 وأن يبقي التحالف وأن تبقي التبعية لانجلترا وأن تبدأ المطالبة ببعض تسويات عندما تفرغ بريطانيا من مشاكلها. واشتدت حملة الرأي العام ضد حكومة النقراشي لاغفالها المطالب المصرية الوطنية ولوقوفها موقف الصمت واضطرت حكومة النقراشى ان تصنع شيئا وكان ان تقدمت في خفية من الشعب بمذكرة هزيلة إلي الحكومة البريطانية في 20 ديسمبر 1945 تطالب بإعادة النظر في معادة 1936 كي تكون مسايرة مع الحالة الدولية الجديدة وتطالب بسحب القوات البريطانية في زمن السلم, وأن تكون علاقات مصر مع بريطانيا مستقرة علي اساس من التحالف ، واثقة أن حليفتها بريطانيا ستشاركها هذا الرأي, وانتظر النقراشي فجاءه رد الحكومة البريطانية بعد قرابة شهر ليقول: إن المبادئ الاساسية التي قامت عليها معاهدة 1936 سليمة في جوهرها .. ان سياسة حكومة جلالة الملك هي أن تدعم بروح من الصراحة والود التعاون الوثيق الذي حققته مصر ومجموعة الامم البريطانية في اثناء الحرب, كأن مصر ومجموعة الأمم البريطانية شيء واحد. واشتد سخط الشعب عندما اطلع علي المذكرتين: النقراشية والبريطانية, وقرر الشعب أن يتحرك: مذبحة كوبري عباس: وبدأت الاضرابات وعقد مؤتمر بجامعة فؤاد الاول (جامعة القاهرة) يوم السبت 9 فبراير 1946 وتجمع الطلبة ليخرجوا في مظاهرة ضمت بضعة الاف وتحركت المظاهرة نحو قصر عابدين وكان شعارها الجلاء, لا مفاوضة الا بعد الجلاء. وبلغت المظاهرة كوبري عباس ووجده الطلبة مفتوحا وصمم الطلبة علي اجتيازه وحاصرتهم قوة البوليس من الجانبين وكانت تحت قيادة ضابط انجليزي وانهالت علي الطلبة بالضرب بالعصي الغليظة في قسوة متناهية واطلقت قوات البوليس أعيرة نارية, حتي لقد اضطر بعض الطلبة إلي الالقاء بأنفسهم في النيل وكانت مذبحة كوبري عباس. واضطرت وزارة النقراشي الي الاستقالة في 15 فبراير 1946 ولكن السراي تحدت الشعب واختارت الطاغية اسماعيل صدقي رئيس اتحاد الصناعات وعضو مجلس ادارة شركة القناة لرئاسة الوزارة ولكن الشعب رد علي تحدي الوزارة بتحد مقابل له فكان أن استمرت المظاهرات من جانب مختلف المدارس ومختلف الاحياء. وتكونت فى مدرج كلية الطب بالقاهرة اللجنة الوطنية للعمال والطلبة التى قررت أن يكون يوم الخميس 21 فبراير 1946 يوم الجلاء, يوم اضراب عام لجميع هيئات الشعب وطوائفه يوم استئناف للحركة الوطنية المقدسة التي تشترك فيها كل عناصر الشعب متكتلة, حول حقها في الاستقلال التام والحرية الشاملة حتي ينجلي كابوس الاستعمار الذي ظل جاثما علي صدورنا منذ 64 عاما. وفي هذا اليوم يوم 21 فبراير 1946 سارت مظاهرة تضم ما يزيد على الاربعين الفا وقيل مائة الف وأخذت تطوف بأهم شوارع القاهرة حتي بلغت ميدان الاسماعيلية (التحرير الآن) وهنا تصدت لها أربع سيارات بريطانية مصفحة واقتحمت الجموع لا تعبأ بشيء وكان مستحيلا افساح الطريق لها, فقط قتلي وجرحي وغضب الجموع واستولت علي السيارات البريطانية و اشعلت فيها النار وكان أن اطلق جنود الاحتلال الرصاص علي المتظاهرين من معسكرهم ونزلت القوات البريطانية المسلحة في الشوارع ولكن المظاهرات لم تنقطع طوال اليوم وفي كل مكان في أنحاء الوطن وسقط من الشهداء ثلاثة وعشرين شهيدا و121 جريحا. واستمرت حركة الطلاب مع العمال والقوي الوطنية مستمرة لتحقيق الاماني الوطنية في الجلاء واستقلال الارادة الوطنية عاشت مصر ورحم الله شهداءها الأبرار.