في 12 يونيو 2021 أطلقت مجموعة السبع G7 والولاياتالمتحدة خطة مشروع البنية التحتية الكبيرة تحت مسمى "إعادة بناء عالم أفضل", وكان غرضها الرئيسي هو التنافس مع مبادرة الحزام والطريق الصينية, لكن سرعان ما تبين أن هذه المبادرة قد تعثرت بالفعل, بل وتكاد تكون متوقفة عمليًا حتى يومنا هذا, بعد أن كان للصراع الروسي الأوكراني أثر شديد السلبية على الاقتصاد الأوروبي. في حين تواصل الصين توسيع نطاق مبادرة البنية التحتية العالمية, أي مبادرة "الحزام والطريق"، عبر جذب شراكات مع أكثر من 147 دولة من جميع القارات. لم يتم حتى الآن جمع التمويل المقترح البالغ 600 مليار دولار، مع تعهد الولاياتالمتحدة بالمشاركة بمبلغ 200 مليار دولار لإنشاء بوابة دولية جديدة. وبينما يركز الغرب على معالجة الأزمات في أوروبا الشرقية، فإن هدف واشنطن المتمثل في إيجاد بديل لمبادرة "الحزام والطريق" لم يتحقق بعد. تخبط المبادرات الغربية في أوائل يونيو 2021، أعلنت إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن عن برنامج "إعادة بناء عالم أفضل" (بي 3 دبليو) كمشروع "مستند على القيمة وشفاف ومستدام". اعتقد بايدن أنهم قادرون على التغلب على التحديات التي تفرضها مبادرة "الحزام والطريق" من خلال تزويد البلدان الفقيرة ببديل متفوق يعتمد على النموذج الأمريكي للقيم المشتركة, بغرض تلبية احتياجاتها من تمويل البنية التحتية مع الاحتفاظ بمعايير أرقى فيما يخص العمالة والحفاظ على البيئة والشفافية المالية. أعادت مجموعة ال 7 التأكيد على رؤية بايدن ل مشروع إعادة بناء عالم أفضل, لكنها أضافت أنها تركز على برنامج استثمار جديد في البنية التحتية يمكن أن ينافس مبادرة "الحزام والطريق" الصينية, بعد عام تقريبًا من إطلاق مبادرة بايدن، في قمتها في جبال الألب البافارية، في عام 2022. أطلقت الولاياتالمتحدة وكندا وألمانيا واليابان رسميًا، إلى جانب أعضاء مجموعة ال 7 الآخرين, "برنامج النمو في البنية التحتية والاستثمار". وفي الجلسة الختامية، تعهدوا بجمع ما يقرب من 600 مليار دولار على مدى السنوات الخمس المقبلة لمشاريع البنية التحتية في البلدان النامية على ضوء الشراكة العالمية المرتقبة. يُجمع المراقبون إن الغرض الوحيد من المبادرة هو مواجهة مبادرة الحزام والطريق الصينية. يصبح هذا الاستنتاج أكثر صدقًا عند الاطلاع على صحيفة وقائع المبادرة، التي تنص على أن مجموعة ال 7 اجتمعت "لدراسة المنافسة الاستراتيجية مع الصين". قدمت إدارة بايدن المبادرة عبر أدوات أحدثت ضجة إعلامية كبيرة قبل عامين, ومع ذلك، سرعان ما تم تغيير مسماها وعلامتها التجارية باسم "مبادرة الشراكة للبنية التحتية العالمية والاستثمار "بعد عام واحد، ولم يتم تنفيذ أو إطلاق أي مشاريع جديدة. في الوقت نفسه، طرح الاتحاد الأوروبي مبادرة تستنسخ مبادرة "الحزام والطريق" الخاصة به تحت مسمى "البوابة العالمية". عقلية الحرب الباردة وفقًا لدراسة بحثية أجراها معهد سياسات التنمية المستدامة في 2022, ومقره إسلام أباد, أن مبادرة "إعادة بناء عالم أفضل" تدين بأصولها إلى محاولتين أمريكيتين سابقتين لمواجهة توسع التجارة والتكنولوجيا الصينية. وذكرت الدراسة أن الإدارة الأمريكية حاولت في السابق الحد من مجال نفوذ بكين من خلال تقييد صادراتها إلى أسواق الولاياتالمتحدة ومنطقة البحر الكاريبي وتايوان وأفريقيا وجنوب شرق آسيا، فضلًا عن محاولة تقليص نفوذها التكنولوجي والعالمي المتنامي من خلال قانون الابتكار والمنافسة الأمريكي (أوسيكا) ومبادرة "النقطة الزرقاء" أو "بلو دوت". وجاء رد الصين الدبلوماسي على ذلك أن الولاياتالمتحدة "غارقة في عقلية الحرب الباردة" ومصممة على الدفاع عن الهيمنة العالمية للولايات المتحدة, "إن حفنة من الدول لا تستطيع حكم العالم", وصرحت الخارجية الصينية أن الصين قد ترد عبر الانخراط في حرب تجارية أو تغيير قوانينها الخاصة. ومبادرة "النقطة الزرقاء" أو "بلو دوت" هي عبارة عن تجمع لجهود أصحاب المصلحة المتعددين بقيادة المؤسسة الأمريكية لتمويل التنمية الدولية، ومعها البنك الياباني للتعاون الدولي، ووزارة الشؤون الخارجية والتجارة الأسترالية. أُسست لتحليل واعتماد النزاهة المالية والاستدامة البيئية وتأثير مشاريع تطوير البنية التحتية على التنمية الاقتصادية لتشجيع استثمار رأس المال الخاص في الخارج. على الرغم من ذلك، كان الهدف الرئيسي غير المعلن هو كبح هيمنة الصين التجارية المتزايدة والهجوم التكنولوجي على السوق العالمية. وقد أُدمجت الشبكة في وقت لاحق في مبادرة "إعادة بناء عالم أفضل". "الحزام والطريق" ضد "عالم أفضل" عند إطلاق المبادرة الأمريكية في عام 2021، أكدت دول مجموعة ال 7 أن النصف الثاني من القرن 21 سيرتكز على أربع دعائم ذات أولوية للبرنامج وهي: مكافحة تغير المناخ، وإنشاء تكنولوجيا آمنة للمعلومات والاتصالات، وتعزيز المساواة بين الجنسين، والمساهمة في الأمن الصحي العالمي من خلال تطوير البنية التحتية للنظم الصحية. ومع ذلك، يشعر المحللون والمراقبون الجيوسياسيون بالحيرة بسبب اختيار الاتحاد الأوروبي للانخراط في إجراءات تشبه المنافسة مع المشاريع الصينية. هذه التنافسية الأوروبية الصينية لا معنى لها, حيث لا تجد المصالح الأوروبية مسارًا في الصراع مع الصين. لكن يبدو أن الاعتبارات الأيديولوجية المختلفة بين الصين والدول الأوروبية تلعب دورًا رئيسيًا في آفاق الصراع الدولي. إستراتيجيات البنية التحتية الغربيةوالصينية غير متوافقة. وفي حين أن المبادرة الغربية لا تزال في مرحلة جنينية، فإن مبادرة الحزام والطريق التي أطلقها الرئيس الصيني شي جين بينغ، والتي أُعلن عنها في عام 2013، أنشأت بالفعل شبكة اتصالات برية وبحرية تربط آسيا وأوروبا وأفريقيا, لضمان التنمية المتنوعة والمستقلة والمتوازنة والمستدامة للبلدان المرتبطة بالطريق. حتى الآن، تغطي مبادرة "الحزام والطريق" ما يقرب من 2600 مشروع في أكثر من 140 دولة، تمثل 40 % من سكان العالم وأكثر من ثلث ناتجها المحلي الإجمالي. تبلغ تكلفة مبادرة "الحزام والطريق" 3.7 تريليون دولار، وقد استثمرت الصين بالفعل ما يقرب من 755 مليار دولار بين عامي 2013 و 2020 في عام 2019، توقع خبراء مركز التنمية المستدامة أن مبادرة الحزام والطريق ستزيد الناتج المحلي الإجمالي العالمي بأكثر من 7 تريليونات دولار سنويًا, "من المتوقع أن يزيد الناتج المحلي الإجمالي السنوي ل 56 دولة مختلفة بأكثر من 10 مليارات دولار بحلول عام 2040 نتيجة للمشروع". عوائد مرتقبة على الاقتصاد الأمريكي ومن المثير للاهتمام أن الولاياتالمتحدة لديها ما تربحه من مبادرة "الحزام والطريق"، على الرغم من عدم مشاركتها المباشرة في المبادرة, ويرجع ذلك إلى الحجم الهائل للاقتصاد الأمريكي، مما يسمح له بالاستفادة بشكل غير مباشر من زيادة الناتج المحلي الإجمالي العالمي. على الرغم من أن الزيادة في الناتج المحلي الإجمالي للولايات المتحدة هي 1.4 % فقط، فإن حجم الاقتصاد الأمريكي لا يزال أكبر من أي اقتصاد آخر. بعد الصين لدى روسيا ثاني أكبر تأثير، تليها اليابان وإندونيسيا وكوريا والمملكة المتحدةوالهند وهولندا. بهذا الصدد يؤكد ريتشارد وولف, المفكر الاقتصادي اليساري الأمريكي, أنه لا يوجد تقدم ملموس في أي بلد منذ إطلاق المشروع الذي تقوده الولاياتالمتحدة لمبادرة تطوير البنية التحتية العالمية الجديدة. "على عكس الوضوح الإستراتيجي الذي تتحلى به الصين في متابعة أجندتها الجيو اقتصادية، لا يزال الغرب، وخاصة الولاياتالمتحدة والاتحاد الأوروبي، متخبطين في إستراتيجيات مواجهة التحركات الصينية" يقول وولف. وأضاف "أن أساس الإستراتيجية الغربية لا يزال يركز على الأمن, وهو يتطابق مع إستراتيجية الحرب الباردة، التي فقدت أهميتها في البيئة الجيوسياسية العالمية الحالية". صورت وسائل الإعلام الغربية مبادرة الحزام والطريق الصينية بصفتها مجهودًا من دولة واحدة، في حين يقال إن البوابة العالمية هي جهد متعدد الأطراف يهدف إلى إفادة الشعوب في قطاعات محددة، في حين ادعت أن المبادرة الصينية تفيد الصين, بينما لا تفيد الدول المشاركة. ومع ذلك، فإن المشاريع المبكرة التي أعلن عنها الرئيس بايدن في إطلاق مبادرة "إعادة بناء عالم أفضل" ضمنت للجانب الأمريكي إعادة استثمار أكثر من 50% من رأس المال المُستثمر في المبادرة في الاقتصاد الأمريكي. جُمعت المشاريع الممولة بالفعل من قِبل وكالات الاستثمار والمساعدات الحكومية الأمريكية تحت مظلة المبادرة, وتشمل هذه الوكالات: المؤسسة الدولية لتمويل التنمية، وشركة الاتصالات الفرعية، والشركة الأمريكية "نوسكالي باور"، والوكالة الأمريكية للتنمية الدولية، وبنك التصدير والاستيراد الأمريكي، وشركة "شافر" الأمريكية. أعلنت المبادرة عن استثمارات بلغ مجموعها 3 مليارات دولار في قطاعات مثل الاتصالات السلكية واللاسلكية والرعاية الصحية وتكنولوجيا المعلومات والزراعة والاتصالات, في الهندوالسنغال وغرب إفريقيا وكوت ديفوار وجنوب شرق آسيا ورومانيا وأمريكا اللاتينية. سيكون لهذه الاستثمارات تأثير إيجابي بالأساس على الصادرات الأمريكية. على سبيل المثال، من المتوقع أن تستعيد الولاياتالمتحدة أكثر من نصف إجمالي استثماراتها من مشروع واحد فقط للطاقة الشمسية في السنغال، والذي سيعزز الصادرات الأمريكية بأكثر من 1.3 مليار دولار.