تواصل الجزائر لعب دور يبرز تدريجيًا في شؤون الشرق الأوسط وأفريقيا, مما دفع المراقبين للتساؤل حول ما إذا كانت ستواجه ضغوطًا أمريكية مرتقبة, بل وحتى محاولات لتغيير النظام لمواقفه في السياسة الخارجية التي لا تتماشى مع مواقف الغرب. في سبتمبر، طالب أعضاء الكونجرس الأمريكي بتطبيق قانون مكافحة خصوم أمريكا من خلال العقوبات لعام 2017 (كاتسا)، مما أثار الدعوات إلى فرض عقوبات على الجزائر بسبب صفقات الأسلحة مع موسكو. جاء هذا النداء بعد فترة وجيزة من نفس الدعوة التي تقدم بها السناتور الجمهوري ماركو روبيو في رسالة إلى وزير الخارجية أنتوني بلينكن. توتر العلاقات مع المغرب منذ الحرب الباردة، دارت الدولة الجزائرية خارج الفلك الغربي، وفضلت أن تدعم حركات التحرر الوطني وتتبع برنامجًا للسياسة الخارجية أكثر ملاءمة لأوضاعها الداخلية. وهو ما ساهم في اضطراب العلاقة مع جارتها الغربية، المغرب، التي اختارت أن تصطف مع الغرب. واليوم، تتصاعد التوترات مرة أخرى بين البلدين في شمال أفريقيا بسبب موقف مماثل، خاصة أن المغرب قرر تطبيع العلاقات مع إسرائيل بسبب ضغوط من إدارة الرئيس الأمريكي آنذاك دونالد ترامب. يتطور سباق التسلح بين البلدين منذ عام 2015، حيث تجد الحكومتان نفسيهما منغمستين في حالة الاستقطاب بين الشرق والغرب. على خلفية التوترات مع جارته المتحالفة مع الغرب، برزت الجزائر عام 2022 كلاعب إقليمي. مع استمرار أزمة الطاقة العالمية في خضم مواجهة الغرب مع روسيا في أوكرانيا، حققت الجزائر نتائج جيدة. في الأشهر الخمسة الأولى من هذا العام وحده، ارتفعت عائدات الجزائر من النفط والغاز بأكثر من 70%، لتصل إلى ما مجموعه 21.5 مليار دولار. وهو ما أتاح لها قدرًا أكبر من الحرية للعمل على أهدافها الدفاعية ومشاريع البنية التحتية. تخطو الجزائر خطوات كبيرة في الحفاظ على التنمية المستدامة والعمل على مشاريع لتوفير المزيد من فرص العمل لمواطنيها. أحد هذه المشاريع هو تشييد مدينة تسمى بوغيزول. توفر المدينة منازل ل400 ألف أسرة كجزء من إستراتيجيتها للقضاء على الأحياء الفقيرة والمساكن المهجورة، وتسعى أيضًا إلى استضافة وكالة الفضاء الجزائرية ومحطة سكة حديد جديدة ومطار دولي جديد. ويبدو أن مثل هذه الجهود، إلى جانب إحياء العروض العسكرية في يوم استقلال البلاد، تمثل جهدًا حقيقيًا لطمأنة المواطنين تجاه نوايا الحكومة بعد سنوات من عدم الثقة والتظاهرات الواسعة. التقارب مع تونس إلى جانب المحاولات المستمرة لتحقيق أفضل استفادة من المزايا الاقتصادية الجديدة محليًا، يبدو أن الجزائر تركز أيضًا على تأثيرها الخاص على الشؤون الإقليمية. وبما أن البلاد قطعت علاقاتها مع المغرب المجاور، وهذا القطع الذي يعود جزئيًا إلى نفوذ إسرائيل الاستخباراتي والعسكري مع المغرب، فضلًا عن الدعم المغربي المزعوم للجماعات الانفصالية، فإنها تسعى الآن إلى التقارب مع تونس بدرجة أكبر. وقد اجتذبت الجزائر، ثالث أكبر مورد للغاز إلى أوروبا، اهتمامًا عالميًا كبيرًا هذا العام، لتصبح أكبر مورد للغاز إلى إيطاليا، في حين أن العلاقات العسكرية تتعمق بين البلدين. وفيما يتعلق بتونس، دعمت الجزائر قيس سعيد بعد القرارات الجريئة التي اتخذها في تونس والتي وُصفت بالانقلاب الدستوري، تعتمد تونس الآن على الغاز الجزائري بالكامل وتتلقى الإمدادات من الجزائر بسعر مخفض. في ظل معاناة تونس من أزمة اقتصادية حادة, وهو ما دفعها لتعزيز علاقاتها الودية التاريخية مع الجزائر على حساب علاقاتها مع المغرب.. وفي هذا السياق, دعا الرئيس التونسي قائد جبهة البوليساريو إلى مؤتمر طوكيو الدولي الثامن حول التنمية الأفريقية الذي استضافته تونس في أغسطس, أدت هذه الدعوة للعدو اللدود للمغرب إلى البلاد إلى انسحاب السفراء فيما بعد بين تونس والمغرب. تدعم الجزائر جبهة البوليساريو في قتالها على الصحراء الغربية. عودة للقضية الفلسطينية قضية رئيسية أخرى تتطلع الجزائر لها الآن هي المصالحة الفلسطينية. فقد استضافت عددًا من الاجتماعات بين الفصيلين المتنافسين حماس وفتح, من أجل تقليل الصراع وتطوير برنامج عمل يمكن من خلاله الدفاع عن إقامة دولة فلسطينية. كما لعبت قضية بناء الدولة الفلسطينية دورًا محوريًا في قمة جامعة الدول العربية في نوفمبر بالتنسيق مع مصر، حيث حاولت الجزائر تعزيز موقفها إقليميًا من خلال استضافة الاجتماع. برزت الجزائر هذا العام كلاعب رئيسي في إفريقيا والشرق الأوسط. حتى أنها صمدت بقوة ضد غريمتها الاستعمارية السابقة، فرنسا، مما أجبر الرئيس إيمانويل ماكرون على تغيير خطابه حول الجزائر, بعد أن أسقط تبون اللغة الفرنسية من نظام التعليم الجزائري لتستبدل باللغة الإنجليزية. كل التحركات التي تقوم بها الجزائر تشير إلى أنها تعتزم الاستمرار في تبني سياسات لا تتوافق بالضرورة مع المصالح الغربية، بل وتدخل في صراع مباشر معها. وهو ما سبب في ظهور التهديدات من قِبل أعضاء الكونجرس الأمريكي وأعضاء مجلس الشيوخ بفرض عقوبات على الجزائر. رفضت سفيرة الولاياتالمتحدة في الجزائر، إليزابيث مور أوبين، الإجابة عن أسئلة صحفية حول احتمالية فرض العقوبات على الجزائر, مما قد يشير إلى أن مثل هذه القرارات قد لا تكون في أذهان المسؤولين الأمريكيين رفيعي المستوى. ومع ذلك، فإن مسؤولي الحزب الجمهوري قد يمارسون الضغط نحو هذا الاتجاه. ولا يتوقف الموقف الأمريكي السلبي من الجزائر على صفقات السلاح الروسية, ولا الموقف من المغرب فقط, فالقضية المحورية هي النفوذ الاقتصادي الصيني في الداخل الجزائري, حيث تتمتع الصين بنفوذ اقتصادي كبير, تمكنت من خلاله أن تكون المساهم الوحيد مع الجزائر في مشاريع البنية التحتية والتطوير التكنولوجي, كما تحصل الصين على إمدادات جزائرية من الغاز بثمن خاص, مما دفع السيناتور الأمريكي ماركو روبيرو إلى وصف الجزائر بصفتها الحليف الرئيسي للصين في شمال وسط أفريقيا. يرحل عام 2022 والتساؤلات التالية لا تزال مثارة: 1- إلى أي مدى ستذهب واشنطن لمعاقبة الجزائر لرفضها التخلي عن موسكو ولعلاقاتها القوية مع الصين؟ 2-هل تدعم الولاياتالمتحدة المغرب ضد الجزائر بقدر كبير خصوصًا بعد عودة الاهتمام الأمريكي بأفريقيا؟ 3- إلى متى تختار الجزائر التباعد عن التحالف السعودي-المصري- الإماراتي, وبالأخص فيما يتعلق بالأوضاع في ليبيا, لتجد نفسها متوافقة, بشكل غير مباشر, مع التصورات التركية عن المنطقة؟