فى انتظار جولة جديدة..مباحثات روسيا مع الولاياتالمتحدة والناتو ومنظمة الأمن والتعاون الأوروبي.. محلك سر د. نبيل رشوان المباحثات المغلقة التى جرت فى جنيف بين روسياوالولاياتالمتحدة بهدف إيجاد حلول وسط فيما يتعلق بضمانات أمنية تمنحها الولاياتالمتحدةلروسيا بعدم توسع الناتو شرقاً أو ضم دول من الاتحاد السوفيتى السابق، الحديث فى الوقت الحالى عن أوكرانياوجورجيا . أساس المفاوضات كان مشروع أرسلته روسيا فى ديسمبر 2021 إلى الولاياتالمتحدة فيما يشبه الإنذار، كان ضمن المقترحات الروسية المقدمة حظر ضم أوكرانيا لحلف الناتو بما يمثله هذا من خطر على روسيا، وعدم وضع الولاياتالمتحدةوروسيا فى المقابل أى صواريخ متوسطة أو قصيرة المدى فى مناطق تسمح بإحداث إصابات لبعضهما البعض، وحظر إقامة قواعد لحلف الناتو فى أى من مناطق الاتحاد السوفيتى السابق، لكن الولاياتالمتحدة رفضت هذه المقترحات بمجرد أن تسلمتها وقبل بدء المباحثات فى جنيف والتى جرت يوم 10 يناير الجارى. مثل الجانب الروسى فى المباحثات المغلقة، نائب وزير الخارجية الروسى سيرجى ريابكوف، ونائب وزير الدفاع الكسندر فومين، أما الجانب الأمريكى فقد مثلته ويندى شيرمان النائب الأول لوزير الخارجية الأمريكى، المباحثات استمرت ما يقرب من ثمانى ساعات، لم يقم رئيسا الوفدين بمصافحة بعضهما البعض، هناك من فسر الأمر بالتوتر الحادث بين البلدين ولكن بعض المتفائلين فسره بظروف وباء كورونا، لكن على أى حال تصافح الوفدان بتلامس الكوع وهى التحية المعتمدة حالياً فى اللقاءات الرسمية فى ظروف الجائحة. مواقف متباينة لن نخوض فى التفاصيل الدقيقة كثيراً، وسنكتفى بنتائج المباحثات التى انتظرها العالم وانتظرتها أوكرانيا على وجه الخصوص، على أحر من الجمر، وهى التى أوهمها الغرب أن روسيا على وشك الهجوم عليها لاحتلالها، ومن خلال المؤتمر الصحفى الذى عقده رئيس الوفد الروسى سيرجى ريابكوف بعد المباحثات، نجد أنه أكد أن النقاش كان طويلاً ومعقداً وبدون أى محاولات لتنميقه أو التخفيف من حدته أو حتى لتخطى الأمور الشائكة فيه. وفق كلام نائب وزير الخارجية الروسى، الولاياتالمتحدة درست المقترحات الروسية الخاصة بالضمانات الأمنية بجدية، وأكد ريابكوف أن بلاده ليس لديها أى نوايا للهجوم على أوكرانيا، وأشار إلى أنه تحدث عن مستقبل اتفاق الحد من الصواريخ المتوسطة والقصيرة لكن دون التركيز عليه، حيث لم تكن هذه القضية أساسية فى المباحثات (روسيا مهتمة فى واقع الأمر، لأنه فى حال ضم أوكرانيا أو جورجيا للناتو سيلعب هذا النوع من الصواريخ دورا مهما فى حال نشره على أراضى دول الأعضاء الجدد فى حلف الناتو القريبين من روسيا، يذكر أن الولاياتالمتحدة انسحبت من الاتفاقية فى فترة حكم الرئيس دونالد ترامب). وشرح ريابكوف سبب رفض روسيا توسع الناتو، ورفض الحلف ضم أراضى الدول التى انضمت إليه بعد عام 1997 يعتبر أولوية لروسيا، واعترف ريابكوف بأنه لم يتم إحراز أى تقدم فى هذا الأمر. وفى نفس الوقت قال ريابكوف إن الولاياتالمتحدة والناتو ليس لديهم ما يقدمونه سوى الابتزاز وتخويف روسيا بعقوبات لا تحقق أى نتائج. من ناحية أخرى، قال رئيس الوفد الروسى إن الولاياتالمتحدة ترفض مطلب روسيا بعدم توسع الناتو ولا تقدر مدى خطورة ما قد يحدث نتيجة لذلك، ودعا واشنطن لأن تقدر خطورة موقفها الذى من الممكن أن يؤدى إلى خطر المواجهة العسكرية، واختتم ريابكوف تعليقه على نتائج الجلسة الأولى للمباحثات بقوله إن روسيا تريد ضمانا حديديا أن أوكرانياوجورجيا لن تكونا أعضاء فى حلف الناتو، مضيفاً أن بلاده سوف تعول كثيراً على الخطوات التى ستتخذ لضمان أمنها، وإجراء جولات أخرى من المفاوضات. أمريكا منفتحة من جانبها، أشارت ويندى شيرمان نائبة وزير الخارجية الأمريكى إلى أن بلادها منفتحة على الحوار بشأن الأسلحة الإستراتيجية والتكتيكية والصواريخ فى أوروبا والشفافية وحجم المناورات العسكرية، وفى الوقت نفسه واشنطن ترفض تحديد من يقبل من الدول فى عضوية حلف الناتو، وأكدت أن الحرب النووية لن يكسبها أحد ولا يجب إشعالها، لكنها عادت وأكدت أن التفاهم بين الولاياتالمتحدةوروسيا ممكن، مقترحة جولات جديدة من المشاورات السياسية فى المستقبل القريب. واختتمت تعليقها على المباحثات بأن الولاياتالمتحدة لن تسمح لأحد مهما كان بإغلاق الباب أمام أى دولة تريد الانضمام للحلف، وفى الوقت نفسه أشارت إلى أن الولاياتالمتحدة لن تناقش مستقبل انضمام أوكرانيا للحلف بدون أوكرانيا نفسها، الوفد الأمريكى كرر نفس الأسطوانة التى يرددها كل يوم تقريباً وعلى لسان ويندى شيرمان، عندما قال إن رد الفعل الأمريكى على أى عمل عسكرى روسى ضد أوكرانيا سيكون أشد بكثير مما حدث عام 2014. لقاءات مختلفة هذا فيما يتعلق بلقاء الوفدين الأمريكى والروسى، لكن كان ينتظر روسيا لقاء آخر مع ممثلى حلف الناتو يوم 12 يناير، هذه المرة فى بروكسل وفى اليوم التالي لذلك أى 13 يناير لقاء مع منظمة الأمن والتعاون الأوروبي فى فيينا لبحث العلاقات الروسية الأوروبية، على أى حال هذين اللقاءين لا يختلفان عن بعضهما البعض فدول أوروبا هم أعضاء الناتو، وربما تغيير العواصم كان الهدف منه إيهام الوفد الروسى بتغير المفاوضين أو تغير مواقفهم لكن واقع الأمر لم يحدث أى جديد فى جولة بروكسل أو جولة فيينا. جولة بروكسل كانت فى إطار مجلس روسيا الناتو الذى لم تحضره روسيا منذ فترة طويلة، كما أن قنوات الاتصال مقطوعة بين الجانبين ولذلك وهذه ربما الإيجابية الوحيدة أن تم تجديد الاتصال بينهما. مطالب روسيا الجانب الروسى ذهب لاجتماع الناتو وكان يطمح فى تثبيت بعض النقاط القانونية المتعلقة بالتسلح وهى : 1 عدم نشر روسيا أو دول حلف الناتو أى أسلحة فى أوروبا أكثر من تلك التى كانت موجودة على الأراضى الروسية أو أوروبا فى تاريخ 27 مايو 1997. 2 استبعاد نشر الصواريخ المتوسطة والقصيرة المتمركزة على الأرض فى مواقع تمكنها من إصابة أهداف فى أراضى الطرف الآخر. 3 أن يمتنع الناتو عن التوسع شرقاً بما فى ذلك على حساب ضم أوكرانيا. 4 امتناع دول حلف الناتو عن القيام بأي أعمال عسكرية فى دول شرق أوروبا (بما فيها أوكرانيا) وجنوب القوقاز ووسط آسيا. وكان نائب وزير الخارجية الروسى ريابكوف قد صرح فى مناسبة أخرى بأن على الناتو ألا يطمع فى أى تنازلات من روسيا بعد ذلك، وحذر من أن تصبح العلاقات بين روسياوالولاياتالمتحدة شبيهة بتلك التى كانت عليها إبان أزمة الكاريبى عام 1962. توتر العلاقات تجدر الإشارة إلى أن العلاقات بين روسياوأوكرانيا كانت قد شهدت توتراً ملحوظاً فى خريف العام الماضى 2021، على خلفية نشر بعض وسائل الإعلام الغربية معلومات تشير إلى أن روسيا حشدت 175 ألف جندى على الحدود الأوكرانية استعداداً للقيام بالهجوم عليها فى بداية عام 2022. نفت موسكو هذه المعلومات جملة وتفصيلاً، غير أن الغرب استمر فى تصعيد الموقف لكسب نقاط لدى الجانب الأوكرانى بهدف التخفيف من حدة فشله فى أفغانستان، وبذريعة التهديد الروسى قام بتوريد السلاح والمعدات العسكرية وتقديم المعونات وإجراء المناورات البحرية وغير من الأنشطة التى تجعل حلف الناتو وعضوية أوكرانيا فيه واقعا عمليا بعد انتهاء الأزمة الحالية، وفى نفس الوقت يظهر الغرب فى ثوب المنتصر الذى حمى أوكرانيا من غزو روسيا ولم يتخل عنها ومن ثم تكسب واشنطن ثقة حلفائها الأوروبيين، رغم أن روسيا لم يكن فى نواياها الهجوم على أوكرانيا من الأصل. إحساس روسيا بأن أوكرانيا قد تكون عضوا فى الناتو فى المستقبل القريب أو المتوسط كان بمثابة القشة التى قصمت ظهر البعير فى علاقات متوترة أصلاً بين روسيا والغرب ككل. كان الرئيس بايدن فى حديثه الافتراضي مع الرئيس بوتين فى السابع من ديسمبر 2021، قد أكد أن روسيا ستتعرض لعقوبات غير مسبوقة إذا أقدمت على غزو أوكرانيا، بينما أرجع الرئيس بوتين التوتر على الحدود مع أوكرانيا إلى توسع الناتو ومحاولات ضم أوكرانيا للحلف، بحيث سيصبح أكثر قرباً من موسكو من أى وقت مضى، وتساءل الرئيس بوتين مستنكراً هل نحن من أتينا مقتربين من حدود الولاياتالمتحدة أو الحدود البريطانية؟، هم من أتوا إلينا ويقولون لنا "لا" والآن "أوكرانيا ستصبح عضواً فى الناتو"، وطلب الرئيس بوتين من نظيره الأمريكى ضمانات مكتوبة وفورية والآن وليس المخادعة والمراوحة لعشرات السنين. التوتر قائم ويبقى التوتر قائما، الحشود الروسية على الحدود الأوكرانية، والغرب مازال ينفخ فى النار ليزيدها اشتعالاً ويتذرع بقيام روسيا بأعمال عدائية ضد أوكرنيا، ويتهمها بالقيام بأعمال استفزازية ضد أوكرانيا لتتخذ منها ذريعة للقيام بعمل عسكرى ضد أوكرانيا، تخشى روسيا بلا شك من ضم أوكرانيا للناتو وتواجد قوات الحلف فيها وما يمكن أن يسببه هذا من أن يفقد أسطول البحر الأسود الروسى فى سيفاستوبل بالقرم القدرة على المناورة حيث ستكون قوات الناتو فى ظهره بأوكرانيا، التى تقوم بمناورات عسكرية فى مناطق متاخمة لشبه الجزيرة فى خيرسون بأوكرانيا مما يسبب ضيقا للقوات الروسية بالقرم. الغرب على استعداد للحوار مجدداً مع روسيا كما أعلن عن ذلك عقب اتصال تليفونى بين وزير الخارجية الأمريكى بلينكين وسكرتير عام حلف الناتو ستولتنبرج، لكن الجانب الروسى الذى اعتبر الجولة الأولى من الحوار فاشلة ولا يرغب فى القريب المنظور الاجتماع مرة أخرى بممثلى الناتو، خاصة أن الولاياتالمتحدة تسعى الآن لإيجاد مصادر بديلة للغاز، تعوض بها الغاز الروسى فى حال نشوب حرب بين روسياوأوكرانيا، وهى إشارة لا تخلو من تهديد لروسيا بأن أوروبا قد تستغنى عن الغاز الروسى كنوع من العقوبات. لا تغيير الموقف لم يتغير، كل طرف مازال عند موقفه، مع أن السياسة تحتمل الكثير من الموائمات. ويبدو أن روسيا مصممة هذه المرة على درء خطر الناتو. الردود الروسية كثيرة فى حال وصول الحوار مع الغرب لطريق مسدود، منها الاعتراف بالمقاطعتين المتمردتين فى لوجانسك ودنيتسك، أو نشر صواريخ وطائرات إستراتيجية فى فنزويلا وكوبا، الأمر الذى رد عليه مستشار الأمن القومى الأمريكى بأن بلاده سترد على ذلك رد حاسم. وبين الفعل ورد الفعل، نحن فى انتظار جولة مفاوضات جديدة قد تكون قريبة وقد ننتظرها طويلاً.