لاشك في أن مبادرة حياة كريمة مشروع قومي عظيم يستهدف تغيير وجه الحياة لما يقرب من 57% من سكان مصر؛ يعيشون في عموم الريف، وتحسين مستوى معيشة 25% من إجمالي القوة العاملة يعملون في القطاع الزراعي, كما أن المفهوم العام للمبادرة يمكن أن يشمل ما تقوم به الدولة حاليًا من وقف لعشوائية البناء في القرى والنجوع والتوابع الصغيرة، وإدخال تلك المناطق ضمن خطة تنظيم عامة من خلال اشتراطات بناء وتراخيص تتفق وخصوصية كل منطقة على حدة. إعادة بناء وهيكلة الريف كمشروع دولة عملاق بدأ العمل به في القرى الأكثر فقرًا التي لم تمتد إليها يد الحكومات المتعاقبة على مدار عقود، وتتسابق حاليا كافة الجهات والهيئات والوزارات لإعلان مشاركتها وما تقدمه في إطار المشروع, ورغم ذلك فإن هذا الجسد العملاق (حياة كريمة) الذي يتحرك ويعمل في أعماق الريف بطول البلاد وعرضها يفتقد إلى "الروح" التي تمنحه الحياة وتضمن تدفق الدماء في شرايينه ليستمر ويتفاعل معه المستهدفون بتحويل حياتهم إلي كريمة. وبصفتي فلاحًا خرج من أعماق ريف محافظة الشرقية أرى أن المنسيين في ريف مصر؛ وأعني بهم الفلاحين، هم بمثابة الروح الغائبة حتي الآن عن مشروع الدولة "حياة كريمة"، ومنذ أن وقفت الحكومة عاجزة في شهر سبتمبر عام 2014, أمام تنفيذ تكليف الرئيس عبدالفتاح السيسي بعمل نظام تأميني صحي شامل للفلاحين أرجعت ذلك إلى عجزها عن تقديم تعريف للفلاح، أصبح الفلاحون منسيين، وخارج حسابات الحكومات المتعاقبة، فلا تأمين اجتماعيًّا ولا صحيًّا ولا نظامًا علاجيًّا خاصًا بالفلاحين. الحكومة الحالية لا يوجد بها وزير واحد من خريجي كليات الزراعة, ومتخصص في الاقتصاد الزراعي أو عمل يومًا في مجالات الأراضي والمياه، لذلك عجزت عن تقديم تعريف للفلاح فأخرجته من حساباتها, ولذلك فإنها أبعد ما يكون عن تنفيذ استراتيجية الرئيس بالتوسع الأفقي والرأسي والاهتمام بالمحاصيل الاستراتيجية مثل القطن والقمح والكتان وتوفير مستلزمات الإنتاج اللازمة لذلك؛ خاصة في قطاعي التقاوي والأسمدة. الفلاحون من أصحاب الحيازات الصغيرة "أقل من فدان" والذين يمثلون 85% من إجمالي الحيازات الزراعية، أو الذين يزرعون الأرض بنظام المشاركة مع مالكها والأجراء الذين يعملون باليومية، وكل من تحمل بطاقة الرقم القومي الخاصة به وظيفة عامل زراعي، كل هؤلاء هم الحراس على الأراضي الزراعية في مصر؛ يمنحونها من صحتهم وعافيتهم لتظل خضراء منتجة دون عون أو مساندة من الحكومة, وهؤلاء لا يعلمون لهم طريقًا لتلقي العلاج عند المرض ولا وسيلة للإعالة والإعاشة عندما تنقطع بهم السبل ويتقدم بهم العمر، وليس لديهم ما يدفعونه في ظل ما تقترحه وزارة التضامن الاجتماعي حول ما تسميه مبادرة "معاشك بإيدك". المريض الذي لا يجد العلاج، والعجوز الذي لا يجد من يعوله، لا يمكن أن تتحول حياته إلى كريمة برصف طريق أو ردم مصرف أو تبطين ترعة أو طلاء سنترال ومكتب بريد، لذلك يجب أن تبدأ المبادرة العظيمة حياة كريمة في القرى التي بدأت العمل فيها بعمل حصر ميداني لمن يعيشون في تلك المناطق للوصول إلى الفلاحين الذين ليس لديهم مصدر دخل آخر غير العمل بالزراعة، وتوفير سبل الحياة الكريمة لهم، وإعادة الوحدات البيطرية التي تم تخريبها وإغلاقها ودعمها بالأطباء البيطريين ودعم الجمعيات الزراعية بشباب من المرشدين الزراعيين، علما بأنه لم يتم تعيين مهندس زراعي منذ 30 عامًا، ومراجعة منظومة بيع المبيدات الزراعية، وبذلك يمكن للفلاحين أن يتفاعلوا مع الأعمال العظيمة التي يتم تنفيذها؛ خاصة توصيل شبكات المياه والصرف الصحي. الفلاحون هم الروح لمبادرة "حياة كريمة" وهم الأداة الحقيقية التي يمكن استخدامها لتنفيذ استراتيجية تأمين الغذاء وتحقيق الاكتفاء الذاتي منه، وفقا لما يستهدفه الرئيس عبدالفتاح السيسي، والحكومة يجب أن تضم متخصصين في الزراعة وخبراء في الاقتصاد الزراعي. رحم الله الشهداء وتحيا مصر