توقع البنك الدولى استمرار ارتفاع أسعار الطاقة حتى عام 2022 ، لكنها ستبدأ في التراجع في النصف الثاني من ذلك العام مع تخفيف قيود العرض. ومن المتوقع أن تنخفض أسعار السلع غير المرتبطة بالطاقة، بما في ذلك المنتجات الزراعية والمعادن، في عام 2022، بعد تحقيق مكاسب قوية هذا العام. الأمر الذي يخلق المزيد من الضغوط التضخمية العالمية، مع احتمال تغيير مسار النمو الاقتصادي إلى البلدان المصدرة للطاقة من البلدان المستوردة. قال أيهان كوسي، رئيس الخبراء الاقتصاديين ومدير مجموعة الآفاق الاقتصادية بالبنك الدولي "إن الارتفاع الحاد في أسعار الطاقة يشكل مخاطر كبيرة في الأمد القريب على التضخم العالمي، وإذا استمر فقد يؤثر أيضا على النمو في البلدان المستوردة للطاقة… وقد تبين أن الارتفاع الحاد في أسعار السلع الأولية أكثر وضوحا مما كان متوقعا من قبل. وقد تؤدي تقلبات الأسعار مؤخرا إلى تعقيد خيارات السياسات مع خروج البلدان المختلفة من حالة الركود العالمي التي شهدها العام الماضي. ومن المتوقع أن تبلغ أسعار النفط الخام (متوسط أسعار خام برنت وخام غرب تكساس الوسيط وخام دبي) في المتوسط 70 دولارا في عام 2021، بزيادة قدرها 70%. ومن المتوقع أن تبلغ هذه الأسعار 74 دولارا للبرميل في عام 2022 مع ارتفاع الطلب على النفط والوصول إلى مستويات ما قبل الجائحة. ويمثل استخدام النفط الخام كبديل للغاز الطبيعي مخاطر كبيرة على آفاق الطلب، رغم أن ارتفاع أسعار الطاقة قد يبدأ في التأثير على النمو العالمي. ومع تراجع النمو العالمي وتعطل الإمدادات، من المتوقع أن تنخفض أسعار المعادن 5% في عام 2022، بعد ارتفاعها بنسبة تقدر بنحو 48% في عام 2021. وفي أعقاب زيادة أسعار المنتجات الزراعية كما كان متوقعا بنسبة 22% في عام 2021، من المتوقع أن تنخفض انخفاضا طفيفا في العام المقبل مع تحسن ظروف العرض واستقرار أسعار الطاقة. وفي هذا الصدد، قال جون بافيز، الخبير الاقتصادي الأول في مجموعة الآفاق الاقتصادية بالبنك الدولي "يؤثر ارتفاع أسعار الغاز الطبيعي والفحم على إنتاج السلع الأولية الأخرى ويشكل مخاطر على توقعات الأسعار… فقد تقلص إنتاج الأسمدة بسبب ارتفاع أسعار الغاز الطبيعي والفحم، وأدى ارتفاع أسعار الأسمدة إلى زيادة تكاليف مستلزمات المحاصيل الغذائية الرئيسية. وانخفض إنتاج بعض المعادن مثل الألومنيوم والزنك بسبب ارتفاع تكاليف الطاقة أيضا." وفى دراسة لأندريا بيسكاتوري، ومارتن شتومر، ونيكو فالكس نشرت على موقع صندوق النقد الدولى كشفت عن أن الصعود الحاد في أسعار الغاز الطبيعي يتغلغل تأثيره في أسواق الطاقة العالمية وفي قطاعات اقتصادية أخرى بدءا من المصانع وحتى المرافق، مشيرة إلى أنه يتجمع الآن مزيج من العوامل غير المسبوقة التي تعكر الأجواء في أسواق الطاقة العالمية، وتعيد إلى الأذهان ذكريات أزمة الطاقة التي وقعت في سبعينات القرن الماضي، وتزيد من تعقيد آفاق التضخم والاقتصاد العالمي التي يغلب عليها عدم اليقين بالفعل. فقد ارتفعت الأسعار الفورية للغاز الطبيعي بأكثر من أربعة أضعاف مسجِّلة مستويات قياسية في أوروبا وآسيا، وهي ارتفاعات سعرية حادة غير مسبوقة من حيث استمراريتها وبعدها العالمي. وكالعادة، تتسم هذه التحركات بالموسمية والتركيز المحلي. فعلى سبيل المثال، شهدت الأسعار الآسيوية قفزة مماثلة في العام الماضي ولكن تداعياتها لم تنتقل آنذاك مؤدية إلى ارتفاع مصاحب في أوروبا. قفزت أسعار الغاز الطبيعي في كل من أوروبا وآسيا هذا العام، وهو تغير بالنسبة للأسواق التي تتسم في العادة بتركيزها المحلي. وسط توقعات أن ترتد هذه الأسعار إلى مستويات أقرب إلى الطبيعية في مطلع العام القادم حين ينحسر الطلب على الطاقة لأغراض التدفئة وتتعدل على أساسه الإمدادات. غير أنه إذا ظلت الأسعار على ارتفاعها المشاهد في الآونة الأخيرة، فقد يتحول الأمر إلى عبء معوق للنمو العالمي. وفي الوقت نفسه، بدأ الشعور بالآثار المتوالية لهذه الأسعار في أسواق الفحم والنفط. فقد وصلت أسعار النفط الخام "برنت"، الذي يمثل المعيار انخفاض توليد الطاقة من الرياح العالمي، مؤخرا إلى مستوى لم تشهده منذ سبع سنوات حيث تجاوز سعر البرميل 85 دولارا، مع بدء أعداد متزايدة من المشترين في البحث عن بدائل لتوليد طاقة التدفئة والكهرباء في ظل نقص فعلي في الإمدادات. وهناك طلب مرتفع على الفحم، وهو أقرب بديل لهذا الخام النفطي، حيث يتزايد لجوء محطات توليد الكهرباء إلى استخدامه. وقد دفع هذا بالأسعار إلى أعلى مستوى لها منذ عام 2001، مما قاد بدوره إلى ارتفاع تكلفة ترخيص انبعاثات الكربون في أوروبا. وبينما يمكن أن يساعد الفحم على تعويض النقص في الغاز الطبيعي، فإن بعض هذه الإمدادات تعرضت للانقطاع أيضا. فالعوامل اللوجستية أو العوامل المتعلقة بالطقس أحدثت شللا في إنتاج أستراليا وجنوب إفريقيا، بينما هبط إنتاج الفحم في الصين، أكبر منتج ومستهلك للفحم في العالم، في ظل أهداف الانبعاثات التي لا تشجع استخدام الفحم وإنتاجه بينما تحفز على استخدام مصادر الطاقة المتجددة أو الغاز. مخزونات الفحم وواقع الأمر أن مخزونات الفحم الاحتياطية الصينية تسجل حاليا مستويات منخفضة قياسية، مما يزيد من خطر نقص إمدادات الوقود لمحطات توليد الكهرباء في الشتاء. وفي أوروبا، أصبح مخزون الغاز الطبيعي دون المستوى المتوسط قبل حلول فصل الشتاء، مما يضيف إلى مخاطر ارتفاع الأسعار في ظل تنافس المرافق على الموارد الشحيحة قبل حلول الجو البارد. غالبا ما يكون لأسعار الفحم والغاز الطبيعي تأثير أقل على أسعار المستهلكين مقارنة بتأثير النفط لأن فواتير استهلاك الأُسَر للكهرباء والغاز الطبيعي غالبا ما تكون خاضعة للتنظيم، والأسعار أقل مرونة. وحتى مع ذلك، فإن منتجي القطاع الصناعي الذين يعتمدون على الوقود لصناعة الكيماويات أو الأسمدة يواجهون ارتفاعا في أسعار الغاز الطبيعي. وهذه الديناميكيات تدعو إلى القلق البالغ إذ بدأت تؤثر على الآفاق التي يخيم عليها عدم اليقين بالفعل في ظل انقطاعات سلاسل الإمداد، وتصاعد أسعار الغذاء، وزيادة الطلب. وإذا ظلت أسعار الطاقة على مستوياتها الحالية، فسوف ترتفع قيمة إنتاج الوقود الأحفوري العالمي كنسبة من إجمالي الناتج المحلي هذا العام من 4,1% إلى 4,7%. وفي العام القادم، يمكن أن تصل النسبة إلى 4,8% مقارنة بنسبة 3,75% حسب توقعات شهر يوليو. ومع افتراض أن نصف هذه الزيادة في تكاليف النفط والغاز والفحم يرجع إلى انخفاض الإمدادات، فمن شأن هذا أن يمثل انخفاضا قدره 0,3 نقطة مئوية في نمو الاقتصاد العالمي هذا العام وحوالي 0,5 نقطة مئوية في العام القادم. وبالإضافة إلى ذلك، فإننا نتوقع عودة أسعار الغاز الطبيعي إلى مستوياتها العادية بحلول الربع الثاني من العام حين تخف الضغوط الموسمية مع نهاية الشتاء في أوروبا وآسيا، وهو ما تشير إليه أسواق العقود الآجلة أيضا. ومن المرجح أيضا أن تنخفض أسعار الفحم والنفط الخام. غير أن عدم اليقين لا يزال مرتفعا وقد يؤدي وقوع صدمات صغيرة في الطلب إلى إحداث قفزات جديدة في الأسعار.