مع اقتراب مؤتمر جلاسجو الدولي المقرر عقده في نوفمبر المقبل, والذي ستجتمع فيه 196 دولة لمناقشة مسألة التغيير المناخي واتخاذ التدابير اللازمة تجاهه تحت رعاية الأممالمتحدة, تشوب الأجواء الإعلامية الدولية أقاويل تتهم الصين والدول الصناعية النامية بصفتها المسئول الأساسي عن ظاهرة ارتفاع درجة حرارة الكوكب, التي نلحظ أثارها في الأيام الماضية عبر شواهد مختلفة. منذ عام 2008 ، تصدرت الصين القائمة السنوية لكونها أكبر الدول المسئولة عن انبعاثات ثاني أكسيد الكربون لغازات الدفيئة، وفقا "لعالمنا في بيانات"، وهو منشور علمي عبر الإنترنت تصدره جامعة أكسفورد. في عام 2019، أصدرت الصين 10.2 مليار طن متري من ثاني أكسيد الكربون – ما يقرب من ضعف انبعاثات الولاياتالمتحدة (5.3 مليار طن متري) — وهو ما يمثل ما يقرب من 28 ٪ من الانبعاثات العالمية. لكن صافي الانبعاثات وحده لا يكفي لإلقاء اللوم على الصين لتغير المناخ. تقول شايلا راغاف، نائبة رئيس برنامج مراقبة تغير المناخ في الاتحاد الدولي للحفاظ علي الطبيعة، وهي منظمة بيئية مقرها في الولاياتالمتحدة:" إذا نظرت إلى رقم واحد فقط، فأنت تحصل على جانب واحد فقط من القصة". تضيف راغاف أن قياس الانبعاثات بالنسبة للفرد يعطينا صورة أقرب إلى الواقع, فعند الجمع بين بيانات 2019 من مشروع الكربون العالمي و"عالمنا في البيانات"، تتصدر العديد من الدول من منطقة البحر الكاريبي والخليج الفارسي القائمة. في المرتبة ال14 تقف الولاياتالمتحدة، مع ما يزيد قليلا عن 16 طنا من انبعاث ثاني أكسيد الكربون للفرد الواحد. تنبعث من الصين أقل من نصف هذا الرقم للفرد ، حيث يبلغ 7.1 طن ، مما يضع البلاد في المرتبة 48. بالنسبة لثاني أكسيد الكربون، يمكن أن يبقى الغاز في الغلاف الجوي لفترة طويلة للغاية: تستغرق عملية التحلل بأكملها عدة مئات الآلاف من السنين، فوفقاً لوكالة البيئة الألمانية الفيدرالية يمكن للمحيطات والغابات امتصاص بعض كميات ثاني أكسيد الكربون بسرعة كبيرة- ولكن ما يقدر بنحو 40 ٪ من ثاني أكسيد الكربون المنبعثة من البشر منذ عام 1850 ظلت في الغلاف الجوي، وفقاً للدراسة الدولية لمستويات الكربون العالمية. الانبعاثات التاريخية حاسمة عند دراسة ما يدفع تغير المناخ الذي يسببه الإنسان، يجب النظر في الانبعاثات عبر التاريخ. تظهر البيانات أنه على الرغم من أن الصين هي ثاني أكبر باعث لانبعاثات الكربون اعتبارا من 2019، فقد أصدرت 220 مليار طن متري من ثاني أكسيد الكروبون منذ 1750, و هو ما يعادل نصف ما أصدرته الولاياتالمتحدة التي أنتجت 240 مليار طن. ويقول روبي أندرو، وهو باحث مهم في مركز أبحاث المناخ الدولي (شيشرون) في النرويج، إن الصين بدأت في إنتاج كميات كبيرة من ثاني أكسيد الكربون في وقت لاحق مقارنة بالانبعاثات التاريخية الموجودة علي الكوكب. "لم تكن انبعاثات الصين كبيرة". وقال أندرو، الذي شارك أيضاً في دراسة اقتصاديات الكربون عالمياً:" لم ترتفع النسب حتى عام 2001 عندما انضمت الصين إلى منظمة التجارة العالمية، وهو ما أعطاها إمكانية الوصول إلى أسواق العالم والتي دفعت ازدهارها الاقتصادي، وركزت بشكل خاص على إنتاج السلع للصادرات". "كانت هناك بالفعل مشكلة قبل أن تأتي الصين. لذلك, لم تخلق الصين المشكلة" يقول أندرو. لكن رغم هذه الحقائق التي يعرفها المتخصصون, تتصدر الصين عناوين الصحف في هذا الملف بصفتها المسئول الأهم عن ظاهرة التغيير المناخي. أعلنت الحكومة الصينية بأن انبعاث البلاد من ثاني أكسيد الكربون سوف تصل إلى ذروتها قبل عام 2030، وسوف تتمكن متن تحقيق الحياد الكربوني قبل عام 2060, كما تعهدت بأن تقوم بزراعات كثيفة للغابات وتساهم في تطوير الأبحاث اللازمة لتحديد إجراءات أكثر فعالية في مواجهة التغيير المناخي. كما تقود الصين العالم في عدد محطات الطاقة النووية ومولدات الطاقة الكهرومائية, كما حرصت على تطوير السيارات والمركبات المعتمدة علي الطاقة الكهربائية, حيث بدأت عدد من شركات صناعة السيارات الصينية في تطوير السيارات الكهربائية منذ فترة زمنية تتجاوز العشر أعوام. وقد وعدت الحكومة الصينية أن تكون المدن الكبرى خالية من السيارات المعتمدة علي محركات الاحتراق الداخي في أقرب وقت ممكن. وتتبع في سبيل تحقيق ذلك إجراءات عديدة, فعلى سبيل المثال، يمكن للسيارات الكهربائية في شنغهاي الحصول على لوحة ترخيص مجانية, بينما يتعين على مشتري سيارات الوقود الأحفوري دفع رسوم متزايدة للحصول علي التراخيص. كما تملي بعض المقاطعات علي الإدارات الحكومية والشركات المملوكة للدولة أن تبدأ في تغيير ما لا يقل عن 30 في المئة من أسطول سياراتهم إلى السيارات الكهربائية بحلول عام 2025. ويتوقع الصينيون أن يتجاوز معدل بيع سيارات الطاقة النظيفة في الصين 2.2 مليون في عام 2021، وهو ما يمثل أكثر من 10 في المائة من جميع مبيعات السيارات حول العالم. وأطلقت الصين سوق لتداول حصص انبعاثات الكربون للشركات الصينية, حيث تشتري الشركات المنتجة بمقدار كبير حصص الانبعاث من الشركات الأقل إنتاجاً, وهو ما يساعد هذه الشركات في الالتزام بالمستوي المحدد للإنتاج والذي يقلل إجمالي الانبعاثات. ورغم إعلان الصين هذه الإجراءات وشروعها في تطبيقها, لا تزال الأصوات الغربية التي تتهم الصين بالمسئولة الكبرى تتصدر وسائل الإعلام العالمية, رغم أن الاتحاد الأوروبي لم يعلن حتي الآن سوي عن خطوة واحدة في مكافحة التغيير المناخي وهي رفع الضرائب علي الشركات ذات الانبعاثات الكربونية العالية, ولم تخط الولاياتالمتحدة خطوات جادة حتي الآن منذ تولي بايدن الرئاسة هذا العام.