اخر تحديث لاستراتيجية الأمن القومى الروسى وقعها الرئيس بوتين عام 2015، الاستراتيجية الجديدة وقعها 3 يوليو من العام الجارى، ماذا حدث وما الجديد وما الذى تغير وما هى التحديات التى تريد روسيا مواجهتها من خلال الاستراتيجية الجديدة. أول عنصر اختلاف استراتيجية الأمن القومى الجديدة عن تلك التى كان معمولاً بها منذ عام 2015 هو أن "توجه موسكو يجب أن يحقق سيادة روسيا كدولة، قادرة على انتهاج سياسة داخلية وخارجية، وقادرة على أن تواجه محاولات الضغوط الخارجية بقوة" مع التأكيد على دعم المبادئ الدستورية الأساسية وقيم روسيا كدولة اجتماعية يسودها القانون: "الدولة التى تتوافق فيها القوة مع رفاهية الإنسان هى التى تحقق المجتمع العادل". المصالح القومية المصالح القومية، فى التصور السابق لاستراتيجية الأمن القومى كان هناك ستة مصالح قومية، أما فى التصور الحديث فقد زاد عنصران من عناصر المصالح القومية أى صارت ثمانية، كما تغيرت معانيهم، ففى 2015 كانت تحسين جودة الحياة ودعم الصحة واستقرار الحالة الديموجرافية، جاء كعنصر ثالث، فإنه فى عام 2021، جاء هذا العنصر فى المركز الأول وكعنوان رئيسى وهو "الحفاظ على الشعب الروسى" وهذا عنصر فارق نظراً للأزمة الديموجرافية التى تعيشها روسيا. دعم المجتمع المدنى العنصر الثانى فى التصور الجديد هو حماية السيادة والثالث دعم المجتمع المدنى والوفاق، فى تصور 2015، دار الحديث عن "تقوية أو دعم التوافق القومى". العنصر الرابع هو "تطوير أفق إعلامى آمن"، وهى نقطة لم تكن موجودة بأى شكل فى تصور استراتيجية الأمن القومى لعام 2015. النقطة الخامسة تتمثل فى تحقيق نمو اقتصادى على أسس تكنولوجية جديدة، تختلف بشكل جوهرى عن سابقتها، حيث كان الطموح فقط يتمثل فى رفع مستوى القدرة على المنافسة. ولأول مرة فى المصالح القومية الروسية تأتى مسألة الحفاظ على البيئة و(التعامل مع التغيرات المناخية)، كما اختفت كلمات تصف روسيا بأنها "إحدى الدول الرائدة فى هذا المجال فى العالم". السياسة الخارجية أما فيما يتعلق بالسياسة الخارجية فقد أشارت استراتيجية الأمن القومى الروسية إلى أنه على خلفية التحولات التى تحدث فى العالم ومحاولات الغرب الحفاظ على هيمنته على العالم، فإن على روسيا أن ترفع قدرة وصلابة منظومة العلاقات الدولية "المعتمدة على القانون الدولى والمبادئ العامة وتساوى وعدم تجزئ الأمن وتعميق العمل المشترك المتعدد الأطراف دون خطوط فاصلة ومداخل تكتلية" مع دور محورى للأمم المتحدة. موسكو تؤمن باستخدام الطرق السياسية لتسوية النزاعات، وكرد على الخطوات العدائية من أطراف أخرى سيتم اتخاذ "إجراءات مماثلة وغير مماثلة فى المقابل". تبقى الأولوية بالنسبة لروسيا هى التعاون مع الصين والهند وأبخازيا وأوسيتيا الجنوبية ودول "رابطة الدول المستقلة" (دول الاتحاد السوفيتى السابق، رغم محاولات بعض الدول إطلاق عملية لبث الفرقة بين دول هذه المنظومة). فى التنقيح الجديد لعام 2021، اختفت النقاط الخاصة بالعمل على "تحقيق شراكة كاملة مع الولاياتالمتحدة وعن "دعم التعاون المشترك" مع الاتحاد الأوروبى. الدفاع والأمن وتأتى الاستراتيجية إلى المسائل الأهم بالنسبة لروسيا فى ظل مناورات الناتو فى البحر الأسود وتحرشات الطائرات فوق بحر البلطيق وهى الدفاع والأمن وتشير استراتيجية الأمن القومى الروسية إلى أن دور القدرات العسكرية فى العالم يتنامى على خلفية تكوين مراكز قوى عالمية وإقليمية جديدة. روسيا مهددة بتوسع حلف الناتو شرقاً، وسياسة الولاياتالمتحدة التى ترفض عملية الحد من سباق التسلح. بالإضافة لوجود "قوى هدامة سواء خارج البلاد أو فى داخلها تسعى لاستغلال بعض الصعوبات التى تمر بها روسيا، إضافة بالطبع لنشاط مخابرات الدول بعض الدول الأجنبية الذى لا يهدأ، والتى لا تتورع عن استخدام مؤسسات روسية وبعض الأشخاص الذين يسيطرون عليها". لذلك كانت هناك مادة خاصة بذلك فى استراتيجية 2021 وهى الأمن المعلوماتى، وتؤكد الاستراتيجية الجديدة على الأخذ فى الاعتبار هجمات "الهاكرز" والأمن السيبرالى وتأثيره على الموارد الروسية، وسعى الشركات العابرة للقارات والقوميات لأن تدعم مواقعها الاحتكارية على الانترنت، والقيام بعمليات هدم وإفساد للشباب، هدف روسيا فى المرحلة الحالية دعم وتقوية أفق سيادتها المعلوماتى. الاقتصاد والبيئة ثم تعرضت الاستراتيجية للاقتصاد والبيئة، فإذا كان التركيز فى استراتيجية عام 2015 على الأمن الاقتصادى ودخول روسيا قائمة الدول الأولى فى العالم من حيث حجم الناتج الإجمالى المحلى، فإن وثيقة 2021 ركزت على التحول البنيوى للاقتصاد القومى. القوة الأساسية فى ذلك "الاعتماد على القدرات الداخلية للبلاد" والمزج بين الاستقلالية والانفتاح فى التعاون مع الدول الأخرى. مشاكل البيئة التى كان ينظر إليها فى السابق كأخر القضايا أصبحت فى الاستراتيجية إحدى القضايا المهمة: الزيادة المضطردة فى الإنتاج والاستهلاك "تؤدى إلى تغيرات جوهرية فى ظروف الحياة على كوكب الأرض"، لكن التطور والخضرة، والهيدروكربونات أصبحت القضية الرئيسية على جدول أعمال العالم اليوم. ومن 2015 وحتى عام 2021 تغيرت الكثير من الأمور، فعلى سبيل المثال أصبحت روسيا مهتمة بالحروب الإعلامية التى تشن عليها من الخارج وفق الاستراتيجية من الداخل عن طريق أشخاص تابعين للغرب من طراز نفالنى وأتباعه، والهدف تشويه السلطات فى روسيا والعمل على القيام "بثورة ملونة" بدعم غربى، هذه النقطة أخذت حيزا فى الاستراتيجية الجديدة خاصة بعد القبض على بعض الرموز التى تحدث القلاقل وتثير الاضطرابات. يبقى توسع الناتو شرقاً من الهواجس التى تقلق روسيا، والتحرشات سواء فى البحر الأسود أو فى غيره من المناطق تظل مثار قلق لروسيا وربما لوحظ فى الاستراتيجية حرص روسيا على علاقات مع مقاطعات مثل أبخازيا وأوسيتيا الجنوبية (جورجيا) باعتبار أن خروج هذه المقاطعات عن السلطة الجورجية يعتبر عائقا أمام انضمام جورجيا للناتو، نفس الشئ فيما يتعلق بأوكرانيا ومناطق شرقها وجنوبها. سباق التسلح لوحظ فى الاتفاقية كذلك تشجيع الغرب على سباق التسلح، واعتبرت روسيا لذلك بروز قوى مسلحة بشكل جيد سواء على المستوى العالمى أو على النطاق الإقليمى من الأسباب التى تثير القلق وتؤدى لسباق تسلح. الاستراتيجية الجديدة تؤكد على صيانة أمن المواطن أينما كان والمجتمع من أى تهديدات. والأهم أن الاستراتيجية الجديدة أضافت عنصر الحفاظ على المواطن كمصلحة قومية للدولة الروسية، وحماية النظام الدستورى القائم وسيادة واستقلال وتنمية الأفق المعلوماتى ودعم القيم التقليدية لروسيا وحماية الاستقرار الاستراتيجى. الملفت فى الرؤية الجديدة هو وضع الحفاظ على الشعب الروسى كأحد الأولويات الاستراتيجية بالإضافة بالطبع للدفاع وأمن الدولة والمجتمع والأمن الاقتصادى. استراتيجية روسيا ويشير الخبراء الذين علقوا على التعديلات التى أدخلت على استراتيجية روسيا للأمن القومى، أن هذه الوثيقة تحتاج إلى تعديلات بصفة مستمرة وفق التحديات التى تواجه البلاد، فهى تعكس ديناميكية الحياة وما تواجهه روسيا فى الوقت الراهن، قبل أى شئ المصالح القومية والأولويات كما يشير إلى ذلك السيد أندريه كوشكين رئيس قسم العلوم السياسية فى معهد الاقتصاد، وأشار إلى أهمية الفصل الخاص بالحفاظ على الشعب، وهى وفق قول السيد كوشكين القضية التى تحدث عنها كثيراً الرئيس بوتين وهى تعنى بالدرجة الأولى المشكلة الديموجرافية. فى حين أشار أليكسى بودبيريوزكين إلى أن الاستراتيجية الجديدة ربطت بين قضيتى الأمن والتنمية الاقتصادية الاجتماعية ، ويلفت السيد بودبيريوزين النظر إلى أن الاستراتيجية المجددة تؤكد لأول مرة على "القيم القومية والأخلاقية والروحية". أما رئيس المخابرات الروسية سيرجى باتروشيف، فقد فسر استراتيجية روسيا للأمن القومى بأن روسيا سوف ترد بإجراءات عسكرية على أى أعمال عدائية. وربما هذا هو القول الفصل، لأن روسيا تتعرض الآن لهجمات مختلفة الأشكال والقوة، وأخر تلك الأعمال العدائية كان الانسحاب الأمريكى من أفغانستان والخطر القادم من الجنوب ويهدد حلفاء روسيا فى وسط آسيا.