لو أسفرت القمة عن عودة سفراء البلدين سيعتبر هذا إنجازا روسيا لن تقبل بأقل من أن تكون شريكاً فى إدارة شئون العالم .. واشنطن ترفض الولاياتالمتحدة تتعامل مع روسيا باعتبارها مهزومة فى الحرب الباردة فى تقدير الكثير من الخبراء ورغم الجدل والتراشق اللفظى بين الرئيسين الروسى والأمريكى، فإن روسيا أعدت نفسها لهذه القمة بشكل جيد يفوق كل التوقعات، فكما هو معروف كانت القمة من اقتراح الرئيس الأمريكى وتهدف إلى تفريغ الجو العام على الساحة الدولية من حالة الإحتقان ومن الاتهامات المتبادلة، فى اعتقادى روسيا أرجأت تحديد موعد ومكان القمة إلى موعد عقد المؤتمر الاقتصادى فى العاصمة الشمالية لروسيا ومسقط راس الرئيس بوتين سان بطرسبورج، وهو المؤتمر الذى لم ينعقد العام الماضى بسبب جائحة كورونا. ربما لهذا وربما لانعقاد المؤتمر عشية القمة كان الحضور للمؤتمر لافتاً سواء على مستوى الدول أو مستوى المؤسسات التى حضرته، بما فيها شركات أمريكية كبيرة. استعرضت روسيا منتجاتها المختلفة وعروضها التجارية من المعدات الروسية الحديثة ومنها السيارات الضخمة التى تعمل بالهيدروجين وغيرها من المنتجات الروسية، ليس أخرها لقاح كورونا، والتى لاقت قبولاً من الحضور وأبدت دولاً عديدة رغبتها فى التعاون والشراء وجرى توقيع العديد من اتفاقيات التفاهم بين روسيا ودول ومؤسسات. ولم تنس روسيا أن تنتقد سياسة الولاياتالمتحدة فيما يتعلق بتجارة النفط وفى هذا كانت تعنى علاقتها بإيران وفنزويلا، مشيرة إلى ما تسببه العقوبات المفروضة على هاتين الدولتين من أضرار سواء للشعوب أو لصناعة النفط نفسها. لم تتحدث روسيا عن عقوبات مفروضة عليها، وكما أشار مسئولون روس أنهم حتى لن يتحدثوا فى العقوبات المفروضة عليهم خلال قمة جنيف مع الرئيس بايدن. أحداث قبل القمة قبيل القمة حدث حدثان مهمان، وهذا من شأنه أن يلقى بظلاله على القمة ويزيد من حدة التوتر مع الاتحاد الأوروبى والولاياتالمتحدة،وهو مسألة إجبار طائرة "رياناير" المتجهة من أثينا إلى فيلنوس عاصمة ليتوانيا على الهبوط فى مطار مينسك ببيلاروسيا وإلقاء القبض على أحد الصحفيين المعارضين الذى تتهمه بلاده بإثارة الفوضى والقلاقل فى البلاد بالخلاف للقانون المجتمعى. والحدث الثانى هو وقوع اشتباكات بين أرمينياوأذربيجان ما أدى إلى وقع ضحايا وأسر عدد من الجنود الأرمن، وهو اتفاق رعته روسيا بل وتقوم بدور قوات حفظ السلام بين البلدين الواقعتين فى جنوب القوقاز، وإذا كان الحدث الأول ياتى فى إطار الأزمة الحالية بين بيلاروسيا والغرب والتى حدثت عقب الانتخابات الرئاسية العام الماضى ومازالت قائمة، إلا أن حادث الطائرة سكب الزيت على النار وجعل الغرب والاتحاد الأوروبى يفرض عقوبات صارمة على مينسك ولولا تدخل روسيا لمساعدتها لكان موقف الرئيس لوكاشينكو صعب للغاية. أما حادث أذربيجانوأرمينيا فهو يشير إلى رائحة غير جيدة من قبل رئيس الوزراء الأرمينى الذى طالب بعملية فصل بين القوات على الحدود يقوم به مجلس الأمن والتعاون الأوروبى من خلال إرسال قوات حفظ سلام، ولم يوضح ما إذا كانت هذه القوات ستكون بديلة للقوات الروسية التى أنقذته من هزيمة ساحقة أم بالإضافة إليها، على أى حال رئيس وزراء أرمينيا معذور فهو مقبل على انتخابات قريباً، وربما يداعب جفون تيار ليبرالى لديه. أول لقاء بصفة عامة هذه الأجواء عشية القمة، على جانب فضاء الاتحاد السوفيتى السابق، نعود إلى موضوعنا الرئيس وهو القمة المرتقبة، أول لقاء بين الرئيسين بايدن وبوتن حدث فى 10 مارس عام 2011، وقتها كان الرئيس بوتين يشغل منصب رئيس مجلس الوزراء الروسى والرئيس بايدن منصب نائب الرئيس باراك أوباما، تحدث نائب الرئيس الأمريكى حينها عن أنه نصح رئيس الوزراء بوتين "بعدم الترشح للرئاسة مرة أخرى لأن هذا سيكون سيئا بالنسبة لسمعة روسيا وله شخصياً" وهاهو اللقاء ينعقد بينهما بعد أن جرت فى النهر مياه كثيرة، وربما كانت نصيحة بايدن حينها أحد الأسباب للتراشق الكلامى بين الرئيسين الذى حدث مؤخراً. ملفات مطروحة وإذا تركنا الأمور التاريخية واتجهنا إلى الملفات المطروحة أمام الرئيسين لنزع فتيل خلافات كبيرة بينهما، أهمها الملف الأوكرانى الذى يراوح مكانه منذ عام 2014، ثم السيل الشمالى والمرتبط بأوكرانيا كذلك حيث أن استكمال خط الأنابيب هذا سيحرم أوكرانيا الحليف الجديد للغرب من حوالى 3 مليارات دولار كانت تدفعها روسيا كثمن لمرور الغاز عبر أراضيها إلى أوروبا، كما تخشى الولاياتالمتحدة أن تستغل روسيا الغاز ومصادر الطاقة كسلاح سياسى للسيطرة على أوروبا، على أى حال تنازلت الولاياتالمتحدة عن العقوبات التى كانت تفرضها على الشركات المنفذة للخط، وكانت هذه بادرة حسن نية من واشنطن قبيل القمة، رغم أن روسيا المحت على لسان السكرتير الصحفى للرئيس بوتين بأنها ستستخدم منظومة نقل الغاز الأوكرانية. هناك الملف الإيرانى وتأثير روسيا مهم جداً فيه، روسيا لديها عقود مهمة فى إيران وفك الحصار والعقوبات سيجعل روسيا تنفذ هذه العقود. الملف السورى بالطبع الملف السورى، الذى انفردت روسيا به منذ البداية، ورغم الحرب وتدخل الولاياتالمتحدة وقوى أخرى مثل تركيا لم تحدث انفراجة حتى الآن، والأمر مرتبط بتسوية سياسية بين الفرقاء السوريين، خاصة أن جزءا منهم يتبع أو على الأقل تسيطر عليه واشنطن، ومع المناخ المعقد مع روسيا من الصعب إيجاد حل فى الوقت الراهن مع التدخلات الأجنبية والتنظيمات الإرهابية الكثيرة المنتشرة فى سوريا، لكن روسيا لديها قاعدتين إحداهما بحرية والأخرى جوية وهى لا ترغب فى الوقت الحالى تقديم أى تنازل بهذا، ولو عدنا إلى جذور الخلاف بين واشنطنوموسكو سنجد أنه ينحصر فى سعلا الأولى للانفراد بالسيطرة على العالم وهو ما ترفضه موسكو جملة وتفصيلا. الملف الكورى الشمالى الملف الكورى الشمالى وهو ملف فى أيدى كل من روسياوالصين، ورغم محاولات ترامب الحثيثة إلا أنه لم يستطع إيجاد لغة مشتركة مع الزعيم الشاب كيم جونج أون، الذى يكسر الحصار المفروض على بلاده من خلال العمال الكوريين الشماليين الذين يعملون فى الصين وأقصى الشرق الروسى. هناك الملف الجورجى وهو ملف معقد حيث توجد حركتان انفصاليتان فى كل من أوسيتيا الجنوبية وأبخازيا، ويعطلان انضمام جورجيا للاتحاد الأوروبى إضافة لحلف الناتو، وهو الأمر الذى تعتبره روسيا خطرا عليها فى شمال القوقاز المضطرب. نفس القضية فيما يتعلق بمولدوفا ومقاطعة بريدنستروفية ذات الأغلبية الروسية، حيث ترغب مولدوفا فى الانضمام للاتحاد الأوروبى لكن مسألة المقاطعة الروسية تعرقل ذلك. تصعيد روسى بعض المراقبين يرون أن الرئيس بوتين ذهب للتصعيد قبيل القمة من خلال هجمات سيبرانية وحادث الطائرة المقلة للمعارض البيلاروسى،لأنه وفق مراقبين لا يمكن أن تكون عملية إجبار الطائرة على الهبوط فى مينسك والقبض على رومان براتسيفيتش ببعيدة عن موافقة روسيا، وهناك بالطبع الملف الأفغانى حيث تجرى الآن عملية انسحاب للولايات المتحدة وحلف الناتو ومن يضمن بعد الانسحاب ألا تستولى طالبان على الحكم وتعيد الكرة من جديد، والخطورة هنا ليست على الولاياتالمتحدة بل على روسيا وحلفائها فى وسط أسيا ومنطقة الفولجا ذات الكثافة الإسلامية، ووفق تقديرات خبراء الولاياتالمتحدة ترغب فى إقامة قاعدة عسكرية فى أوزبيكستان تحسباً لأى ظروف طارئة قد تحدث فى افغانستان بعد الانسحاب. عدم تفاؤل على أى حال هناك حالة من عدم التفاؤل بالقمة التى ستعقد فى 16 يونيو الجارى فى جنيف بسويسرا، الكرملين يتحدث عن أنه لا ينتظر حدوث اختراق فى العلاقات بين البلدين، وإذا انتهت القمة بعودة سفراء البلدين لأماكن عملهما فى موسكووواشنطن فهذا يعتبر اختراقا، أما المتحدث باسم الخارجية الأمريكية نيد رايس فقد صرح بأن إدارة بايدن غير متفائلة فيما يتعلق بحدوث نتائج إيجابية أو طفرة تضع العلاقات بين البلدين على الطريق الصحيح، أو حتى على الأقل التوصل لتفاهمات فيما يخص القضايا محل الخلاف بين القوتين النوويتين المهيمنتين فى العالم، بايدن أكد على أهمية ملف حقوق الإنسان لكن روسيا غير عابئة مازالت تمسك بنافالنى فتى الغرب المدلل، ثم قام حليف روسيا بالقبض على معارض آخر وانزله من طائرته فوق بيلاروسيا، أى أن ملف حقوق الإنسان قضية خاسرة ولن يحقق فيها الرئيس الأمريكى كما هو واضح أى تقدم. الرئيس بوتين نفسه لا يتوقع نتائج استثنائية للقمة وفق تصريحه فى المنتدى الاقتصادى بسان بطرسبورج. توقعت صحيفة "فزجلياد" الروسية ذات التوجهات الليبرالية أن ينتصر الرئيس بوتين فى لقائه مع الرئيس الأمريكى. وكما تقول الصحيفة فإن الرئيس بايدن قدم بعض التنازلات حتى قبل اللقاء مع نظيره الروسى وفق ما نقلت الصحيفة عن نائب وزير الدفاع الأمريكى السابق جيد بابين الذى قال "إن العلاقات بين البلدين حالياً مستقرة، إذا كان الهدف من القمة تجديد هذا الاستقرار ولا داعى للعبث بالعلاقات فهى ليس لها معنى"، وأنهى السيد بابين تصريحه للصحيفة بقوله " موسكو تأخذ ما تريد من واشنطن ولا تعطيها فى المقابل أى شئ، وهذا هو المتوقع من قمة جنيف". يأتى هذا فى الوقت الذى يحبذ فيه البعض الآخر، مثل نائب السكرتير الصحفى للبيت الأبيض، إن اللقاء ويقول إنه ضرورى لفهم نوايا وخطط موسكو، واسكتشاف المجالات التى من الممكن إحراز تقدم فيها مع روسيا، أما صحيفة نيويورك تايمز فقد أشارت إلى أن القمة سوف تساعد الرئيس بوتين على تحقيق مكانة دولية مهمة لبلاده. على أى حال أى كانت التوقعات ونتائج القمة، إلا أن علينا الانتظار لما بعدها، وهى ستكون الحكم على مدى نجاحها من عدمه، فالرئيس الروسى فى قمة توهجه هذه الأيام وسيذهب إلى القمة مع الرئيس الأمريكى و80% من دول العالم وشركاته ومؤسساته فى عاصمة روسيا الشمالية سان بطرسبورج سعياً لتوقيع اتفاقيات وعقود مع الحكومة والشركات روسية، من حدد زمان القمة يتمتع بذكاء سياسى لا تخطئه العين. وهو مادفع الرئيس بوتين للإعلان عن أن بلاده سوف تتخلى عن الدولار كعملة معتمدة للتبادل التجارى مع دول العالم، وهى ستقوم بالاعتماد على اليورو واليوان الصينى والين اليابانى، متهما واشنطن باستغلال الدولار سياسياً. الأهم هو انتظار ما ستسفر عنه القمة ولا ننسى أن توقيع والتصديق على اتفاقية الحد والأسلحة النووية الهجومية الاستراتيجية تم التوقيع والتصديق عليه فى قمة الخلاف بين البلدين.