قضية للمناقشة هوان العرب *بقلم فريدة النقاش لم يكن اختيار اسرائيل لأيام عيد الفطر الذي يحتفل به مليارا مسلم حول العالم لكي توجه ضرباتها الدامية لغزة اختيارا عشوائيا, ولا مجرد استعراض قوة. بل هو إضافة لكل هذا رسالة صريحة للعرب تقول لهم أنها _ أي إسرائيل- كما قامت لتبقي سوف تظل أقوى من الجميع, وسوف تواصل انتهاك حياتهم, ومنعهم من السيطرة علي مصائرهم. ربما لم يعرف تاريخ الانسانية قديمة وحديثة مثيلا لما يحدث الآن في منطقتنا, حيث تسيطر دولة صغيرة, محدودة الموارد وعدد السكان علي منطقة كبيرة غنية بالسكان والموارد فضلًا عن تاريخ طويل من الحضارة. قبل أربعين عاما كتب الشاعر أحمد عبدالمعطي حجازي "في رثاء العرب يقول إنهم" كانوا أهل حضارة". وتعاود الظهور كلما حلت أزمة كبيرة كل الأسئلة الجذرية حول الحقيقة, حول الدين والقومية, حول الدور الذي لعبه الاستعمار في تدمير حضارات الشعوب ليؤسس لمبدأ القوة بدلا من الحق.. وليس من قبيل المصادفة أن تتجدد هذه الأيام أفكار كنا نظن أن الانسانية قد تجاوزتها لتصبح إنسانية الإنسان وكرامته هي التي ترسم للبشرية ملامح مستقبل جديد قائم علي العدالة والمساواة والكرامة الانسانية. وبدلا من ذلك يبرز معيار القوة مسيطرا وحاكما. ورغم كل المثالب والانتقادات التي وجهت للفكر الاشتراكي, فسوف نبقي له الريادة دائما وأبدا لأنه استطاع أن يمسك بالسبب الرئيسي في ما لحق بالانسانية من أذى, حين سلط الضوء على ما تسببه روح التملك والاستئثار والملكية الخاصة من خراب في الروح الانساني, وتدمير للقيم والمثل العليا التي كافحت الانسانية علي مر العصور لارساء دعائمها لكي يصبح الانسان جديرا بإنسانيته. والآن, وعلي مرأى ومسمع من العالم "المتحضر" تقوم إسرائيل المدججة بالقوة النووية بهدم بيوت الفلسطينيين وإلقاء القنابل علي المستشفيات ودور العبادة, ودون أي اعتناء بالمناشدات السياسية والانسانية التي تنطلق في كل أرجاء المعمورة, بينما يواصل الامبرياليون الأمريكيون الادعاء بأن من حق اسرائيل الدفاع عن نفسها. ومن قلب هذه الادعاءات والتبريرات بوسع اي مراقب ان يكتشف عمق المعاني العنصرية والاستعلائية في خطاب الامبريالية, وان يكتشف أيضًا مدى التطابق بين المنطلقات الامبريالية والفكر الصهيوني – دونه التفات إلى ما ينطوي عليه هذا الفكر من فضيحة حقيقية, فضيحة لأنها تبين لنا التناقض الفج بين ما يطلقه الامبرياليون والصهاينة من شعارات, وبين الممارسات الفعلية التي تنطوي صراحة علي كل ما يتناقض مع هذه الشعارات. فماذا نفعل الآن؟ هذا هو السؤال الذي يطرحه الشرفاء والمهمومون بمستقبل البشرية بعيدا عن العنصرية والتعصب والاستغلال, وتتفاوت الاجابات, وتبقى الحيرة سيدة الموقف. وما دمنا نتطرق الي الاستغلال فلابد أن نتوقف طويلا أمام ما يعنيه لا فحسب علي الصعيد الاقتصادي البحت وانما أساسا أمام ما يولده من قيم وأفكار تسير عكس التيار كما يقال, لأن التيار الأساسي في عصرنا هو معاكس كلية لما تنتجه الإمبريالية والصهيونية من أفكار وممارسات وقيم واشكال عدوان واستغلال وليس ما يحدث في فلسطين الآن الا مظهر واحد لما تعانيه الانسانية المضظهدة في عصرنا, قال لنا أجدادنا, ونقول لأبنائنا لا يصح إلا الصحيح, وكان هذا القول ول ايزال نبراسا يضيء الطريق الصعب إلي المستقبل.ولكن الشيء المؤكد أن الصحيح لن يصبح من تلقاء ذاته دون اجتهاد ومعاناة. والاجتهاد والمعاناة مطلوبان لا فحسب علي صعيد النضال العملي ضد الامبريالية والصهيونية وإنما أيضا ضد الأفكار التي تتولد عنهما. وربما تكون معركة الأفكار في بعض الأحيان أصعب المعارك, ذلك أن ما يستقر في العقول لزمن طويل يبقي راسخا ربما لزمن أطول. ولابد لنا- نحن العرب- أن نعترف بتقصيرنا في خوض معركة الأفكار وأدلل علي ذلك بأن نشأة إسرائيل ككيان استعماري مناوئ لتحررنا وتقدمنا قد ارتبطت بشبكة معقدة من الأفكار التي تسير على خط مستقيم ضد ما ادعته القوي الامبريالية والصهيونية حين قالت إنه لا يجوز الربط بين الدين والقومية, فللقومية في التعريف العلمي المتفق عليه معان وحدود ومقومات ليس من بينها الدين, ومع ذلك جرى تأسيس دولة في المنطقة أساسها التطابق بين الدين والقومية هي اسرائيل دولة "اليهود" ولابد ألا ننسي ان من حيثيات إنشاء هذه الدولة شعور الغربيين والاستعماريين عامة بالذنب إزاء ما ألحقته النازية التي نبعت من قلبهم من أذي بملايين اليهود في المجازر وأفران الغاز, وهو الذنب الأكبر الذي لم يشارك فيه العرب, ومع ذلك فهم يدفعون ثمنه. ولا خروج لنا- نحن العرب- من هذا الهوان الا بتضامننا لا فحسب لصد العدوان المتواصل علينا, وإنما أيضا لإنتاج رؤية جديدة من سماتها المبادرة والحزم.