"تقدم بطيء لكن ثابت" في المباحثات بشأن إمكانية استئناف الاتفاق النووي الذي انسحبت منه الولاياتالمتحدة عام 2018، يأتي ذلك بعد زيادة التوترات حول برنامج إيران النووي، مع إعلان طهران عن بدء تخصيب اليورانيوم بنسبة 60 ٪، عقب حادث الهجوم على منشأة نطنز النووية الإيرانية. فى نفس السياق أكد الرئيس الأمريكى "جو بايدن"، على أن إعلان تخصيب إيران لليورانيوم بنسبة 60٪ ليس مفيداً كما أنه يتناقض مع الاتفاق النووي.. لكنه سعيد بانخراط إيران في المحادثات غير المباشرة بشأن المضي قدماً والعودة للاتفاق النووى، وأن واشنطن مستعدة لرفع العقوبات الاقتصادية عن إيران.. وفقاً لقراءة عادلة للاتفاق النووى وبدا أن التلويح بورقة اليورانيوم لم يُحدث التأثير المطلوب، فقد وصف الطرف الآخر في المفاوضات أنها جرت في "أجواء إيجابية" حسبما غرد الممثل الروسي لدى المنظمات الدولية في النمسا "ميخائيل أوليانوف". أما الجانب الإيرانى الذى يفاوض بيد ويواجه بيد أخرى، حيث صرّح رئيس منظمة الطاقة الذرية الإيرانية "علي أكبر صالحي"، بأن بدء إنتاج اليورانيوم المخصب بنسبة 60٪ عملياً حالياً، حيث يتم إنتاج 9 غرامات من اليورانيوم المخصب بنسبة 60٪ في الساعة، ويتم العمل على التخصيب بنسبة 20٪ في الوقت نفسه، وقد أكد " صالحى" على مقدرة إيران على تخصيب اليورانيوم بأي نسبة تريدها. يُذكر أن الأسبوع الماضى بدأت إيران تخصيب اليورانيوم بنسبة ستين بالمئة وقد حصلت على أول كمية منه، وتخصيب اليورانيوم في منشأة نطنز لم يتوقف أبدًا، كما لم ينتج أي تلوث إشعاعى من الحادث، وتيار الكهرباء الرئيسي للمنشأة تم ايصاله، فقط توقفت صالة واحدة عن العمل في المنشأة والتي كانت تحوي أجهزة طرد مركزي من طراز آي آر 1. على الحانب الآخر أوضح كبير المفاوضين النوويين الإيرانيين "عباس عراقتشي"، أن هناك تفاهم جديد ومشترك وتقاطع ملموس في وجهات النظر بدأ يتشكل ضمن محادثات فيينا، والطريق بات أكثر وضوحاً، حيث وصلت الأطراف لمرحلة تسمح بتدوين نص جديد يشمل رفع العقوبات والخطوات النووية، لكن ماتزال هناك بعض الخلافات الجدية العالقة التى سوف يتم حلها خلال الجلسات التشاورية. فيما يرى مختصون في الشأن الإيراني، أن إعلان طهران بدء تخصيب اليورانيوم بنسبة 60٪، يعنى اقترابها من إمكانية إنتاج السلاح النووي، ويدعم هذا إعلان مسئوليين روس وأوروبيين أن مفاوضات الجولة الثانية التي انعقدت في فيينا مع إيران جرت في "أجواء إيجابية"، رغم حادث تفجير منشأة نطنز النووية. وقابلت القوى الأوروبية والولاياتالمتحدة هذه الرسالة التصعيدية من إيران بتحذيرات، من أن رفع مستوى التخصيب عند هذه الدرجة يسمح بالانتقال بسرعة إلى نسبة 90٪ وأكثر، وهي المعدلات المطلوبة لاستخدام هذا المعدن الخام لأغراض عسكرية. وتتفاوض إيران مع الدول الست الكبرى (الولاياتالمتحدة، روسيا، بريطانيا، فرنسا، ألمانيا، الصين) على إعادة إحياء الاتفاق النووي الذي تجمد بانسحاب الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، بشكل أحادي منه سنة 2018، وعلى رفع العقوبات المفروضة عليها. إن إعلان استهداف منشأة "نطنز" النووية أحرج الحكومة الإيرانية محلياً، وتحديداً أمام الجناح المتشدد الذي سيستثمر الحادث للضغط من أجل إفشال جهود الطرف الإيراني المفاوض، وتوظيف الحادث لحساباته في انتخابات الرئاسة المقبلة. فالجناح المفاوض يعلق آمالاً لتنتهي إلى رفع العقوبات الاقتصادية المفروضة على طهران؛ لأن الاقتصاد في حالة تداعي مستمر بسببها؛ وهو ما يفاقم أعباء هائلة على المواطن الذي يقع تحت وطأة "ظروف اقتصادية بالغة الصعوبة". فالهجوم على منشأة نطنز جاء في لحظة مربكة للنظام، عمَّقت الانقسام بين جناحي السلطة التي تحتدم بينهما المنافسة على خلفية الانتخابات الرئاسية، المزمع إجراؤها في يونيو القادم، لذلك يُصرّ الرئيس الإيرانى " روحانى" على العودة للاتفاق ورفع الحصار عن بلاده للحصول على مكسب انتخابي لجناحه. في حين يسعى جناح المرشد "خامنئي "نحو المماطلة والاتجاه للتصعيد ورفع التخصيب والانسحاب من المفاوضات، حتى وصول أحد العناصر التابعين له والجناح الراديكالي لمنصب الرئيس". فالتصعيد جاء لإعادة التوازن في مفاوضات فيينا، ومحاولة ترجيح كفة طهران في سباق الزمن بينها وبين واشنطن، حيث أن لجوء طهران لهذا النوع من التصعيد؛ أي إعلانها بدء تخصيب اليورانيوم بنسبة 60٪، بأنها غير قادرة على وسائل التصعيد التقليدية كتكليف ميليشياتها المنتشرة بشن عمليات وهجمات. وليس من المتوقع أن تقوم إيران حالياً بالتصعيد وتعبئة مناطق صراع معينة في المنطقة، فهى تريد الضغط للحصول على مكاسب في مفاوضات فيينا، لكنها لا تنوي فعل ذلك بالاستفزاز العسكري أو تكثيف الأنشطة الميدانية بصورة تثير واشنطن، أو بالشكل الذي يورطها في مواجهات حادة ومفتوحة مع إسرائيل، تنال من قدراتها التفاوضية في فيينا. كما أن الهجوم على منشأة نطنز بما يتضمنه من خسائر لإيران، أعطى مساحة لواشنطن ودول أوروبا للتعامل بصورة جديدة ومغايرة، ولذلك قامت إيران بالإعلان عن زيادة التخصيب، باعتبارها ورقة ضغط جديدة. ومن المتوقع أن تمد طهران قدمها بخطوة أخرى للضغط مرة أخرى، مثل استهداف سفن إسرائيل في البحر الأحمر؛ حيث استهدفت سفينة إسرائيلية في مارس، وردت عليها إسرائيل باستهداف السفينة الإيرانية "إم في سافيز"، ضمن ما يسمى "حرب الظل"، ما مهد لفتح "جبهة بحرية" بينهما، غير أن الكفة، لصالح إسرائيل التي استهدفت في الفترة من 2019 وحتى الآن قرابة 12 سفينة إيرانية، معظمها ناقلات للنفط بعمليات هادئة لتعطيل السفن الإيرانية، دون أن يكون الرد الإيراني على المستوى المطلوب، أو المتوقع، بحسب دعايتها. وعليه، فالهجوم على السفينة الإسرائيلية "لن يكون له تأثير عميق، خاصة وأن إسرائيل عازمة على اتباع استراتيجيتها المستقلة للتعامل مع إيران وبرنامجها النووي، سواء توصل الرئيس الأميركي لاتفاق معها أم لا، وهو ما أكده رئيس الوزراء الإسرائيلي "بنيامين نتانياهو"، وأكثر من مسؤول إسرائيلي سابق. وجاء فى رسالة مباشرة وجهها المرشد الإيرانى الأعلى فى إيران "على خامنئي"، أكد فيها بمناسبة يوم الجيش أن الجيش الايراني حاضر في الساحة، وهو على أهبة الاستعداد لتأدية مهامه وطالب قادة الجيش بمواصلة رفع مستوى جاهزية قواتهم.