العقل الدينى إذا أصبح عقلاً فلسفياً استقامت الأحكام واعتدلت الرؤية واستبانت الأمور، لكن العقل الدينى وحده مُنغلقاً، والعقل الفلسفى وحده منبوذاً. إذاً العقل الفلسفى الدينى أو الدينى الفلسفى هو ما يصنع الحضارات الكبرى، مثل الحضارة المصرية القديمة،والتى قامت على ثقافة فلسفة الدين. ثقافة التوحيد وعبادة الإله والمعاملات البينية الحسنة والتقاليد الاجتماعية المعتدلة، واحترام المرأة وكبار السن ورعاية الطفل، الاهتمام بثقافة الدين كان عنوان حقبة مصر القديمة، كان الجوهر وليس المظهر، لم نرى حجب وجه المرأة ولم نرى وأدها، لأنها كانت ملكة تحكم وتقود الجيوش بعقيدة وطنية وإيمان دينى، لكن دون تطرف، ولم نرى استبعاد أو تهميش للمرأة أو الأقليات، وكان احترام الآخر والمواطنة الدينية ميثاق حقوقى مصرى عالمى، قبل أن تولد دول الديموقراطيات الأوروبية والأمريكية الحديثة. ثقافة الدين أهم من الدين، وإعمال العقل والتوازن أهم من التفلسف، ودمج الإثنين هو الحل لقضية التطرف بشتىأشكالها. إذا كانت مظاهر التطرف الفكرى تتحول بسرعة كبيرة إلى سلوك عدوانى، فى إطار مشاهد عنف متكررة، فعليناوأد فكر التطرف من البداية، بتحرير العقل النقدى فى إطار احترام ثقافة الدين، أياً ما كانت هذه الديانة أوالشريعة. فى أوروبا وخاصة فى دولة فرنسا، نشب صراع ناتج عن فصل الدين عن الفلسفة، وبدت قيم التحرر الفلسفية فىمعزل عن ثقافة الأديان، ومن هنا نشأت مظاهر التطرف الفكرى والشحن العاطفى والوجدانى، التى أدت فىالنهاية ليتحول إلى سلوك عدوانى عنيف. الحضارة المصرية القديمة تحتوى على مواثيق تصلح لأن تصبح عالمية، جامعة مانعة لمنظومة القيم والمواطنة منجهة، ومن الجهة الأخرى خاصة بالتفكير النقدى والفلسفى وفقاً لثقافة الدين. ففى العلاقة التاريخية بين فلسفة الدين والميتافيزيقيا، كانت المواضيع التقليدية للنقاش الديني هي (الوجودات، أوالوجودية)، وأرسطو له باع فى هذا الحديث، لكن القضية تحتاج إلى تحديث وفقاً لاختلاف العصور، والعصرالحالى والقادم عصر اللا مادى أو المُخيّلة، وستخلق بعض المعتقدات الدينية مشاكل فلسفية صدامية، إذا لم يتم احتوائها بالتحررية والنقاش والمناظرات الفكرية. وأخيراً وليس آخراً، وفى نفس السياق، جلّ ما يمر به العالم فى حقبة متوترة إنسانياً مثل هذه الحقبة، هل أصبح لزاماً علينا تحرير العقل البشرى بالتفكير النقدى والإبداعى، بتطبيق النموذج المصرى فى الحضارة المصرية القديمة؟!