بقلم د. عبدالفتاح مطاوع رئيس قطاع مياه النيل الأسبق كانت ولازالت آثار فيضانات 2020 على السودان، الجارة الشقيقة لمصر، تدعونا للدعم والتضامن حماية للمقدرات والنفوس، وتدعونا للحذر والاستعداد واستخلاص الدروس. فقد وصلت الكارثة حد تدمير عشرات الألاف من المنازل والمباني، وتشريد مئات الآلاف من المواطنين السودانيين، الأمر الذي وضع البلاد أمام خطر تفاقم الأوبئة، من جائحة كورونا إلى الكوليرا والملاريا، وغيرها من الأمراض ما ظهر منها وما بطن. الترتيب للحدث قبل وقوعه: يبدو – والله أعلم – أن تأثيرات التغيرات المناخية على مناطق كثيرة من العالم باتت حقيقة واقعة، ومن متابعاتنا ومشاهداتنا لما يدور حولنا وعندنا يجب توخي الحيطة والحذر، في إطار الترتيب للحدث قبل وقوعه. فما هي أهم الدروس المستفادة من خبرات بعض دول العالم وبينها مصر؟ وما هي أهم الدروس التي تعلمناها أو يجب أن نتعلمها لمواجهة المجهول القادم؟ درس فيضان النيل 2020 على السودان: الدرس الأول الذى تعلمناه من فيضان النيل 2020 هو التزامن، تزامن التقاء فيضان جميع روافد نهر النيل، فيضان الروافد التي تصب بمياهها الغزيرة الكثيفة في النيل الأزرق من الهضبة الاثيوبية، وفيضان بحيرات الهضبة الاستوائية التي تصب بمياهها في النيل الأبيض، فيضانات تزامنت واجتمعت معا عند العاصمة الخرطوم، واجتمعت مع العديد من الروافد الأخرى بنهر السوباط و نهري الدندر والرهد ونهر عطبرة على النيل الرئيسي شمال الخرطوم، مع تزامن سقوط أمطار غزيرة وكثيفة مباشرة صاحبتها سيول على معظم الولايات السودانية، أدت إلى ارتفاع قياسي في مناسيب مياه النيل وروافده إلى مستويات غير مسبوقة خلال المائة عام الماضية. درس فيضان نهر اليانجتسي بالصين2020 : على الرغم من أن سد المضايق الثلاثة، المقام على نهر اليانجتسي بالصين، أكبر سد وأكبر بحيرة صناعية للمياه العذبة بالعالم على أكبر نهر بقارة آسيا، ڤإنه نتيجة لسقوط أمطار غزيرة وكثيفة على منابع وروافد حوضه، أدت إلى فيضانات مدمرة للعديد من المباني والمنازل، وإخلاء لمئات الآلاف من السكان، نتيجة لوصول مناسيب المياه بالبحيرة وفي النهر لمستويات غير مسبوقة خلال قرن من الزمان، وأدت إلى تشغيل المفيضات المقامة على جانبي السد. ولعل أهم الدروس جاء في تعليق لأحد الخبراء على ما حدث بالصين، حيث قال: إن الفيضانات يمكن إدارتها ولا يمكن التحكم فيها. درس الأعاصير المستجدة بحوض البحر المتوسط: الجديد والغريب والمدهش ما تعلمته بالأمس القريب، من عرض قام بتقديمه السيد أليكس مدير وحدة الإنذار المبكر بفرنسا، من خلال فيديو كونفرانس نظمه معهد البحر المتوسط للمياه ومقره مرسيليا بفرنسا، والذي أتشرف بأنني عضو مجلس مديريه، كان العرض عن تغيرات جوهرية في درجة حرارة مياه ومناخ البحر المتوسط خلال مراحل تاريخية مختلفة، وعن التحولات الهائلة من مناخ بحر شبه مغلق هادئ الى ما هو أشبه بمناخ البحار والمحيطات المفتوحة المشهورة بالأعاصير . أرجع السيد أليكس أسباب أعاصير البحر المتوسط المستجدة، التي ضربت جزيرة كورسيكا وتونس والجزائر ومدن جنوبفرنسا وغيرها من مدن المتوسط، إلى ارتفاع ملحوظ في درجة حرارة مياه البحر إلى مستويات قياسية، وصلت في بعض المناطق إلى 29 درجة مئوية، ومع عوامل مناخية أخرى تسببت في أمطار غزيرة وكثيفة أكثر من 400 ميليمتر خلال زمن الساعة الواحدة، وأسماها بأعاصير المتوسط، وأعتقد أن مصر شهدت واحدة منها العام الماضي، في الأسبوع الأخير من شهر أكتوبر 2019 ، عندما حطت على شبه جزيرة سيناء، وفي طريقها ضربت محطة حلق الجمل بإدكو وجسر مصرف المحسمة بالإسماعيلية. من المعلومات الهامة التي ذكرها السيد أليكس أن مركز الإنذار المبكر لديه صلات ب 30 ألف وحدة محلية فرنسية، لإنذارهم بالمخاطر المحتملة، والتي قد تتسبب في إخلاء بعض المحليات من سكانها قبل حدوث أعاصير المتوسط المستجدة . مراكز التنبؤ والإنذار المبكر: على فكرة مصر لديها أكثر من مركز للتنبؤ، أو لديه القدرة على التنبؤ، ولا أعرف مدى جاهزيتها و منها: ⁃ مركز الاستشعار عن بعد بأكاديمية البحث العلمى ⁃ مركز التنبؤ بهيئة الأرصاد الجوية بوزارة الطيران المدنى ⁃ مركز التنبؤ بوزارة الموارد المائية والري ⁃ مركز بحوث المناخ والتغيرات المناخية بوزارة الزراعة وبكل تأكيد هناك العديد من المعاهد والمراكز البحثية المصرية لديها مراكزها الخاصة بالتنبؤ والإنذار المبكر، أو ذات صلة بمنظمات عالمية أو إقليمية مثال ذلك: هيئة الأرصاد الجوية العالمية، ومنظمة الأغذية والزراعة، ووكالة ناسا لعلوم الفضاء، وبرامج منظمات الاتحاد الأوروبي، ومراكز التنبؤ بالجامعات بالغرب والشرق والشمال والجنوب . من الأخبار السارة: كانت استجابة القيادة السياسية المصرية فورية من خلال توجيهات السيد الرئيس عبد الفتاح السيسى لدعم ومساعدة ومساندة الأشقاء بشمال وجنوب السودان، من خلال الجسر الجوي للمساعدات الغذائية والطبية والإنسانية لمواجهة آثار الفيضانات والسيول بالسودان، والتي كانت لها آثار إيجابية على الشعب السوداني وعلينا كمصريين، في مشاركة السودان همومه وأزماته التى نتعشم تجاوزها . كما كان لاجتماع السيد رئيس الوزراء الدكتور مدبولى بعدد من وزراء حكومته، للكهرباء والرى والحكم المحلي والإسكان والنقل ومسئولي الوزارات، فى منتصف شهر سبتمبر الجاري 2020 ، خطوة جيدة على طريق الترتيب للحدث قبل وقوعه، للترتيب والتجهيز لاحتمالات تأثيرات فيضان النيل وموسم الأمطار والسيول على مصر، وأتعشم أن يكون هذا الاجتماع دورياً كل أسبوع، للوقوف على الاستعدادات والتجهيزات التي تمت والتي تتم والتي يجب أن تتم في المناطق المعرضة للمخاطر، إلى أن تنتهي. الخلاصة: الدروس التى تعلمناها تفرض علينا أن نتوقع فيضانات وسيول يمكن إدارتها ولا يمكن التحكم فيها، سواء كانت ناتجة من سقوط الأمطار الموسمية والسيول الموسمية، أو ناتجة من أعاصير المتوسط