كراسة عامرة بالرسومات بين كراكيب خزنة المكتب، عثرت عليها أمه وهي تعيد ترتيبه بعد إهمال طويل. ابتسمت لمهارتها باكتشاف كل ما يخفيه أفراد أسرتها، ونجاحها أحيانًا في ادعاء الغفلة، فتتساقط في يديها الأشياء من تلقاء نفسها، لأن أصحابها لا يتخذون حذرهم، وحتى قدرتها على إفشال شطحات زوجها الغرامية قبل أن تبدأ، لمهارتها بالتقاط طرف الخيط. كادت تُلقى الكراسة جانبًا. هي لابنها الأوسط النحيل، ابن السنوات التسع، قليل الاحتجاج، لدرجة تَخيّلها هي وزوجها أنه يتحمل راضيًا كل غضبهما، وتجاهلهما أغلب طلباته مقارنة ببقية الأولاد الذين لا يكفون عن الدبدبة بأقدامهم في الأرض، والصراخ، والإلحاح حتى تُنفَّذ مطالبهم. "إنه جَمَلُ البيت". كانت تقول هذا الكلام لزوجها حين تفضى إليه آخر الليل بيوميات صغارها. ابنهما الأوسط هذا طويل البال، لا يتهاوى رغم صغر سنه. له نظرة غامضة من عينين كبيرتين لامعتين. كانت تلاحظ الكراسة في يديه أحيانًا، وهو منطوٍ بركن الحجرة، فتتركه لحاله لتنهى أشغالها. لم تستطع الآن تجاهل الكراسة التى أخفاها ابنها بين لعب قديمة، غلبها فضول الأم. في المرة الأولى أدهشتها قدرته الغريبة على ملء الصفحات البيضاء برسومه، من أعلى الصفحة إلى أسفلها دون تقسيم، ولا تنظيم محدد. "هو طفل يتدرب، وستأتي المهارة لاحقًا"، قالت لنفسها، لكن الكلمات اجتذبتها، أو لعلها لم تصدق في البداية. هوت على طرف الكرسي تُقلِّب الصفحات مرة أخرى بتمهل، وعيونها تبرق من الفزع. كانت رسومه وجوهًا بشرية مُشوهة، وهزلية على أجساد كلاب، وحمير، وأرانب، أو فوق أجساد تخطيطية لبشر، لكنها مشوهة النسب والأطراف، وفوقها بحروف صغيرة اسمها، واسم أبيه، وإخوته، وبعض زملائه الذين تعرف شرورهم الصغيرة ضده في المدرسة من حكايات بقية أبنائها. وحده الغلاف الداخلى من الناحيتين كان يحوى رسومات مختلفة، وجوهًا آدمية رائقة التفاصيل تبرز مهارته، وتخطيط أجسادها مُتقن، لكن الكلمات التى كُتبت أعلاها لم تكن تعني شيئًا، كانت مجرد حروف لم تكتمل بعد لِتكوِّن كلمة محددة، أو اسمًا من أسماء الناس.