اندلعت اشتباكات عنيفة بين المتظاهرين والجيش اللبنانى, فى ساحات بيروت, وذلك بعد ما انفجر مرفأ بيروت الأسبوع الماضى فى لبنان, وأودى بحياة 154 شخصاً كتقدير مبدئى, وأُصيب أكثر من 5 آلاف شخصاً, ونتج عنه تدمير أجزاء واسعة من العاصمة اللبنانيةبيروت, ثم جاءت زيارة الرئيس "إيمانويل ماكرون" إلى لبنان, وذلك بعد الحادث مباشرةً وأعلن ماكرون حينها عقد مؤتمر للمانحين من أجل لبنان, تلتها زيارة الأمين العام لجامعة الدول العربية " أحمد أبو الغيط", للمشاركة فى المؤتمر لتقديم دعم عربى إلى لبنان. ورأى العديد من المراقبين أن المعنى السياسي الواقعى لمأساة انفجار بيروت, والذى وصفه الرئيس الأمريكى " دونالد ترامب " ب(الأمر الرهيب), أدت لتأجيج الوضع الداخلى فى لبنان, وتأزّمه بشدة خاصةً فى ظل الأزمات الاقتصادية المتتالية, والوضع السياسى المعقد, خاصة بعد تخلَى الشركاء الدوليين والعرب عن لبنان, وبعد تغيير الحكومة, وبعد جائحة كورونا, بالإضافة إلى الفساد المالى والسياسى. فى نفس السياق تباينت ردور أفعال السياسيين اللبنانيين حول الحادث, حيث صرّح " وليد جنبلاط " رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي بأن بلاده "محتلة"، مبدياً عدم ثقته بالحكومة التي وصفها ب"العصابة الحاكمة", وطالب جنبلاط فتح تحقيق دولي في الحادث, أما عن " التيار الوطني الحر" فقد أكّد تمسّكه بإجراء تحقيق قضائي شفاف يكشف الحقيقة، تمهيداً لمحاكمة كل من يثبت تورطه إهمالاً أو فساداً أو إجراماً, ورفض التيار على حد تعبيره الحملة الشرسة والبشعة التي يشارك فيها نواب وسياسيون وإعلاميون على رئيس الجمهورية، وندد بكل اتهام عشوائي سياسي بغايات سياسية رخيصة لا تحترم حجم المأساة وشعور الناس. وأعلن النائب اللبنانى " ميشال ضاهر" انسحابه من تكتل (لبنان القوى), وصرّح بأنه أمام هذه الكارثة الإنسانية يعلن انسحابه من التكتل, ويتمنى التعاون مع النواب المستقلين فى موقف وطنى بعيداً عن الحسابات الضيقة والمصالح الشخصية, ولوّح بتقديم استقالته من البرلمان, بينما رأى مساعد رئيس البرلمان الايراني "حسين أمير عبد الهيان" أن "تهديدات ماكرون في لبنان لم تشف الجراح التي سببتها كارثة ميناء بيروت", وجاء خطاب زعيم حزب الله اللبنانى " حسن نصر الله", ركيكاً وعلى غير العادة, وكأن الحادث أصاب تفكير القيادات بالشلل المؤقت وتلعثم الكلام! خسائر مادية بمليارات الدولارات المتهم الرئيسى فيها حتى الآن, شحنة كيمائية تحتوى على مادة "نترات الأمونيوم" داخل مرفأ بيروت, ونفى مستشار " سعد الحريرى" رئيس الحكومة اللبنانية الأسبق, معرفته بوجود تلك الشحنة بالمرفأ, بينما أكدت شركة موزمبيق لصناعة المتفجرات, أن شحنة نترات الأمونيوم التى أدت إلى الانفجار كانت تخص الشركة, وأن الشحنة التى صادرتها السلطات اللبنانية قبل سنوات, كانت فى طريقها من جورجيا إلى موزمبيق, لكنها لم تصل. وأكد عضو كتلة (اللقاء الديمقراطى) النائب " وائل أبو فاعور", أن عملية إخفاء الجريمة بدأت, حيث أن القاضى الذى نطق بالحكم فى هذه القضية منذ سنوات, محسوب على رئيس لبنان "ميشيل عون", وتجب حمايته, لكن الجماهير اللبنانية الغفيرة الغاضبة لم تعد تبالى بالقضاء ولا السياسة, فقد لفظت الجميع, وخير شاهد على هذا الطرح, قيام المواطنين اللبنانيين بطرد محافظ بيروت ووزير التربية والتعليم من ساحات بيروت, ومازالا الكراهية والاحتقان فى زيادة لا إلى نقصان. وفى الوقت الذى يعتبر فيه الرئيس عون أن فتح التحقيق دولياً بمثابة "تضيع وقت", وأنه يثق فى نزاهة التحقيقات اللبنانية المحلية الوطنية, قدّم العديد من أعضاء من البرلمان اللبنانى استقالتهم, كما قدم رئيس الحكومة " حسان دياب" استقالة حكومته, لإعادة ضبط الأوضاع, الأوضاع التى خرجت عن السيطرة منذ شهور, والمظاهرات العنيفة فى الشوارع اللبنانية التى تطالب بإسقاط النظام, وكأنها " ثورة شعبية" على حد وصف العديد من وسائل الإعلام العربية والدولية, فهل " شهرين" مدة كافية لإعادة ضبط المشهد اللبنانى واحتواء هذه الثورة الناتجة عن غضب وسخط شعبى, أو حتى إخمادها؟! فبالعودة زمنياً إلى الوراء بضعة شهور, نجد أن الانتفاضة الكبيرة التى تحركت فى وجه إضافة ضريبة دولار واحد على الخدمة المجانية " الواتس آب", أدت لاضطرابات عديدة نتج عنها تغيير الحكومة اللبنانية وتولى " حسان دياب" تشكيل الحكومة اللبنانية الجديدة, وذلك وسط تحديات اقتصادية عظيمة, وظلت الاضرابات والمواجهات العنيفة ما بين المتظاهرين وقوات الشرطة والجيش, لكن الآن تتعالى أصوات الجماهير اللبنانية بتغيير النظام بأكمله, وليس سياساته, وهناك نبرات لبنانية تدعو لتدخل أجنبى, خاصة من قبل فرنسا بعد زيارة الرئيس ماكرون والوعود الكثيرة التى قدمها للشعب اللبنانى, الذى يطمح فى الأمان والاستقرار والعيش الكريم التعايش المشترك. كان من أبرز تلك الوعود تغيير سياسي عاجل فى لبنان, ولا أحد يعلم حتى الآن ما شكل هذا التغيير, وهل سيؤدى لانتشال لبنان من أزماته السياسية والاقتصادية والاجتماعية أم لا؟! فعلى الرغم من أن الطبقة السياسية فى لبنان تعانى انقساماً وصراعاً وتشرذماً, وتلاقى كراهية الشعب اللبنانى, إلا أنه لابد أن يقول الشعب اللبنانى كلمته ويكون صاحب اختياره, لا أن يملى طرفاً أجنبياً أياً ما كان إرادته على إرادة هذا الشعب. وبعد أن اجتمع الرئيس ماكرون مع الفرقاء اللبنانيين السياسيين والمسئولين الرسميين, وبعد تدخل جامعة الدول العربية, وبعد الدعم اللوجيستى الذى قدمته بعض الدول العربية والعربية, هل سيتم فك الحصار الاقتصادى عن لبنان, هل تسترد لبنان أموال الشعب المنهوبة والمودعة فى بنوك أوروبا وأمريكا, بدلاً من شحذ ملايين الدولات, يمكنها استرداد مليارات الدولارات المستحقة والشرعية بمنتهى الكرامة. وإن ظن الكثيرون بأن الأسوأ لم يأتِ بعد فى لبنان بعد فاجعة بيروت, خاصة فى ظل التأويل المبعثر للتصريحات الحكومية الرسمية, وتصريحات السياسيين وتصريحات وسائل الإعلام الدولية, وتصريحات شهود العيان, ما بين إذا كان الحادث صدفة أم مُدبر, وهل الانفجار تم من الداخل أم بتدخل من الخارج, ومحاولة لسد فراغ الرواية الحكومية, يبقى التساؤل مطروحاً فى لبنان الذى لم يُحاسب فيه مسئولاً على مدار ثلاثون عاماً سوى "وزير واحد", فى ظل كم موروث متراكم من الفساد المقنن وغير المقنن, الظاهر والخفى. هل الوفود الدولية والعربية (الرئيس الفرنسى, البرلمان الأوروبى, المجلس الأوروبى, الجامعة العربية), التى ذهبت إلى لبنان بعد الحادث, ذهبت لتستطلع أم لتضع رؤية جوهرية للحل, قابلة لتتحقق على أرض الواقع, وهل هو إبداء مشورة أم تدخل أجنبى ناعم؟! وهل يمكن تعديل آلية المجلس الأعلى لمحاكمة الرؤساء, باعتبار الرئيس هو المسئول الأول عن أى حادث أو خطأ, وهل هناك إمكانية تحقيق سيناريو سياسى فى لبنان بعيداً عن المحاصصة والطائفية, وهل يمكن بناء أرضية سياسية جديدة بوجوه جديدة, لينعم لبنان وجبال الأرز من جديد بالأمن والاستقرار والازدهار, خاصة فى المظاهرات والاحتجاجات الشعبية فى لبنان, وفى ظل التحديات الاقتصادية الداخلية والخارجية؟!