هو فنان يعشق “الكاريكاتير” ويرى أنه له رسالة اجتماعية على الرسام أن يدركها جيدا، كي تجيء رسومه معبرة عن قضايا الواقع والبيئة المحيطة به، من خلال لغة الصورة التي تحمل في ثناياها دلالات كثيرة أبلغ من أي كلام، وبالإضافة إلى ذلك تتنوع رسومه، خاصة للأطفال وهذا النوع من الرسم يحتاج إلى خبرة وثقافة مختلفة. إنه فنان الكاريكاتير فوزي مرسي، الفائز بجائزة الكاريكاتير من نقابة الصحفيين هذا العام. يرى مرسي، أن تكوينه الثقافي بدأ بحب الفن والرسوم التعبيرية، وهذا ما يشير إليه قائلا: بدايتي عندما كنت في المرحلة الإعدادية كنت أشتري كتابا فنيا اسمه “فلاش” بدأت أرسم أعمالي وأرسلها له، وفوجئت بنشر رسوماتى فيه، بدأت بعد ذلك أجمع قصاصات فن الكاريكاتير وأعمال للفنان الراحل مصطفى حسين والفنان حجازي والفنان جمعة، إلى أن صدرت مجلة “كاريكاتير”، وكان هناك باب الظرفاء الذي كان يشرف عليه بشير عياد ونشر لي بصفة دائمة في هذا الباب. ثم التحقت بكلية الخدمة الاجتماعية، لكن ظل حبي للفن متصلا، بدأت أبحث عن عمل في الصحافة، ثم تعرفت على الأستاذ مصطفى عبد الخلق بدار الهلال، فعملت في مجلة “طبيبك الخاص”. ويضيف فوزي: كان طابع المجلة متخصصا في مجال الطب فقط، وكان الكاريكاتير لا بد أن يكون متخصصا في مجال الطب، وكنت أرسم موضوعات منفصلة أحيانا، هي مجلة شهرية، ثم انتقلت إلى مجلة “سمير” مع ماما لبنى – رحمة الله عليها، من أظرف ما تم بيننا أنني ذهبت بأكثر من 30 كاريكاتيرا فأخذت ثلاثة على جنب وقالت هذه أعجبتني. وظل الأمر هكذا حتى أصبح لي صفحة متخصصة في المجلة، ثم عملت في مجلة “قطر الندى”، وكان يشرف عليها عبد الرحمن نور الدين ومدير تحريرها الراحل أحمد زرزور، وفتحت المجلة لي مجالات أوسع، ثم انتقلت إلى مجلة “علاء الدين”. وقتها كانت الجرائد القومية مغلقة، وكانت الجرائد الحزبية قليلة، فتوجهت إلى الكاريكاتير الخاص بالأطفال فنشرت في كثير من المجالات المصرية والعربية متخصصة للأطفال، وحول اختلاف الرسم للأطفال ومدى احتياج هذا النوع إلى قدرات خاصة وثقافة موسوعية يجب أن يتحلى بها من يتصدى لهذا النوع من الفن يقول فوزي مرسي: ليس هناك كثير من فناني الكاريكاتير الكبار الذين رسموا للأطفال باستثناء أسماء مثل حجازي وتاج وغيرهما، أما عن تجربتي في هذا الإطار فكنت أهرب من فضاء السياسة بكتابتى إلى عالم الطفل، كنت أشعر ببهجة لأن ذلك كان يسعد الأطفال. أعتقد أن كل رسام بداخله طفل صغير، فيرى الأشياء بمنظور طفولي، دائما يفكر بتفكير الصغار، وهذا ما ألاحظه في عملي “الكاريكاتير الخاص بالطفل”!. ويضيف قائلا: هناك إحصائية تقول إن الطفل المصري من أذكى أطفال العالم، خاصة في المرحلة السابقة للتعليم الإلزامي، قديما كانت هناك مجلات الأطفال، كان الإنترنت قد ظهر لكن ليس بهذه الطفرة، أطفال هذا العصر يعلموننا أشياء في التكنولوجيا يعرفونها بالفطرة، على الرسام أن يتابع بشكل جيد ما وصلت إليه هذه التقنيات. قديما كان المعين لنا “الحدوتة” والحكايات والأساطير أيام ما كنت أرسم في مجلة “سمير”، كنت أرسم مصر عام 2010 من خلال طائرات وأجواء فضائية وغيرها. الطفل لا يحتاج الرمز، لا بد من التعبير المباشر في معظم الأحيان، في السياسة هناك رمز موجه، الطفل بخلاف ذلك، فهو لماح بطبعه، ولأن فنون “الكاريكاتير” تتنوع حسب الأغراض التي يرسم فيها الفنان فإن معظم رسوم “فوزي مرسي” تنتمي إلى الكاريكاتير الاجتماعي وحول هذا التوجه يقول: الكاريكاتير الاجتماعي هو كاريكاتير سياسي بطبيعة الحال، إذا رسمت عن أزمة رغيف الخبز، هي أزمة سياسية أيضا، أحب أن أعبر في الكاريكاتير عن مشاكل المواطن البسيط المطحون في العمل وفي قضايا الحياة المختلفة والغلاء الذي يعاني منه. دائما أضع ريشتي في نهر الحياة محاولا ملامسة الجرح، والبحث عن علاج للمشاكل من خلال التعليقات التي أكتبها مصاحبة للرسوم وأحيانا ما أترك التعليق للقارئ، وتلك مدرسة أخرى ومنهج آخر في الرسم، فالرسم المصمت أحيانا يكون أبلغ في التعبير عن الكلام المكتوب، وهذا موجود في المدارس الحديثة في فن الكاريكاتير على مستوى العالم. ويضيف مرسي: دائما ما أشعر بالسعادة بعد الانتهاء من الرسم، لأنني أحاول أن أرصد ما يحيط بي من قضايا سياسية واجتماعية وأنقلها بأمانة، وبفن وكلاهما يؤديان إلى الصدق وهو الجسر الذي يصل بيني كفنان وبين القارئ. الفن ينقلنا إلى حالة أخرى من التلاقي، لنصل في النهاية إلى الفكرة الأسمى للإنسانية فالإبداع هو الذي يقرب المسافات بين البشر في أنحاء العالم. ويؤكد فوزي مرسي أن مدارس الكاريكاتير في مصر متنوعة، وكل مدرسة أسهمت في تطور هذا الفن، وعن ذلك يقول: من أنجح المدارس في الكاريكاتير “صباح الخير وروز اليوسف”، حيث قدمت عمالقة الفنانين أمثال ناجي وجمعة ومن قبلهما صلاح جاهين وحسن فؤاد وبهجوري وغيرهم، هذه المدرسة نتمنى أن تتكرر، لكن الأمر الآن اختلف حيث تراجعت هذه المدرسة، وميزة هذه المدرسة أن الفنانين كانوا هم المفكرين والرسامين في نفس الوقت عكس مدرسة “أخبار اليوم” كان مجلس التحرير يعطي الفكرة للرسام فيرسمها، بداية من رسوم “رخا” وصولا إلى مصطفى حسين وأحمد رجب. الكاريكاتير السياسى وحول وجود سقف لفنان الكاريكاتير حسب السياسة العامة للصحيفة التي يعمل فيها يقول “فوزي مرسي”: أيام مبارك كانت هناك حرية في الإبداع بشكل نسبي فمصطفى حسين كان يهاجم الحكومة بقوة في جريدة “الأخبار”، ففنان الكاريكاتير بطبيعته من أجرأ الأصوات الإبداعية. ويشير فوزي، إلى أن ثورتي 25 يناير و30 يونيو قد أفادتا فن الكاريكاتير في مصر ويرجع ذلك إلى وجود كمية كبيرة من الصحف بدأت تصدر، بالإضافة إلى انتشار كثير من المواقع الإلكترونية وجدنا جيلا جديدا من رسامي الكاريكاتير أصبح “الفيس بوك” مجالا أوسع لنشر الكاريكاتير، الثورة أعطت لهذا الفن حرية كبيرة، والكاريكاتير نزل إلى أرض الميادين، وكان أحد أسباب سقوط “الإخوان” حيث تبارى الفنانون في رسم رسوم تنتقد السياسات الخاطئة لمرسي وأعوانه. وعن تجربته هو ومجموعة من أصدقائه الفنانين في إقامة الملتقى الدولي للكاريكاتير، والذي أقيمت منه دورتان كان هو المنسق العام للملتقى يقول فوزي مرسي: بالنسبة للملتقى كان معي أصدقاء مثل عماد عبد المقصود، والبداية كانت من المركز الثقافي الهندي عندما جاءت لتفتح المعرض د. كاميليا صبحي رئيس قطاع العلاقات الثقافية الخارجية بوزارة الثقافة سابقا وكان المعرض يعرض بورتريهات لأهم الشخصيات المصرية والهندية سواء شخصيات رياضية أو سياسية. حجم الإقبال عليه كان كبيرا ومميزا وغير مسبوق، ثم التقينا الدكتورة كاميليا في مكتبها، وطالبت بإقامة معرض دولي، فكتبنا لها فكرة الملتقى حيث نستقبل أعمال فنانين مصريين وعرب، وأبدت استعدادها لاستضافة 7 فنانين أجانب. وبدأنا بالفعل نشاط الملتقى وبدأنا في استقبال الأعمال من العالم، أول ملتقى كان عنوانه “مصر في عيون رسامي الكاريكاتير”. ثم جاء الملتقى الثاني في 5 إبريل الماضي اخترنا فيه إيطاليا كضيف شرف عرضت فيه 850 عملا من العالم لمئتي وثمانية وخمسين رساما من 60 دولة. وكان موضوعه “الصحة والكاريكاتير”، وهناك موضوع حر يعبر فيه الرسام عما يشغله مثل قضايا “العنف ضد المرأة، والتعليم، والإرهاب” وغير ذلك. ويرى فوزي مرسي أن المسألة تتعلق بأهمية هذا الفن بالنسبة للمجتمع، خاصة بعد الثورة، وظهور أشكال فنية جماعية، وعن دور العمل الجماعي يقول: العمل الجماعي شيء مهم، الجهد الجماعي مطلوب ولا بد للجميع أن يتعاون، قبل الثورة كان المسيطر الطابع الفردي، ويكاد يختفي النشاط الجماعي ثم جاءت ثورة يناير، فبدأ جيل جديد يدخل الجمعية المصرية للكاريكاتير، وقبل أن أكون عضوا في مجلس الإدارة كنت أنسق ندوات للكاريكاتير في المراكز الثقافية، وشاركنا في المركز الثقافي الهندي وأقمنا معرضا في “جوتة” عن “الفن والتسامح”، وأقمنا معرضا في “بانوراما 6 أكتوبر”. فنون مختلفة وحول تأثيرات الثورة على الفنون البصرية يقول فوزي: الثورة أفرزت لنا فن الجرافيتي والرسم على الحوائط، وازدهر بشكل قوي أيام الثورة وسجل أحداثها، أصبحنا نرى على الحوائط الفن التشكيلي بتجليات مختلفة. الفن التشكيلي يحتاج إلى بساطة أحيانا ويضيف فوزي قائلا: فن الكاريكاتير في مصر له خصوصية حيث نرى على جدران المعابد المصرية مجموعة من الجداريات التي تدل على قدم هذا الفن، نتمنى المشاركة في معارض عالمية حتى يرى الفنانون مدارس أخرى، الكاريكاتير في مصر يعتمد على التعليق. أردنا من خلال إقامة ملتقانا أن نرى مدارس تعتمد على الصورة، وكان هذا أحد الأهداف الأساسية للملتقى، فن الكاريكاتير الآن في حالة ازدهار هناك حالة من أرشفة الكاريكاتير نحاول إخراج كتب عن رواد الفن التشكيلي وفن الكاريكاتير من خلال الجمعية المصرية للكاريكاتير بالتعاون مع مؤسسات النشر الحكومية مثل هيئة الكتاب.