ما الأسباب التي جعلت المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق الليبية المدعومة دوليا، تنفي أنباء عن وجود فيروس كورونا المستجد (كوفيد -19) في البلاد؟ هل ليبيا من كوكب آخر؟ لقد انتشر الفيروس كوباء عالمي انطلاقا من الصين، منذ نحو شهرين. ولوحظ أن الدول التي تعمها الفوضى وضعف المؤسسات، كليبيا، كانت هي الأقل في رصد المصابين، وهي الأقل في اتخاذ الاحتياطات لمواجهة الوباء. هل يتستر فايز السراج رئيس المجلس الرئاسي على المصابين بالفيروس في ليبيا؟ ولماذا تحرك الدم في عروقه بعد أن شعر أن بعض معاونيه كانوا وراء شكاوى إلى منظمة الصحة العالمية، قبل أيام، موجهة ضد سياسته مع كورونا. حدث هذا قبل إصدار بيان النفي يوم الأحد الماضي. فقبل ذلك اليوم، وصلت معلومات للسراج بأن من بين من قدموا تقارير للمنظمة العالمية، عن تهاون حكومته في مواجهة كورونا، أعضاء في مجلس الدولة، وهو مجلس استشاري غير منتخب، مقره طرابلس، ويضم قادة من جماعة الإخوان، وبضع شخصيات ذات توجه قومي. وبينما يلتزم تنظيم الإخوان الصمت حيال فشل حكومة الوفاق، محاولا التربح من سياستها المتهاونة مع الوباء، يشكو السراج من أن بضعة أعضاء من التوجه المحسوب على التيار القومي، هم من تقدموا بشكاوى ضده للجهات الدولية بشأن التقصير حيال كورونا، وأن هذا تسبب في نشر وسائل إعلام لمعلومات حول وجود الفيروس في ليبيا. معلوم أن السراج يعتمد على تنظيم الإخوان الانتهازي، وعلى ميليشيات مسلحة، وعلى إرهابيين ومرتزقة أجانب، لحماية سلطته الهشة في طرابلس، بينما يحاول الجيش الوطني بقيادة المشير خليفة حفتر، تخليص العاصمة، من كل هذه الفوضى. منذ تقدم الجيش الوطني في محاور طرابلس، في أبريل الماضي، خصص السراج مليارات الدولارات، لشراء الأسلحة من تركيا، وللإنفاق على المرتزقة والمسلحين لمنع الجيش من دخول العاصمة. في المقابل، ما زال السراج يرفض الطلبات التي جرى تقديمها من أعضاء في المجلس الرئاسي، وفي الحكومة، بتخصيص الأموال لمواجهة الفيروس. فكما يبدو، يضع السراج أولوية إنفاق الأموال على تعضيد حكمه، وليس على حماية الليبيين، حيث يجري منح الأموال لوزارة الدفاع التركية، وللمرتزقة والإرهابيين الذين ترسلهم أنقرة لمحاربة الجيش الوطني. مع ظهور مشتبه بإصابتهم بفيروس كورونا، منهم اثنان على الأقل من مدينة مصراتة (200 كيلومتر شرق طرابلس)، كان ينبغي على السراج أن يغيِّر أولوياته، وأن يلجأ إلى المصالحة مع خصومه، وأن يتوقف عن إدارة آلة الحرب التي تأكل الأخضر واليابس، وأن يقوم مع باقي الليبيين بوضع الخطط لمواجهة الفيروس. رغم تأكيد أطراف ليبية على وجود كورونا، إلا أن ضعف الإمكانيات لا يعطي مؤشرا يعتد به على مدى انتشار الفيروس في هذه الدولة التي تعاني من الفوضى منذ 2011. ومع ذلك يظهر أن كورونا أرحم من الميليشيات ومن المرتزقة، الذين يقومون بخطف وقتل معارضي السراج وقواته المنفلتة. نعود مرة أخرى إلى سبب نفي السراج تسجيل أي حالات إصابة بالفيروس.. فبمجرد تردد أنباء عن أن ليبيا قد يكون فيها مصابون بكورونا، شعر السراج بالغضب، وأصدر تعليمات لوزارة الصحة، يوم السبت الماضي، بنفي كل ما يقال عن هذا الموضوع، معتقدا أن وجود الفيروس يعني ضعف حكومته، ويعني أيضا إلزامه باستقطاع أموال لعلاج الليبيين، من تلك المخصصة للحرب. هذه الخطوة أدت لغضب كثيرين يعلمون ببواطن الأمور.. فقد دخل أحد قادة مجلس الدولة على السراج، وخاطبه في لهجة حادة. وقال له إن الفيروس منتشر، وأن وزارة الصحة في حكومة الوفاق تفتقر لأجهزة الكشف اللازمة في المطارات والموانئ والمستشفيات، ولا يوجد لديها مقرات مجهزة للحجر الصحي. ومن جانبه حاول وزير الصحة في حكومة الوفاق، حميد بن عمر، الرد على السراج، لإقناعه بعدم إصدار بيان رسمي ينفي فيه تسجيل أي حالات كورونا في ليبيا، إلا أن جهود بن عمر باءت بالفشل، في نهاية المطاف. المشكلة بدأت بتلقي السراج لتقرير مطلع هذا الأسبوع، من لجنة الطوارئ في إدارة الشؤون الطبية بوزارة الصحة. يتحدث التقرير عن تسجيل حالات وفيات في طرابلس نتيجة لأعراض فيروس كورونا. وتضمن التقرير كذلك أنه لا توجد أي إمكانيات لدى لجنة الطوارئ لمواجهة الفيروس. يبدو أن مضمون التقرير تسرب إلى منظمة الصحة العالمية وإلى الإعلام.. هذا الأمر شجع قادة يفترض أنهم مقربون من السراج، على انتقاد الرجل وتراخيه أمام فيروس كورونا. من بين هؤلاء نائب رئيس المجلس الرئاسي، أحمد إمعيتيق، ومن بينهم كذلك رئيس جهاز الخدمات الطبية العسكرية، اللواء عمر البصير. فقد واجه إمعيتيق السراج، في العاصمة يوم السبت الماضي، وقال له صراحة إن هناك حالات وفاة لأسباب تتطابق مع أعراض كورونا. كما ذكر اللواء البصير للسراج أيضا، وفي اليوم نفسه، أن هناك اشتباها في وفاة مقاتلين تابعين لحكومة الوفاق، في طرابلس، من جراء كورونا. إن وزارة الصحة في حكومة الوفاق تحتاج إلى ملايين الدولارات، لكي تتمكن من توفير الرعاية الصحية للسكان، على الأقل في شمال غرب ليبيا، بما فيها مواجهة كورونا، إلا أن السراج مشغول بالإنفاق على إدارة آلة الحرب ضد أبناء وطنه، بالتعاون مع الأتراك والتنظيمات الإرهابية العابرة للحدود. عموم المواطنين في مدن تسيطر عليها الميليشيات، كطرابلس، ومصراتة، يتناقلون الأنباء عن انتشار الفيروس، لكن المشكلة الرئيسية لديهم ليست هنا، بل في فيروس أخطر، وهو الجماعات الإرهابية، والمرتزقة الأجانب الذين أتى بهم السراج من تركيا، حيث يرتكبون أبشع جرائم الخطف والتعذيب والقتل.