سامية خضر: ضرورة أن يتولي الرئيسي السيسي ملف الثقافة لمواجهة التحديات طه أبو حسنين: قانون”العيب” ينظم الآداب العامة حسام عقل: دور لحملة حملة الأقلام والمبدعين للدفاع عن الفن وتطويق البؤر العشوائية صفوت العالم: الأداء والأسلوب الإعلامي يهبط الأخلاق ماجدة موريس: أطالب بهيئة لتبني الشباب لتكون جزءًا من حركة الدفع إلى الأمام “الشاب الصفيق من هؤلاء يتعمد الوقوف على رصيف الترام بالقرب من المكان المخصص لركوب السيدات، وعندما يجد سيدة تقف بمفردها يقترب منها بمنتهى البجاحة ويقول لها دون سابق معرفة (بنسوار ياهانم)، مقولة لفكري باشا أباظة يبدى فيها انزعاجه من التحرش عام 1932، ومع بداية الألفية انتشرت مستجدات ومصطلحات عدة تجهلها عادات وتقاليد الشعب ، والذي اعتبرها البعض انحدارا للذوق العام والأخلاق، وتشويها للثقافة والتاريخ. أجمع عدد من خبراء الاجتماع والإعلام والتربية، على خلفية منع أغاني المهرجات، أن السبب في انتشار هذا النوع من الأغاني هو تراجع لدور الثقافة وعدم الاهتمام بالآداب العامة، إلى جانب تدهور دور التعليم والإعلام، ومطالبين بضرورة أن يتولى الرئيس السيسي بنفسه قضية الثقافة، لرفع مستوى الثقافة التي شهدت انهياراً خلال السنوات الماضية أكد النائب محمد فرج عامر، رئيس لجنة الصناعة بمجلس النواب، عزمه إعداد مشروع قانون لتغليظ عقوبة من يرتكب هذه الجرائم، إضافة إلى مواد في قانون العقوبات لمنع واتخاذ جميع الإجراءات القانونية لمحاكمة كل من يسيئون للفن والتقاليد والأخلاق ، بهدف المواجهة التشريعية الحاسمة، وتشديد العقوبات ضد أصحاب أغاني المهرجانات والأفلام الهابطة التي أصبحت تمثل خطرا داهما على الشباب الذي يحاول التقليد الأعمى لمن يسمون أنفسهم بالفنانين والمطربين، وهم بعيدون كل البعد عن الفن الأصيل الذي كان واحدا من أهم القوى الناعمة للدولة إقليميا وعربيا وعالميا، مطالبا الحكومة بسرعة التدخل للوقف الفوري لجميع من يسيئون للفن المصري بأغاني وأفلام ومسلسلات هابطة بها كلمات ومشاهد فيها خروج سافر وصارخ عن القيم والأخلاق والتقاليد المصرية العريقة، دور الدولة يقول الدكتور طه أبو حسنين، أستاذ علم الاجتماع، إن انهيار الذوق العام يرجع لتفريط الدولة في دورها المنوط بها، كونها هي المسئولة عن صياغة لغة التعامل اليومي في الشارع، والتي من شأنها فرض الآداب العامة، مشيرًا إلى أن الرئيس الراحل أنور السادات، شرع ما يسمي بقانون”العيب”، ورغم أنه لقي هجومًا كبيرًا في ذلك الوقت، لكنه كان يلامس الأمور التي تتعلق بهذا الشأن، ضرورة عودة مثل هذه القوانين مرة أخرى. ويضيف أن التراجع الثقافي والتربوي والديني وقيم الاختيار، كان سببًا أساسيًا في هذا الانهيار. ويشدد أبو حسنين على ضرورة تحجيم دور الإعلام السيئ في التأثير السلوكي للناس، واستضافته لبعض النماذج السيئة التي كانت سببا في تدمير المجتمع، وإهمال العلماء والمؤرخين، خاصة في ظل استخدامات البعض للألفاظ القميئة، الأمر الذي أثر بشكل كبير على تغيير واستبدال اللغة العربية والعامية بلغة خليطة ومشوهه لا أحد يعلم مصدرها، بالإضافة لاستخدامه الكثير من الكلمات في الفضاء الإعلامي لمحاربة فيصل من الفصائل بغض النظر عنه، فأصبحت الكيانات المنادية للإصلاح، غير مهتمة بالمدار الأخلاقي، مشددًا على ضرورة وجود شرف أخلاقي في الخصومة والاختلاف والعداء، وهي صفة لا يتميز بها إلا إنسان. إهمال الثقافة في حين قالت سامية خضر، أستاذ علم الاجتماع، إن اهمالنا “الثقافة، الكلمة الطيبة، الأخلاق، والتربية والتعليم، تعاليم الدين” أدى إلى تراجع الذوق العام، قائلًا “أمة بلا ثقافة هي أمة تسير في العراء وليس لها مستقبل”. ولفتت إلى أن الرئيس السيسي تحدث عن بناء الإنسان، الأمر الذي يجعلنا نطالبه بضرورة مواجهة هذا الفيروس الذي يهدد المجتمعات، قائلة: “بناء المصانع سهل وبناء الإنسان صعب”، مؤكدة أن البناء يبدأ من ثقافة النشأة، خاصة أن الطفل الذي يبلغ 15 عامًا من الصعب تغير الثقافة التي تربي عليها، وأشارت إلى أن الإعلام في الوقت الراهن يستضيف من تسبب في انهيار الأخلاق رغم الحملات التي انتشرت عبر مواقع التواصل الاجتماعي وطالبت بمقاطعة هذه النماذج، موضحة أن مواقع التواصل هي منبر إعلامي للشعب ، الأمر الذي جعل هناك شعور بالصدمة من وجود إعلام لا يحترم مشاعر الناس، ولا يستضيف إلا النماذج السيئة؛ بحثًا عن الإعلانات والمشاهدات، مشيرة إلى أن الرئيس السيسي أشار في احد لقاءاته عن أهمية مواقع التواصل الاجتماعي. وأكدت أستاذ الاجتماع، أن هذه النماذج لا تسيء للمجتمعات فقط، ولكنها تشوه صورة مصر أيضًا في الخارج وتؤثر على السياحة. وشددت خضر على ضرورة تفعيل دور الثقافة والإعلام لمواجهة هذه التحديات، خاصة أن الثقافة والإعلام لا يمكن انفصالهما عن بعضهما، كون أن المادة الثقافية تبث عبر شاشات التليفزيون التي تصل لكل الفروق والطبقات الاجتماعية. وأوضحت أن الفنان الراحل عبد الحليم حافظ تعلم الإلحان في الملجأ، فالفقر ليس له علاقة بطبقات اجتماعية كما يظن البعض، مشيرة إلى أن انتشار مثل هذه النماذج ينعكس على ارتفاع معدل الجريمة، وارتفاع معدلات الطلاق وخلافة، ونحن بحاجة إلى بناء الثقافة من جديد، قائلة: “أفقيقوا يرحمكم الله قبل أن نفرق جميعا”. حملة للدفاع عن الفن أما الدكتور حسام عقل أستاذ التربية بجامعة عين سمش، والناقد الأدبي، يؤكد أن العشر سنوات الفائتة قد شهدت تحولا جذريًا في مسار الثقافة المصرية؛ تزامنًا مع مستجدين أحدهما تراجع المؤسسة الثقافية الرسمية رؤية وأداءً، وهو ما تمثل في إهمال المسارح، وإغلاق عدد كبير من مراكز قصور الثقافة، وتراجع مروع لأداء المجلس الأعلى للثقافة بلجانه التي تزيد عن العشرين، وهو ما سمح ببروز الأصوات الضاحلة والدميمة، وتصدر التسطيح والضحالة للمشد الثقافي في ظل إهمال المواهب النابهة والجادة في كل أفرع النشاط الإبداعي. ويشير عقل إلى فوز الشاعر المصري عبد الله الشربجي، بجائزة البابطين الثقافية هذا العام، وهي من أهم جوائز الشعر العربي، ولم تذكر منه كلمة واحدة، ولا يرد ذكره بلجنة الشعر بالمجلس الأعلى للثقافة، ولا في لجنة شعر الفصحى باتحاد الكتاب، ولا في القناة الثقافية المنوط بها متابعة الشأن الثقافي، وهو ما يؤكد أن مصر الولود لا تعاني خللا في المبدعين أو النابهين، وإنما تعاني خللا خطيرًا في مؤسساتها المتكلسة العاجزة عن المواكبة والعصرنة والتحديث. ويضيف انه يلاحظ في الساحة الغنائية الزحف الدميم لأغاني المهرجانات، والنصوص الطافحة بالذمامة والقبح، والتي يصرخ بها “مغني المهرجانات”، الأمر الذي جعل نقابة الموسيقيين تتجه لانتفاضة فنية محمودة للدفاع عن الذوق العام، ولفت إلى أن هذا الطفح على صدر المشهد من تقيحات الفن الدميم المنتسب زورًا إلى عربة الفن يلزمنا كمثقفين وحملة أقلام وأكاديميين ومربين إلى القيام بحملة شاملة للدفاع عن الفن الرفيع وتطويق بؤر الفن العشوائي وحصارها بقوة حتى لا تتمدد في الفراغ، ويتعين أن يتواكب مع هذا تعظيم دور الكيانات الثقافية المدنية الجادة التي أصبحت الآن هي المتنفس الوحيد للفن والإبداع المصري، ودون هذا التكاتف ودعم الكيانات التي تعوض غياب المؤسسات الهرمة ، لا أمل لنا في تطويق مظاهر القبح والدمامة في الفن والإبداع. إجراءات رادعة وعلى المستوى الإعلامي يقول الدكتور صفوت العالم أستاذ الإعلام: أننا أمام أساليب وأشكال من الأداء الإعلامي الذي يتكرر غنائيًا ودراميًا وسينمائيا على وسائل التواصل الاجتماعي ووسائل الإعلام المختلفة، أداء وأسلوب يهبط بالذوق العام. ويوضح أن هناك أساليب ونماذج من الألفاظ المعيبة التي تنطلق عبر الشاشات من خلال ضيوف وبرامج ومداخلات، يتم تشجيعها وليس مهاجماتها، خاصة مع حدوث أحداث سب وقذف من قبل البعض، دون محاكمته ، ولم تتخذ السلطة التشريعية التي تعتبر نموذجا للعدالة، قرارًا برفع الحصانة أو التحقيق، ولكنهم يتصدرون الشاشات التليفزيونية، وينعكس بالطبع على الحوار بين الناس وبين وسائل التواصل الاجتماعي، متسائلًا: كيف نربي أبنائنا في ظل التغافل عن الحق؟ مؤكدًا أننا أمام ظواهر لا تليق بمجتمعنا الشرقي والعربي؟ ويشير إلى أن الدراما في الآونة الأخيرة أصبحت خارجة عن الآداب الاجتماعية، وتعكس القيم الأخلاقية التي تربي عليها الوطن العربي، فهذه الممارسات جعلت بعض الدول لا تقبل إذاعة هذه المسلسلات، الأمر الذي يجعلنا نخسر القوة الناعمة بكل الطرق والأساليب دون دراية، قائلًا: “نحن قاتلنا هياكل الإنتاج الدرامي والسينمائي”. ويشدد العالم على ضرورة أن تتخذ الدولة إجراءات رادعة لمحاربة كل أشكال المغالطات والتعديات والحفاظ على الذوق العام بالاحترام والأخلاق والمواد المعلوماتية التي تقدم عبر الشاشات وليست البذاءات. التربية السليمة والأخلاق وفي سياق متصل بهذا الموضوع،شدد أستاذ اللغة العربية بجامعة الأزهر، الدكتور صابر عبد الدايم على ضرورة وجود رقابة على المصنفات الفنية التي تقدم عبر الشاشات المختلفة، خاصة في ظل تشويه صورة الداعية، والسخرة من الرموز التاريخية، في السينما والدراما ما يجعل الناس تأخذ صورة ذهنية سيئة عن رجال الدين، وأن يلتزم الناس بتقديم صورة رجل الدين، حتى لا يفقد المصداقية لدي المجتمع، ويبتعد الجميع عن المؤسسات الدينية ويرهبونها، الأمر الذي ينعكس في المعاملات والسلوكيات بين الناس، وينهار الذوق الأخلاقي والعام لدي المجتمعات. وأوضح أن مهرجانات التوكتك تحمل ألفاظا خادشة للحياء ويعاقب عليها القانون وطالب بضرورة أن يتم توعية فريق العمل سواء الإعلامي أو الفني، حتى يكون لديهم علم ودراية بما يقدمه، وبما تحمله المادة الدرامية من خطوة قد تضر بالأجيال الناشئة، مؤكدًا أن الجهود مشتركة بين المؤسسات والهيئات للارتقاء بالذوق العام. تبني المواهب بينما ترى الناقدة السينمائية ماجدة موريس، أن ما يحدث الآن في الساحة الغنائية هو رغبة شديدة في قطاع كبير من المجتمع ليعبروا عن أنفسهم ، حيث يتحرر من قيود إيقاع الزمن الماضي، موضحة أن الإيقاع اختلف بعد رحيل أم كلثوم وعبد الحليم، كونه مر عليه عشرات السنوات، وهي أغاني محبذة على الرغبة والرقص، وأن الشباب يمثلون أغلبية الشعب، فهؤلاء ليس بإمكانهم السفر للخارج لمشاهدة الثقافات المختلفة، مشيرة إلى أن فيلم “أيس كريم في جليم” هو كان نبوئه لما حدث بعد ذلك. وقالت: من الصعب أن ينظر إليهم المجتمع باستحقار أو التقليل من شأنهم، ولكن على المعنيين بالأمر أن يتم توجيه هؤلاء الشباب بكلمات والألحان، وتحفيز الأصوات الجيدة منهم، والتنبيه عن عدم السماح بإدراج ألفاظ في الأغاني، وليس منعهم. وأكدت أن مصر تفتقد الهيئات والمؤسسات التي تتبنى المواهب الشابة، باستثناء فرقة خالد جلال، في ظل وجود عدد كبير من مواهب في كل المحافظات. وأوضحت أن من الأسباب التي أدت إلى تدهور الذوق العام، أن أغلب مراكز الثقافة بحاجة إلى ترميم، وميزانية لانتعاشها، إلى جانب غياب الثقافة من التليفزيون، الذي كان يقدم أمسيات ثقافية لفاروق شوشة، وبرامج للمسرح، وبرامج لمناقشة الأفلام، بالإضافة لبرنامج حامد جوهر الذي كان يقدمه أسبوعيا عن رحلات حول العالم، إلى جانب حوارات طارق حبيب، وبرنامج سامية الأتربي التي كانت تقدم تاريخ القاهرة وخلافه، وهو الأمر الذي جعل الشباب يلجأون للثقافة الموجودة حاليًا، مشددة على ضرورة وجودة هيئة لتبني المواهب الجديدة، وأن تسعى النقابة لعمل اجتماعات هؤلاء الشباب حتى تكون جزءًا من حركة الدفع إلى الأمام .