تكشف الحركة الاحتجاجية الموجودة في الشارع الآن، عن فجوة عميقة بين فكرالرئيس السيسى، وفكر الشعب، رغم أن الرئيس والشعب متفقان على ضرورة بناء مصر الحديثة. لكن فكر الرئيس أنصب على المشروعات القومية الكبرى، التي انفق عليها 4 تريليونات جنيه، تعادل مجموع الموازنة العامة للدولة خلال السنوات الأربع التي تولى فيها سدة الحكم، وهذه المشروعات تتم خارج الموازنة العامة للدولة، وبحسب كريستين لاجارد، مدير صندوق النقد الدولي، فإن المشروعات خارج الموازنة العامة تفتح الباب للفساد والرشوة وتقييد الرقابة والحوكمة الرشيدة . المشروعات القومية انقسمت إلى ثلاثة أقسام، بناء مدن جديدة على أحدث طراز، ومشروعات خدمية كتطوير التعليم والصحة، ومشروعات إنتاجية كمزارع السمك والصوبات الزراعية، لكن مردود هذه المشروعات على الشعب كان ارتفاعًا في أسعار العقارات في محافظات مصر كافة “دون مبرر” وهو ما يعرف ب” المرض الهولندي” في الاقتصاد، ومن ناحية أخرى يفقد الأمل لمعظم المواطنين في الحياة في هذه المدن ” الراقية جدا ” . أما المشروعات الخدمية كتطوير الكهرباء والاكتشافات المهولة في الغاز، فلم يشعر بها أيضا المواطن، فأسعار الكهرباء شهدت ارتفاعاً كبيراً يفوق قدرة المواطنين، فضلا عن ارتفاع أسعار الغاز، حتى تطوير التعليم الذي يتحدث عنه الرئيس، ثم رفع مصروفات المدارس والجامعات الحكومية بنسبة تتراوح ما بين 70% و100%، كذلك التوسع في الجامعات الخاصة والدولية ذات المصروفات الباهظة التي لا يستطيع معظم الشعب مجرد ذكر أسمائها وليس دخول أولادهم فيها . الوضع نفسه في المشروعات الإنتاجية، ارتفاع في أسعار الأسماك والخضراوات، ليصبح التساؤل لدى المواطن العادي ماذا نستفيد من هذه المشروعات، بل على العكس أصبحت تشكل نقمة عليه . لقد صبر الشعب كثيراً على أمل حياة أفضل، وتحمل برنامجا قاسيا للإصلاح الاقتصادي، والذي طبقته الحكومة بالاتفاق مع صندوق النقد الدولي، تحسنت المؤشرات العالمية، لكن في المقابل تدهورت الأوضاع المعيشية للمواطنين، وبحسب بحث الدخل والانفاق الصادر عن الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء، فإن الدخل الحقيقي للمواطن انخفض 35%، وبلغ عدد الفقراء في مصر 5ر32 مليون مواطن، فضلا عن أن أكثر من 80% من الشعب أصبح يعاني يوميا للحصول على حياة كريمة . ففكر الشعب ينحصر في توفير مقومات الحياة الكريمة من تعليم جيد، وعلاج، وفرص عمل، وحرية رأي وأمن، ومعظم هذا الأمل لم يتحقق، بل الأكثر أهمية أن الشعب أصبح مجرد طموحه الحصول على لقمة العيش . هذا الاختلاف بين فكر الرئيس وفكر الشعب يتطلب إعادة النظر في أولويات الحكومة والرئيس، وإعادة النظر في السياسات الاقتصادية المطبقة حاليا، والتي تحولت إلى ماكينة لإنتاج الفقراء، وقتل الطموح لدى الشعب، فلابد من تغيير هذه السياسات ومعالجة الأثار الاجتماعية لبرنامج الاصلاح الاقتصادي، وفتح باب الأمل للمواطنين في حياة أفضل، وفتح باب الحرية للأحزاب السياسية والصحافة للتعبير عن الرأي، فالاستثمار في البشر أهم من الاستثمار في الحجر ! .