قضية للمناقشة *بقلم فريدة النقاش سيتحول تمكين “ياسر برهامي” من الخطابة في جماهير العيد الغفيرة إلى علامة فاصلة بين أصحاب الدعوة لتجديد الفكر الديني بدءًا بفصل الدين عن السياسة من جهة، وبين الرجعية الدينية من جهة أخرى، سيتحول هذا كله إلى معركة فاصلة تكشف فيها السلطة السياسية عن هشاشة فكرية، وتوجه شكلي نحو تجديد الفكر الديني، بينما يدور التوجه الأصلي حول الإبقاء على الوضع القائم في معركة الأفكار، حيث الجماهير أسلس قياداً بعيداً عن الأفكار الخطرة، والأهم منها روح الجدال والنقاش الحر التي ستطلقها معركة الأفكار لو جرى التعامل معها بجدية، في نقاش حر يستدعي بطبيعته كل القضايا المسكوت عنها في حياتنا سواء فيما يتعلق بتقييد الحريات العامة أو بترتيب أولويات التنمية، أو الإسراف في الاستدانة . - الإعلانات - وحتى إذا جرى حصر النقاش العام في القضية الأساسية وهي تجديد الفكر الديني فسوف يتبين لنا أن هناك مهمات أولية على الحكومة أن تنجزها، وهي تستطيع إنجازها بما لديها من صلاحيات وإمكانيات، من هذه المهمات البسيطة جداً تنقية الكتب المدرسة من النصوص الدينية عامة، فالمدرسة هي مؤسسة المواطنة الأولى والتي لا يجوز أن يجرى تقسيم الطالبات والطلاب فيها على أي أساس ديني أو قبلي أو جنسي، ويترتب على ذلك إلغاء حصة الدين التي يتحول بمقتضاها التلاميذ والتلميذات المسيحيات إلى أقلية منبوذة، ولا يفوتني هنا أن أتذكر وأحيي الدكتور “أحمد عواض” الذي أجاز عرض فيلم “لا مؤاخذة” حين كان مسؤولا عن الرقابة ومع ذلك فلا السلطات ولا المثقفون اهتموا بالتعامل مع هذا الفيلم كأداة جبارة لفضح الثقافة العنصرية التي تضرب المجتمع المصري، ويتشربها الطالبات والطلاب في سن مبكرة، سواء عن طريق الأسرة أو المدرسة أو المؤسسة الدينية أو الإعلام والمدونات. ما حددته في الفقرة السابقة هي إجراءات بسيطة وأولية بوسع أي سلطة إنجازها على التو لو شاءت، أما الأصعب والأكثر تعقيدا فهو ما تحتاج إليه أجهزة الإعلام المملوكة للدولة وبخاصة التليفزيون والإذاعة، وقد بحت الأصوات وهي تنادي بضرورة الحفاظ على المؤسسة الإعلامية للدولة لا التفريط فيها طبقا لحسابات اقتصادية ضيقة الأفق، ومصالح لأشخاص لا تعنيهم قضايا تطور البلاد بشكل متكامل من قريب أو بعيد، فضلا عن هؤلاء الذين يضمرون الشر لهذا الوطن الجميل المفعم بالحيوية، لأنه استطاع أن يكتشف حقيقة التهديد لمستقبل البلاد والمخاطر التي تحاصر ثورتها وذلك كله خلال عام واحد من حكم الإخوان حين قرر المصريون بصورة لا رجعة عنها إسقاطهم بعد أن اكتشف العالم الزائف الذي صدروه لنا. ونعرف الآن جيدا أن الإخوان خرجوا من الباب ليدخلوا من الشباك، فضلا عن أنهم كانوا حتى قبل عام “ولاية” “مرسي” قد وضعوا خططا للاستيلاء فكريا ووظيفيا على المؤسسات التعليمية والإعلامية، سواء عبر إنشاء مدارس وجامعات أو قنوات تليفزيونية وصحف، وتدريب عضويتهم الشابة على إتقان التعامل مع ثورة الاتصال التي تتطور كل يوم، وهي متاحة جميعاً لمن يملك بعض الإمكانيات المالية البسيطة، فما بالنا إذ تنبئنا قضايا مصادرة أموالهم عن مشروعات أسسوها إضافة إلى التمويل الذي يتدفق على تنظيمهم الدولي نكاية في الدولة المصرية . ويقول لنا السعي إلى استمالة “برهامي” صاحب الملف المتخم بفتاوي التكفير والتحريض على القتل، وانتقاء كل ما هو ضد التقدم والإنسانية من النصوص لترويجها عبر نفوذه الذي لم يتراجع داخل وزارة الأوقاف رغم انكشاف صورته الحقيقية وأهدافه المسمومة، يقول لنا هذا السعي إن تعاملنا معه بحسن النية أن ثمة قوة داخل السلطة الرسمية تتعامل مع السياسة باعتبارها شطارة وفهلوة وألعاب بهلوانية حين يقررون إستمالة السلفيين بل والتحالف معهم لمحاصرة الإخوان، وهي نظرة تبرز للأسف الشديد جهلاً مطبقاً بالخرائط الفكرية والتوجهات السياسية لكل من السلفيين والإخوان . ولايجوز لنا إن شئنا أن نحلل الوضع جديا أن نستبعد أن يكون هناك تنسيق على الأقل فيما بينهم، وذلك أن جوهر مشروعيهما واحد يعلق كل منهما عليه لافتته الدينية، وهي اللافتة التي يتخفي وراءها المضمون الطبقي الطفيلي البغيض الذي هو جزء لا يتجزأ من سعي الإمبريالية الأمريكية الأوروبية لإخضاع منطقتنا للهيمنة الصهيونية التي هي أداتها المضمونة لمواصلة نهب ثرواتنا، وتعطيل قدرتنا على السيطرة على مصيرنا، وإذ تتوافق استراتيجية إغراق المنطقة في الصراع الديني والطائفي والعرقي كمبرر من جهة لشرعية إسرائيل كدولة دينية، فضلا عن أنه أساس لتفتيتها وتحويلها إلى فسيسفاء متناثرة الأجزاء ضعيفة وبلا حيلة عاجزة عن الدفاع عن نفسها . إن الخطأ الكبير، بل وأقول الخطيئة الكبرى من بعد الخطيئة الأولى أن سعى السلطة للتحالف مع السلفيين ضد الإخوان، هي أي الخطيئة الثانية هي التقليل من شأن معركة الأفكار واعتبارها جهداً ثانويا يجوز الاستغناء عنه مادام الحكم قادرا عسكريا على ملاحقة فلول الإخوان وخلاياهم والمرعي متروك خاليا طليقا للسلفيين “حلفاءنا”. هناك خطوة ضرورية مطلوبة اليوم قبل الغد ألا وهي فض هذا التحالف الخبيث القائم بين الحكم والسلفيين، جنباً إلى جنب فضح أفكارهم ورؤاهم التي لو عرفها الناس على حقيقتها عبر حرية الإعلام والنقاش والتعبير سوف يتقدمون هم الصفوف في معركة الأفكار التي لم ندخل إليها بعد بالجدية المطلوبة، بينما ينبغي علينا حشد البشر والسلاح والأفكار ضد هذا الخطر السرطاني في منظومة متكاملة، ولابد لنا أن ننتصر .