لا يخفى على أحد في ظل الظروف الاقتصادية، وارتفاع الأسعار، على مستوى العالم أجمع، تعيش عدة قطاعات بالمجتمعات المختلفة أزمة حقيقة، وتأتى على رأس تلك الأزمات ما تعانيه الصحافة الورقية اليوم، والمؤسسات الصحفية الكبرى، ومع ارتفاع سعر الدولار، وارتفاع أسعار الورق وتكلفة الطباعة للصحف الورقية، ما خلق أزمة وتحدي جديد يواجه هذه المؤسسات الصحفية. فعلى سبيل المثال، وفى نهاية عام 2016، قامت مؤسسة الأهرام، بتوجيه خطاب لجميع الصحف التي تطبع إصدارتها لدي المؤسسة، تطالب فيها الإدارات بتحمل قدر كبير من التكاليف الإضافية للطباعة، نظرا لزيادة في سعر الدولار، فأصبحت التكاليف المطلوب تسديدها للمؤسسة نسبة 80 % من قيمة التعاقد، من أجل تصبح المؤسسة والمطابع قادرة على استكمال مهمة الطبع اليومي والأسبوعي للصحف الخاصة والحزبية. وكانت أسعار الطباعة السابقة قبل قرار تحرير سعر صرف الجنيه المصري، وفقا لسعر الدولار مقابل الجنيه بنحو 7.68 جنيه، تزيد بزيادة منطقية، بينما عندما تجاوز سعر الدولار 17.5 جنيه، بزيادة قدرت بنحو 14 %، تكبدت المؤسسات الصحفية والمطابع زيادة غير منطقية، خاصة مع زيادة أثمان الأوراق والمواد الخام وأدوات وآلات الطباعة التي يتم استيرادها من الخارج، لتطبيق القيمة المضافة والجمارك بأسعارها الجديدة، ما صعب الأمر ورفع من نسبة تكلفة الصحف الورقية. ومع قرارات زيادة أسعار الورق وتكلفة الطباعة للصحف الورقية، لجأت بعض الصحف اليومية المصرية، زيادة سعر بيع النسخة الواحدة بزيادة تقدر بجنيه واحد في النسخة الواحدة، كمحاولة لتغطية تكاليف الطباعة وزيادة أسعار الورق التب بدأت أن تطبق بداية من منتصف ديسمبر/كانون الأول الماضي. *تحديات تواجه الصحف الورقية هناك آراء وتوضيحات من كبار كتابنا وصحفيينا فى مصر لتوضيح تلك المشكلة وما يترتب عليه من آثار قد تكون سلبية، وتؤثر بشكل مباشر وخطير فى تلك الصناعة الهامة، فمثلا تقول الكاتبة الصحفية فريدة النقاش، إن الوضع الحالي يمثل أزمة كبرى لجميع الصحف الورقية والمطبوعة، وإن التحديات الحالية تواجه أغلب الصحف الورقية على مستوى العالم، وأن مشكلات الصحافة المطبوعة واحدة وتتشابه في كل البلاد، ولكنها تختلف باختلاف الظروف، مشيرة إلى أن الأمر في مصر مرتبط بعدة مشكلات وتحديات أخرى تجعل من المشكلة أزمة كبيرة. وفي شأن آخر، فقد قامت الكاتبة الصحفية بتقسيم التحديات التي تعيشها الصحف المطبوعة والورقية في مصر، ويأتى على رأس تلك التقسيمات، الأزمة الاقتصادية الحالية وارتفاع أسعار الورق، التي تؤدي لزيادة في تكلفة الطباعة على مطابع المؤسسة التي تتولى الأمر، والمؤسسة الصحفية التي تصدر الإصدار الورقي سواء كان أسبوعيا، أو يوميا، خاصا، قوميا، حزبيا. وأضافت النقاش، أن انخفاض نسب توزيع الصحف الورقية الذي تشهده السوق منذ عامين ماضيين، هو تحدٍ ثانٍ يواجه المؤسسات الصحيفة التي تصدر مطبوعات ورقية، ما يضع مسؤولي هذه الصحف والمؤسسات بين خيارين؛ خفض النسخ المطبوعة أو تخفيض عدد العاملين بالمؤسسة. كما أشارت إلى أن هناك تحديا جديدا يواجه الصحف الورقية منذ زمن طويل، يظهر بشكل قوي في حال وجود مشكلة كبيرة، ويتمثل في عزوف الشباب والأجيال الجديدة على القراءة، ومتابعة ومطالعة الصحف الورقية بشكل يومي، ما يقلل من نسبة التوزيع، نظرا لاتجاه البعض لتصفح المواقع الإلكترونية، ومتابعة الأخبار المختصرة التي تتصدر مواقع التواصل الاجتماعي "فيس بوك"، و"تويتر"، دون الحاجة لشراء الصحف الورقية يوميا. ولأن مراحل الصحيفة المطبوعة مرتبطة ببعضها البعض، فإن انخفاض التوزيع أدى لتراجع مستوي الإعلانات المنشورة بالصحف الورقية، من حيث العدد وطبيعة المؤسسات والشركات المعلنة وتكلفة ومصاريف الإعلان، خاصة أن بند الإعلانات يصبح أحد المصادر الرئيسية لبنود الأرباح للمؤسسات الصحفية، وعامل مؤثر في عدد النسخة المباعة ومعدلات التوزيع بشكل عام، لتصبح انخفاض نسبة الإعلانات هو تحدٍ رابع أكدت عليه النقاش حول أزمة الصحف المطبوعة. *جهاز المحاسبات وأوضح تقريرا للجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، أن أغلب الصحف التي تصدرت عام 2015 كانت بين صحف خاصة وحزبية وقومية قدرت أعدادها بنحو 75 صحيفة، بنسبة توزيع 560.7 مليون نسخة ما بين اليومي والأسبوعي، وكشف التقرير أن عدد الصحف الحزبية والخاصة والقومية تراجعت عن عام 2014، بنحو 5 إصدارات ورقية، وكانت بمعدل 80 صحفية ورقية، ووصلت نسب توزيعها 655 مليون نسخة. وتصدرت الصحف الورقية الحزبية قائمة الصحف الغائبة عن السوق في عامي 2015 و2016، لتنخفض أعدادها من 8 صحف إلى 3 صحف في العامين الماضيين. ورغم قيام أغلب الصحف القومية والخاصة بإضافة بعض التغييرات في شكل الصفحات الأولى، واستقطاب كبار الكتاب والصحفيين لنشر مقالات رأي متنوعة بداخلها، إلا أن هذه المحاولات لم تنجح في إعادة معدلات توزيع الصحف المطبوعة إلى وضعها السابق قبل عام 2014. *المشهد المقبل للصحف المطبوعة وكان الأمين العام للمجلس الأعلى للصحافة، الراحل والكاتب الكبير الأستاذ صلاح عيسى، قد اعتبر أن الأزمة التي تعيشها الصحافة الورقية بمصر الآن، هي بالأساس ضعف في التوزيع، نتيجة ارتفاع سعر الدولار، الذي أدى لزيادة في تكلفة المواد الخام المستخدمة في عملية الطباعة، موضحا أن الأزمة الحالية ستنتهي باستقرار سعر الدولار مباشرة. وفي الوقت نفسه، وخلال أحد تصريحاته، رأى الاستاذ صلاح عيسى أن مستقبل الصحف الورقية خلال المرحلة المقبلة سيئ ولكنها ليست أزمة ممتدة لعقود، معتبرا أن للصحف الورقية قراء وروادا لايزالون يبحثون عنها، ويتمسكون بوجودها، كجزء أساسي من الحالة الثقافية العامة، والمتابعة اليومية للأحوال السياسية بمصر والعالم. وفي نفس السياق تابع بقوله: "الصحافة المطبوعة في أزمة صعبة مرتبطة بأوضاع اقتصادية وأحوال قطاعات أخرى، ولكنها الصحافة الورقية لن تموت"، مؤكدا أن الأزمة الحالية ينتج عنها إغلاق بعض الصحف الورقية، وتوقف بعض المؤسسات الصحفية عن الإصدار الورقي، وربما تصبح الصحف الحزبية هي في مقدمة هذه الصحف، فضلًا عن اختفاء بعض الإصدارات المطبوعة التي لا تجد تمويلا مناسبا لها، وعلى الجانب الآخر تصمد بعض المؤسسات الصحفية رغم اهتزاز مستوى توزيعها وانتشارها بين جمهورها، ولكن سرعان ما تعود من جديد، لتوافر مصادر التمويل الداعمة لها. يذكر أن الكاتبة فريدة النقاش كانت قد قالت: "إن المستقبل المقبل للصحافة الورقية ليس غامضا" واصفة الوضع ب الأقرب للكارثة، خاصة مع انخفاض عدد القراء والمقبلين على شراء الصحف المطبوعة، متفقة مع الراحل الكبير صلاح عيسى، بشأن تراجع مستوى الصحف الحزبية، والصحف ضعيف مصادر التمويل، لعدم قدرتها على المنافسة وتحقيق عائد مادي كبير للممولين ورجال الأعمال، وهذا يعد التصور الأسوأ لحال الصحافة المصرية المطبوعة الأيام المقبلة. *المواقع الإلكترونية ومواقع التواصل وعلى الرغم من تراجع الإقبال على الصحف الورقية، ومرورها بأزمة من حيث التوزيع وتغطية تكلفة الطباعة والإنتاج، لكن أبدى الأمين العام للمجلس الأعلى للصحافة، تفاؤله من حجز الصحف الورقية مكانة عظيمة بالمجتمع المصري، مضيفًا أن المواقع الإلكترونية ومواقع التواصل الاجتماعي لا تستطيع أن تحل مكانها، وأن هذه المخاوف ظهرت في بداية الستينيات عند ظهور التلفاز والراديو وتواجدهما بشكل أكبر، ولكن مع مرور الوقت ثبت أن المطبوعات والصحف الورقية باقية وتقاوم أي تغييرات وتكنولوجيا حديثة. *خطوات مقبلة وفي دعوة أعلنتها النقاش، قالت: "إن نقابة الصحفيين المصريين، والمجلس الأعلى للصحافة، والهيئات الإعلامية الجديدة، يجب أن تقوم بدورها لعقد مؤتمر صحفي، من أجل وضع تصور وحلول عقلانية لمواجهة المرحلة، بالإضافة لوجود مسؤولية تقع على الدولة، لمعاونة هذه المؤسسات الصحفية على المدي القريب، بتقديم يد العون من اجل إنقاذ هذه الصحف المطبوعة" مؤكدة أن الصحافة الورقية في مصر مستمرة ولن تموت.