شاركت يوم الخميس الماضي فى «الصالون الثقافى العربي» الذي أسسه فى القاهرة « د. قيس العزاوي» المثقف والمفكر والدبلوماسي العربي مع عدد من المفكرين والمثقفين المصريين والعرب، عندما كان قيس سفيرًا للعراق فى القاهرة، وممثله فى جامعة الدول العربية، ورغم أنه ترك القاهرة فهو حريص على دورية انعقاد «الصالون» ويحضر للقاهرة من مقر إقامته فى باريس للإعداد والمشاركة الفعالة فى «الصالون الثقافى العربي». كان موضوع اللقاء الذي أداره «قيس العزاوي» هو «تجديد الفكر العربي» والمتحدثون الرئيسيون» د. صلاح فضل « و» د. مصطفى الفقي» و» محمد الخولي». ولفت نظري فى حديثهم جميعا قيامهم بنقد «ذاتي» إذا جاز التعبير للفكر العربي وحركة القومية العربية، خاصة « د. صلاح فضل»، وهو موقف صحيح وجديد. فيستحيل تجديد الفكر دون نقد المرحلة الماضية، وتحديد الواقع ونقده، تطلعاً إلى مستقبل جديد يتلافى أخطاء الماضي والحاضر. ومن وجهة نظري، فهناك ثلاثة أخطاء أو مشاكل وقعت فيها الحركة القومية العربية. فقد وضعت الحركة القومية العربية قفزا على الواقع أهدافا لها تأسيس دولة واحدة تضم كل البلاد العربية من المحيط إلى الخليج، متجاهلة التنوع العرقي وتعدد النظم السياسية واختلاف الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية وتعدد اللهجات، ورفضها للقوى وللأفكار التي كانت تطالب بأن تكون الوحدة السياسية وإقامة دولة الوحدة محصلة ونتيجة لخطوات عديدة متدرجة تشمل النجاح فى إقامة سوق عربية مشتركة، وتغيير مناهج التعليم وتماثلها، وتحقيق تحول ديمقراطي طبقا للمعايير العالمية التي تؤكد على الحريات العامة ومبادئ حقوق الإنسان والتداول السلمي للسلطة…الخ. ووقعت الحركة القومية العربية فى خطيئة نفى ورفض أي فكر أو أيديولوجية إلا الفكر القومي العربي، بل وأسست جزءا مهما من فكرها وحركتها على عداء الشيوعية والشيوعيين، واستخدمت للأسف نفس المنطق الذي استخدمته الإمبريالية والاستعمار، من الاتهام بالعمالة للاتحاد السوفيتي الدولة الاشتراكية الأولى فى العالم، والكفر والالحاد، بل ولجأت إلى الزج بالشيوعيين فى السجون والمعتقلات وتعذيبهم واغتيالهم، كما حدث فى السودان وإعدام عبد الخالق محجوب، زعيم الحزب الشيوعي السوداني، وعديد من الرفاق الحزبيين، وأيضا فى العراق أيام عبدالسلام عارف، واغتيال شهدي عطية ومحمد عثمان ومُريد حداد فى سجون عبدالناصر فى مصر. وتسجيل هذه الحقيقة لا ينفى أن الشيوعيين بدورهم قد ارتكبوا أخطاء عديدة، فكل القوى والتيارات مطالبة بنقد ذاتي، أمين وشجاع يخدم الحاضر والمستقبل. وسقطت الحركة القومية العربية فى التحالف والعمل مع تيارات الإسلام السياسي التي تنكر الوطن ولا تعترف به، وترفض بحسم الدولة المدنية الديمقراطية الحديثة، التي تتطلع إليها كل الأفكارو الحركات ذات الطابع المدني، والتي تفصل بوضوح بين الدين والدولة. وفى الفترة الأخيرة تحالف «المؤتمر القومي العربي»، مع ما يسمى المؤتمر الإسلامي، وهو ما أثر بالسلب على « المؤتمر القومي العربي « ودفع عددا من أعضائه اليساريين خاصة للانسحاب منه. ومن المهم فى المرحلة الحالية تجاوزهذه المشاكل، وقيام المثقفين العرب بعملية نقد ذاتي أمين وشجاع يكون أساسا لتجديد الفكر العربي، وتحديد الأولويات على ضوء الواقع والاحتياجات الملحة، دون محاولة القفز على الواقع تطلعا لتحقيق أحلام بعيدة يستحيل تجسيدها فى الوقت الحاضر.