اغلق باب الترشح للانتخابات الرئاسية دون مرشحين سوى الرئيس السيسي بعد استهداف غالبية الراغبين فى الترشح وانسحاب الآخرين لتخلو الساحة تماما لفوز السيسي فى انتخابات شكلية لا تليق بمصر التى عرفت الحياة السياسية منذ القرن الثامن عشر و لا ترضى طموحات المصريين بعد ثورتين. تدخلت أجهزة الدولة العميقة بعد عودتها لتضع المصريين أمام خيار واحد وحيد لا فرار منه باستهداف الراغبين فى المشاركة و الترشح واحدا تلو الآخر سواء بالحبس أو الاحتجاز أو التهديد بفتح الملفات. آخر طبعات الوجه القبيح وقعت "السبت" الماضى فى غمرة البحث عن "دوبلير" بالدفع بمسجل خطر للاعتداء على المستشار هشام جنينة عقابا له لتأييد الفريق سامى عنان الذى يخضع حاليًا لتحقيقات بالنيابة العسكرية قابعا بالسجن الحربى بعد إعلانه عن اعتزامه خوض الانتخابات. الرغبة الجامحة فى إثبات الولاء و تأكيد الانتماء و تنفيذ التعليمات أوقعت الأجهزة الأمنية فى مأزق ينزع عن الانتخابات المصداقية بما يجعلها أشبه بالاستفتاءات، قد تضع شرعية الحكم فى مهب الريح حتى لو حصل المرشح الوحيد على 5% من أصوات الناخبين المسجلين ( 3مليون) من إجمالى حوالى 60 مليون ناخب مسجلين بقاعدة البيانات بحسب قانون الانتخابات. لا يكفى للرئيس السيسي بما حققة فى السنوات الأربع الماضية الحصول على الحد الأدنى للأصوات (3 مليون صوت) للاستمرار فى سدة الحكم. ثم ماذا لو جاء عدد من أبطلوا أصواتهم أمام صناديق الاقتراع أكثر من 3 ملايين صوت ؟! فى هذه الحالة تصبح شرعية الحكم هى و العدم سواء حتى لو حصل المرشح الوحيد على الحد الأدنى للاصوات طبقا للقانون. فى وقت متأخر أدركت "الأجهزة" أبعاد الأزمة التى نسجتها باحتراف لا يضاهي مواجهة الإرهاب الذى ينخر فى عظام الوطن، أصبح واضحًا بئس ما أوقعت فيه الرئيس و هول ما جرت إليه وطن يسعى حثيثا نحو ديمقراطية وليدة سقط من أجلها مئات الشهداء. فقد لجأت "الأجهزة" بمساعدة الأذرع الإعلامية البحث عن "كومبارس" لخوض الانتخابات أمام الرئيس قبل 48 ساعة من إغلاق باب الترشح لتذهب المحاولات أدراج الريح بعدما انكشفت الأهداف و انفضحت النوايا. إدارة وطن ذو تاريخ سياسي حافل لا يتطلب كل هذا العنف و الانتقام، ولا يضير أحد فتح المجال السياسي للمنافسة، خاصة وقد سبق وحصل الرئيس السيسي على أكثر من 23 مليون صوت فى الانتخابات الماضية إلا إذا كانت تقديرات "الأجهزة" لأداء الرئيس فى السنوات الأخيرة لا تمنحه أولوية فى انتخابات تنافسية حقيقية ومتكافئة. لقد اتخذ الرئيس قرارات صعبة ومصيرية قد تؤدى لتآكل جزء من شعبيته الجارفة إلا انه ما زال فى رأى كثيرين منقذ الدولة المصرية. وعندما اتخذ هذه القرارات كان يعلم علم اليقين تأثيرها على "الشعبية" التى لم يسع اليها على حساب مصالح الوطن، و لم يطمع فى موقع أو منصب خلافا لما يريده الشعب حسبما أكد الرئيس نفسه فى أكثر من مناسبة. إذا كانت رؤية وتقديرات "الأجهزة" صحيحة فإن خسارة انتخابات أقل فداحة من خسارة وطن. الوطن باق والأفراد زائلون.