منذ عام أو أكثر رفعت أمريكا بعض العقوبات الإقتصادية عن إيران و رفعت الحظر عن مئات مليارات الدولار المجمدة داخل البنوك الأمريكية ووافقت على برنامجها النووي، وقامت باستخدام إيران"كفزاعة" لبعض دول الخليج، ونجحت فى هذا الابتزاز، وعقدت صفقات سلاح مع بعض دول الخليج بمئات مليارات الدولار، ومع هذا لم يتوقف التحرش الأمريكي بإيران بواسطة ترامب الذي أخذ يهدد تارة بإلغاء إتفاقية البرنامج النووي وتارة أخري بفرض عقوبات جديدة، وعندما اندلعت المظاهرات الإيرانية التي وجدت فيها أمريكا ضالتها المنشودة لتعبث فى الداخل الإيراني، وتحاول تأجيج المظاهرات واستمرارها وتقليب الرأي العام العالمي ضد النظام الإيراني بدعوي حقوق الإنسان، ويتضح هذا من جلسات مجلس الأمن، التي لم تتجاوب مع المحاولة الأمريكية فأخذت تعزف منفردة هذه المرة أيضا بعيدا عن باقي الدول الأعضاء، ولكن المحاولة لم تحقق الثمار التي كانت تنتظرها أمريكا، فجاءت كلمات كل من مندوب روسيا والصين وفرنسا محبطة لآمال "ترامب" حيث لم تنطل عليهم حيلة "حقوق الإنسان"التي استهلكتها الإدارات الأمريكية كلها، وكان السؤال المربك لأمريكا ماذا عن حقوق الإنسان الفسطيني؟! يؤكد السفير جمال بيومي مساعد وزير الخارجية الأسبق أن الاتفاق السابق برفع العقوبات عن إيران واعطائها مهلة لم تتم الموافقة عليه بالإجماع من القيادة الأمريكية وبالتالي فى أول فرصة جاء لهم رئيس على غير ذي خبرة انقلب على كل هذه الاتفاقيات،ولقد بلغ به الأمر إنه يريد أن يخرج من اتفاقيات موقعة مع دول صديقة له فهو يريد الخروج من الاتفاق الكندي المكسيكي وغيرها من الاتفاقيات مع اوروبا، ويريد أن يحملهم تكاليف حلف الاطلنطي، وهذا شغل ما يسمي "بالهواة" رئيس من فئة الهواة" وقال السفير إن ريجان كان ممثلا وليس قائدا سياسيا وكان لدي ترامب فرصة أن يتعلم أكثر من ريجان، ولكن الفكرة إنه لا يستمع لمن حوله، لا يوجد فى العالم دولة بحجم أمريكا يحكمها رجل بمفرده، فلابد ان يستمع لمن حوله. وهذا سوء تصرف، دولة متزنة مثل المانيا بذلت جهدا كبيرا جدا فى الوصول لمثل هذا الاتفاق، ثم يأتي ترامب ويفسخ هذا الاتفاق بمنتهي الرعونة "شيء متوقع من رجل لا يتوقع منه شيء" مبيعات السلاح وأكد بيومي ان قرارات "ترامب" تتخذ بشكل ارتجالي، و تلقي معارضة من المؤسسات الأمريكية، فمثلا كان من الواضح جدا رفض البنتاجون والخارجية الأمريكية لقرار نقل السفارة إلى القدس، لأن القرار يضر بعلاقة أمريكا بالمنطقة ولإنه يؤثر على مبيعات السلاح الأمريكية فى المنطقة ويؤثر فى العلاقات الطيبة بين أمريكا والدول العربية. قد يكون هناك توزيع أدوار بين ادارة ترامب ومؤسساته فى بعض الأمور ولكن ليس فى خلاف سياسي كبير بين الكونجرس والرئيس والخارجية ووزارة الدفاع. وأضاف بيومي إن ترامب لا يهتم بردود الأفعال تجاه تدخلاته فى إيران، ولكن ما يهمه فى المقام الأول هو الترويج لبيع السلاح الامريكي، فكلما كان هناك شغب أكثر باع سلاح أكثر. وحول موقف ترامب المتناقض حيال حقوق الإنسان فى إيران وحقوق الفلسطينيين فى القدس، وتجاهله التام للانتهاكات الإسرئيلية، أكد بيومي إن القيادة المصرية حققت انتصارا كبيرا جدا على مستوي الأممالمتحدة، رغم إن ترامب افشل قرار مجلس الأمن لكننا نجحنا فى قرار لا يقل عنه أهمية فى الجمعية العامة،علي الجانب الآخر اسرائيل لم تلتزم بأي قرار من قرارات الأممالمتحدة منذ نشأتها، ولكن كان لابد أن نسجل وضعا قانونيا سليما، بحيث إذا اردنا التصعيد نصعد على أساس قانوني يلقي مساندة من كل بلدان العالم.ولقد نحج العرب فى ان يقتنصوا قرارا فيه إجماع فى مجلس الأمن وفيه أغلبية ساحقة فى الجمعية العامة. توظيف الإحتجاجات وفى نفس السياق قال السفير حسين هريدي، مساعد وزير الخارجية الأسبق للشئون الأسيوية أن أمريكا عندما قامت برفع العقوبات عن إيران مع مجموعة من الدول فى اطار الاتفاق النووي فى يوليو 2016،عارض ترامب هذا الاتفاق بدعوي إنه اسوأ اتفاق عقدته أمريكا، وفى أكتوبر رفض ان يقول أن ايران ملتزمة ببرنامجها النووي، وحاليا الاولوية الاستراتيجية لديه هي مواجهة إيران وكل من يقف معها ومن يدعمها و لهذا يحاول توظيف هذه الاحتجاجات لصالح هدفه الاستراتيجي فى المنطقة فى اطار الضغط على إيران ومحاصرتها وتعظيم الضغوط عليها ووضعها فى موقف دفاعي وفق السيناريو الموضوع من قبل أمريكا. أمريكا تعلم جيدا إنها لم تذهب لمجلس الامن لاستصدار قرار بيان ولكنها تعمل فى اطار إستراتيجيتها وخدمة مصالحها، وقد تختلف فرنسا والصين فى رؤيتها عن أمريكا لأن الدول دائمة العضوية تعلم جيدا إن مجلس الأمن ينظر فى القضايا التي تهدد السلم والأمن الدوليين وما يحدث فى إيران لا يهدد الأمن والسلم الدوليين وإن كانت المندوبة الأمريكية قالت "إن ما يحدث فى إيران هو عدم احترام لحقوق الإنسان ويعد تهديدا للأمن والسلم الدوليين" لكن هذا كلام لم يقتنع به أحد. التوقيتات المناسبة وفى نفس السياق أضاف السفير فتحي أبو الخير، مساعد وزير الخارجية، قائلا إن أمريكا تلعب فى المنطقة لصالحها وصالح إسرائيل، فى وقت كانت تؤيد النظام الايراني ووقعت على الاتفاق النووي وكانت راضية عن الدور الإيراني خاصة مع السعودية، لأن الهدف الامريكي يتلخص فى إضعاف كل هذه الدول. ومع ذلك فإن امريكا لم تكن تحابي إيران أو نظام "الملالي" بدون هدف وانما لكي تتمكن من تنفيذ مشروع الشرق الأوسط الذي تحدثت عنه من قبل "كوندا ليزا رايس" وبيل كلينتون" فهي تسعي لتنفيذه، وهي تتحين الفرصة والتوقيت المناسب لكي تضرب كل دولة على حدة أو تضرب الدول بعضها ببعض، الولاياتالمتحدة انقلبت ضد النظام الإيراني حاليا ووجهت له انتقادات شديدة لانه حان الدور على ايران لمحاولة التخريب فيها. واستطرد أبو الخير قائلا هناك استراتيجية أمريكية ثابتة لا تتغير بتغير الإدارة ولكن الذي يتغير هو التكتيكات او السياسات بتغير الوقت والظروف والمعطيات، وفق التداعيات التي تحدث فى المنطقة المعنية، والتي تشكل لها كيفية التعامل معها أو تحدد لها السياسة التي ترسمها أو تنفذها بحيث تؤدي إلى تحقيق الاستراتيجية الأمريكية بالنسبة للمنطقة. وقال: نحن دائما عند تحليلنا للموقف نعي تماما أن هناك إستراتيجية، وأن هذه الاستراتيجية لا تتغير، فعلي سبيل المثال قرار الكونجرس بنقل السفارة إلى القدس واعلان القدس عاصمة لإسرائيل قرار قديم ولكن لم يكن هناك رئيس أمريكي يستطيع أن ينفذ هذا القرار ولكن جاء التوقيت المناسب للتنفيذ فى عهد ترامب، فهنا الاستراتيجية قائمة بإن القدس عاصمة لإسرائيل ولكن السياسات ظلت تتغير إلى أن استقروا على ان الاستراتيجية لابد أن تنفذ الآن. وأضاف أبو الخير قائلا: بالنسبة لخططهم حيال المنطقة لم يتبق لديهم سوي مصر وايران ولذلك يتردد ان أمريكا أنهت مهمة "داعش" فى العراق وفى سوريا وقامت بنقلهم لمكان غير معلوم يعتقد إنه ليبيا وسيناء من أجل توجيههم إلى مصر، وسوف تنشيء تنظيما آخر يتعامل مع إيران. ولهذا لابد من العمل على أن نضع تخطيطا لسياسة معينة لا تتأثر بالمناورات الأمريكية.. لأننا نعرف أن أمريكا تتصرف على هذا النحو لصالح إسرائيل أولا ولجعل الشرق الأوسط منطقة ضعيفة سياسيا وعسكريا واقتصاديا..الخ ولذلك لابد أن نقف موقفا حازما وموقفا صلبا تجاه هذه المناورات كلها،لأنه سواء أرضينا أمريكا أم لا النتيجة التي يريدون تحقيقها واحدة وبالتالي لابد أن نتصدي لكل هذه التدخلات ونرفضها.