وينتقل أحمد لطفي السيد اكثر من مرة بين رئاسة جامعة القاهرة ورئاسة دار الكتب، لكننا نتوقف أمام موقف مثير للدهشة ففي ابريل 1925 تلقي رئيس الجامعة المصرية (أحمد لطفي السيد) دعوة لحضور حفل تقيمه الجامعة العبرية لتكريم بلفور صاحب وعد بلفور الشهير.. ويلبي احمد لطفي الدعوة متجاهلا الغضب العربي والغضب المصري.. وتنشر جريدة الحساب في عددها الصادر في 18- 5- 1925 مقالاً بعنوان "بلفور يزور ضحيته وفلسطين تقابله بالاضراب العام" وتصف فيه بلفور "بأن صاحب التصريح المشهور الذي اصدره باسم الحكومة البريطانية والذي بموجبه اعطت فلسطين لليهود" وتقول "وعندما زار بلفور فلسطين في أول إبريل 1925 قابله السكان في كل مكان حل فيه بجميع الوسائل التي تعبر عن سخطهم وغضبهم من زيارته التي تشبه زيارة القاتل لآل القتيل، والمعتدي للضحية. واننا نحيي هذه النهضة البديعة في فلسطين ونأمل أن يواصل الفلسطينيون الكرام امجادهم وجهادهم في سبيل استقلال بلادهم". وتأتي زيارة لطفي السيد للجامعة العبرية في احتفالها بصاحب وعد بلفور لتصب مزيدًا من الغضب المصري والعربي علي مواقف احمد لطفي السيد. ولكن يحسب لطفي السيد، أنه اسهم اسهاما جادا في تحويل الجامعة الاهلية إلي الجامعة المصرية التي تمولها وتقيمها الحكومة وفي عقد التأسيس نص علي أن "تكون الجامعة المصرية معهدا عاما محتفظة بشخصيتها المعنوية وتدير شئونها بنفسها بكيفية مستقلة تحت اشراف وزارة المعارف العمومية كما هي الحال في جامعات اوربا (صفحة 414). ويحسب له انه فتح ابواب الجامعة ودون ضجيج امام الفتيات، وكما يقول هو "وفي غفلة من الذين قد ينكرون علينا ذلك ووضعنا الناس والحكومة معا أمام الأمر الواقع (ص117) ثم اصبح وزيرا للمعارف موحيا للقارئ أنه قبلها مرغمًا بضغط من محمد محمود. ويعود ليؤكد قيمة وزارة المعارف فيقول "ولا جدال في أن العلم ضرورة لتقدمنا، بل هو ضروري لحياتنا الحاضرة، وهو السلاح الوحيد في معترك الحياة والاكتشافات والاختراعات وقوام المدنية الحديثة".. وعاد للجامعة بعد استقالة الوزارة مؤكدا استقلال الجامعة "لأن اساس التعليم الجامعي حرية التفكير والنقد علي وجه الاستقلال، فالتربية الجامعية قوامها حرية العمل والبعد عن التأثيرات الحكومية وتأثيرات البيئات العامية والسياسية" (ص121) لكنه استقال في 1932 احتجاجًا علي نقل طه حسين من عمادته لأحد الكليات إلي ديوان الوزارة. ولم يعد إلي رئاسة الجامعة إلا في 1937 وبعد إقرار قانون يمنع نقل اساتذة الجامعة منها إلا بموافقة مجلس ادارتها، ثم عين عضوا بمجلس الشيوخ في 1941. ثم تولي بعد ذلك رياسة "مجمع اللغة العربية" ويقول "ومكثت فيه مع رجال احبهم وهم رجال اللغة والعلم والادب" (ص122). ثم يترك لطفي كل هذا الحديث ليقفز في الفصل الخامس عشر إلي عنوان "الاخلاق وكيف ينبغي أن تكون لتحقيق سلام عالمي وهي محاضرة القاها في قاعة يورت بالجامعة الامريكية (الجمعة 29 يناير 1943). وفيها يتحدث عن ضرورة اقناع الافراد باحترام حقوق الاخرين.. اما الحكومات فلم يزل بعضها يضمر أن ينتزع بالقوة من امة اخري مالها من مرافق من غير وازع ولا حياء" (ص126) وبعد أن تحدث عن دروس الماضي وضعف عصبة الأمم.. يقول "وهنا يتساءل انصار السلام هل انشاء هيئة أمم جديدة يوصل إلي هذه الغاية كما قال مستر ايدن "ان غايتنا هي انشاء نظام عالمي جديد يحقق التقدم السلمي لجميع الشعوب" ثم يقول ولا يمكن تحقيق ذلك إلا بإنهاء الاستعمار الذي ولده استعلاء قوم علي قوم. وأن يتعلم الناس حب السلام وليس حب الحرب واحترام الجميع لجميع الاجناس، وسعي الجميع في اسعاد من قضت ظروفهم الشقية بأن يكونوا في سلم المدينة متأخرا عن سواه" .. وهكذا أراد لطفي السيد أن يختم مذكراته.