لا تسير الأمور فى ليبيا على ما يرم. ولا يبدو أنها ستشهد انفراجة قريبة رغم الجهود الأممية والإقليمية والمصرية، إلا إذا حدثت متغيرات جذرية على الصعيد الدولي تخص مكافحة الإرهاب. نقطة الضوء الوحيدة حتى الآن تتعلق بجدية الرئيس الأمريكي الجديد دونالد ترامب فى مكافحة الإرهاب. وإمكانية أن يؤدي ذلك إلى تعزيز الموقف المصري فى حل القضية الليبية. أما إذا ظلت السياسة الدولية تجاه ليبيا كما كانت عليه خلال السنوات الأخيرة، فإن المحصلة الوحيدة ستكون مزيدا من الفوضى والاحتراب ومعاناة الليبيين. ما زال حظر التسليح مفروضا على الجيش الليبي دون أي مبرر أو منطق. والمستفيد الوحيد من هذا الأمر هي جماعات المتطرفين المدججين بأحدث أنواع الأسلحة فى مناطق غرب البلاد. أي ميليشيات طرابلس ومصراتة بالتحديد. وتنادي مصر منذ سنوات، وما زالت تنادي، بضرورة رفع الحظر عن تسليح الجيش الوطني. وجاء ذلك على لسان الرئيس عبدالفتاح السيسي وعلى لسان وزير الخارجية سامح شكري فى عدة محافل دولية وإقليمية. وفى المقابل أبدت دول غربية من بينها بريطانيا وإدارة الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما، رفضا لأي إجراءات يمكن أن تسهم فى تعزيز قدرة الجيش الوطني الليبي الذي يقوده المشير خليفة حفتر. واستمر هذا الوضع إلى أن دخلت روسيا على الخط قبل عدة أسابيع. ويبدو أن وصول الروس إلى الشواطئ الليبية الشرقية، واللقاء مع المشير حفتر، أثار حفيظة الغرب. حيث أعلن حلف الناتو – السبب الرئيسي فى خراب ليبيا منذ 2011- غضبه من قدوم الروس إلى هذه المسافة داخل البحر المتوسط. إلا أن حلف الناتو نفسه ربما لن يستمر فى تماسكه الذي كان عليه طيلة العقود الماضية. وذلك، ببساطة، لأن الرئيس ترامب يريد أن يغير العديد من المعادلات الدولية التي أثبتت عدم جدواها فى حماية أمن الولاياتالمتحدة والعالم خاصة من خطر الإرهاب. ولهذا يمكن القول إن وجهة نظر القاهرة قد تتوافق إلى حد كبير مع وجهة نظر السيد الجديد فى البيت الأبيض فيما يتعلق بمكافحة الإرهاب، خاصة فى ليبيا؛ الدولة الجارة لمصر والدولة المطلة على بحيرة المتوسط الحيوية. وتعد حركة التطرف والإرهاب فى ليبيا جزءا أصيلا من الحركة الإرهابية الدولية وفى القلب منها جماعة الإخوان المسلمين وتنظيم القاعدة وتنظيم داعش. ووجدت هذه التنظيمات فى ليبيا أرضا خصبة للنمو. فهي دولة نفطية ذات موقع مهم للهجرة غير الشرعية وتجارة المخدرات والأسلحة والمرتزقة. ومنذ عام 2011 تمكنت التنظيمات المتطرفة من وضع يدها على مطارات مدنية منها مطار "مصراتة" ومطار "إمعيتيقة" ومطار "تمنهنت" وعلى قواعد عسكرية فى "مصراتة" وفى "الجفرة" وفى "سبها". كما وضعت يدها على العديد من المؤسسات فى طرابلس وعلى مرافق حيوية فى العاصمة وما حولها. وتتخذ هذه الميليشيات المتطرفة من كثير من السياسيين فى غرب البلاد، ستارا لجلب الأسلحة والمقاتلين الأجانب وصرف الأموال لها من المصرف المركزي. والمثير فى الأمر أن بعض هؤلاء السياسيين يحظى برعاية الأممالمتحدة وبعض الدول الغربية، ويحظى أيضا بتدليل ومحاباة من دول مجاورة لليبيا. وهذا يعد مكمن الخطر. ويوافق هؤلاء فى العلن ومن وراء موائد الحوار المستديرة على الأطروحات التي تقدم من دول، مثل مصر، لحل المشكلة الليبية، لكنهم يعملون فى الخفاء على زيادة قوة الميليشيات استعدادا للحرب ضد الجيش الوطني الذي يقوده حفتر. غالبية هذه القيادات الليبية دخلت منذ وقت مبكر فى علاقة منفعة مع الميليشيات. هي تقدم لها الغطاء السياسي والميليشيات، بدورها، تقدم لهم الدعم العسكري على الأرض. وبعد فوز ترامب بدأت هذه الأطراف تشعر بالقلق. ليست هي وحدها، ولكن القلق من "طبخة رعاية المتطرفين"، التي تشارك فيها شخصيات محسوبة على الأممالمتحدة وأخرى على بعض دول الجوار. بدأت "الطبخة" تفسد بسبب ما هو متوقع من تغير دولي تجاه قضية الإرهاب كما ورد فى خطاب تنصيب ترامب. ولهذا بدأ الخائفون من خسارة كل شيء فى ليبيا، والمقصود بهم السياسيون المعتمدون على الميليشيات المتطرفة ومن يؤازرهم دوليا وإقليميا، فى التوجه إلى القاهرة. ولا يبدو أن هؤلاء يسعون فى الحقيقة لحل مصري، ولكن يريدون إفشال المحاولات التي تقوم بها القاهرة لإنهاء الأزمة الليبية. وفى اجتماع دول الجوار الذي عقد فى مصر قبل عدة أيام، ظهرت إحدى دول الجوار الليبي، المنحازة للتيار المتطرف، بمقترح يتحدث عن ضم العديد من الميليشيات إلى الجيش. وهذا يعد فى حد ذاته مكمن الخطر، لأن هذه الميلشيات يديرها قادة من الإخوان ومن القاعدة ومن داعش نفسه. وبينما تستمر مصر فى محاولاتها لإقناع الأطراف المختلفة بالالتفاف حول جيش موحد، بدون متطرفين وبدون مدنيين (يطلق عليهم ثوار) ولا علاقة لهم بالقوة النظامية، توجد على الجانب الآخر قوى إقليمية ترسل آلاف الأطنان من الأسلحة الحديثة إلى الميلشيات المتطرفة وترسل مقاتلين أجانب استعدادا لمواجهة قوات الجيش مستقبلا. هذا فى حد ذاته يعد عملا تخريبيا لكل الجهود الرامية لفرض الاستقرار والأمن فى هذه الدولة النفطية التي يعاني شعبها من التشرد والفاقة منذ سنوات. ولن يكون فى الإمكان وقف هذا التوجه التخريبي إلا بتحرك سريع من الدول المعنية فى الحقيقة بمكافحة الإرهاب، وعلى رأس هذه الدول مصر وروسيا وأخيرا الولاياتالمتحدة تحت رئاسة ترامب. عبد الستار حتيتة