رصدت وحدة تابعة لخفر السواحل مركبا يتحرك داخل المياه الإقليمية المصرية فى البحر المتوسط فى اتجاه الجانب الآخر. على مسافة، بدا شكل المركب غريبا: فلا هو سفينة صيد، و لا هو سفينة بضائع، ولا هو سفينة ركاب! للوهلة الأولى، افترض خفر السواحل أن الجسم العائم هو أحد مراكب الموت التى صارت ظاهرة متكررة فى السنوات الأخيرة. و بتدقيق الملاحظة، اتضح لهم جسم هائم و لم يظهر أى أثر للبشر على ظهره. تصورت وحدة خفر السواحل أن المركب ربما يحمل شحنة مخدرات أو أسلحة أو يعمل فى تهريب معاش المصريين: سولار.. بنزين.. أرز.. سكر…إلخ. هذا بالتأكيد تهديد لأمن و سلامة البلاد. على الفور، تم إعلان حالة الاستنفار القصوى و استدعيت الزوارق السريعة المسلحة لمطاردة الهدف و التعامل معه. عندما اقتربت الزوارق السريعة من المركب الهائم، بدت على ظهره كُتَلٌ تشبه الصناديق الكبيرة. أطلقت الزوارق طلقات تحذيرية، و طلبت من الجسم الهائم التوقف إعمالا لحق الزيارة والتفتيش فى المياه الإقليمية طبقا للقانون الدولى البحرى. على ظهر المركب الهائم، بدأ أشخاص يخرجون من صناديق كرتونية و يقفون صفا واحدا. س: من أنتم؟ ج: نحن عائلة واحدة. أنا مائتان.. و أنا مائة.. و أنا خمسون.. و أنا عشرون.. و أنا عشرة.. و أنا خمسة.. و أنا واحد، لكن اسم الشهرة اللحلوح أو المسخوط. تبادل رجال البحرية المصرية النظر، و انعقدت ألسنتهم من هول المفاجأة: عائلة الجنيه المصرى قررت النزوح الجماعى من المحروسة بعد ما حدث لها فى الشهور الأخيرة. و ها هم كل أعضائها من أكبرهم إلى أصغرهم ضُبِطوا متلبسين. كانوا هائمين على وجوههم فى عرض البحر، فى محاولة للهجرة غير الشرعية! اقتادت القوة البحرية عائلة الهجرة غير الشرعية إلى ميناء الإسكندرية، و تم تحرير محضر بالواقعة و تسليم المتهمين إلى السلطات المختصة. و أمام وكيل النائب العام الذى تولى التحقيق، اعترف المتهمون بمحاولة القيام بهجرة غير شرعية. رفضوا قيام محام بالدفاع عنهم، و أصروا على الدفاع عن أنفسهم بأنفسهم. وكيل النيابة- س: طبقا لمعلوماتنا، هناك فرد منكم غائب هو المعدنى، فهل هو هارب؟ العائلة-ج: لا. هو ليس هاربا، إنما هو ضحية الاختفاء القسرى. وكيل النيابة-س: لماذا؟ هل شارك فى مظاهرة دون ترخيص أو أبدى رأيا معارضا للسلطات فى الشأن العام؟ العائلة-ج: لا. يقال إنه راح ضحية "قانون جريشام". وكيل النيابة- أنا رجل قانون، و لا يوجد لدينا قانون بهذا الاسم. و أصدر أمرا ب"ضبط و إحضار" المتهم المعدنى الهارب! جاء فى حيثيات دفاع عائلة الهجرة غير الشرعية عن نفسها أنها تعرضت لإهانة كبيرة و صدمة عنيفة من رب الأسرة. قالوا: رب الأسرة بالنسبة لنا هو البنك المركزى المصرى. و هو الذى كتب لنا جميعا شهادات ميلادنا. و هو المسئول عنا طبقا لقانون البنك المركزى و الجهاز المصرفى و النقد رقم 88 لسنة 2003. فطبقا للمادة 5 من هذا القانون "يعمل البنك المركزى على تحقيق الاستقرار فى الأسعار…". و طبقا للمادة 6 يقوم البنك "بإصدار أوراق النقد و تحديد فئاتها و مواصفاتها… و إدارة السيولة النقدية فى الاقتصاد.. و التأثير فى الإئتمان المصرفى بما يكفل مقابلة الحاجات الحقيقية لمختلف نواحى النشاط الاقتصادى". و قد فرط المركزى فى القيام بوظيفته و إنحاز للدولار الأمريكى على حسابنا، ففقدنا قيمتنا. و بقرار التعويم المشئوم، هوى سعرنا أمام الدولار إلى حوالى النصف دفعة واحدة. أبونا تخلى عنا، و من حقنا أن نهاجر حتى و لو هجرة غير شرعية. عندئذ أصدر قاضى التحقيق أمرا بإخلاء سبيل الأسرة بضمان محل الإقامة، و بضبط و إحضار رب الأسرة. و فى انتظار مثوله أمام النيابة لإجراء التحقيق.