يبدو أن استباحة الدين الإسلامي عند العلمانيين عبرت مرحلة الخداع والمداراة إلي مرحلة المجاهرة والفجور. فما عادت الألفاظ المستترة هي المعجم الذي يستخدمه العلمانيون الناطقون بالضاد. بل تعدي إلي الطعن في الثوابت والتشكيك في العقيدة والتطاول علي القرآن والسخرية من آياته وأحكامه. والاستخفاف بمقام النبوة. والتهكم علي الفتوحات الإسلامية واعتبارها احتلالا بالقوة. وأن دخول الإسلام مصر غزو استعماري الهدف منه نهب ثرواتها لحساب الخلافة الإسلامية. ولقد قيل هذا قديماً وما زلنا نسمع صداه وغلوه حتي الآن» ففي المؤتمر الذي عقدته وزارة الثقافة المصرية بمقر المجلس الأعلي للثقافة في 1/7/2003م تحت عنوان "نحو خطاب ثقافي عربي جديد" كان المدعوون مائة وسبعين علمانياً مصرياً وعربياً وكان "أدونيس" علي رأسهم. تباروا في المؤتمر بالحديث عن الخطاب الجديد الذي يفترض أن تعتمده الأمة العربية لتحدي الحاضر ودخول آفاق المستقبل بوضع الشريعة الإسلامية في متحف التاريخ وتحنط وتحفظ بالتوابيت ويكتب عليها "نأسف لقد نفد رصيدكم" وعلق الدكتور عبد العظيم المطعني علي هذا المؤتمر بقوله: "كان هذا المؤتمر حرباً ضروساً علي الإسلام تمهيداً لترحيله من مصر معقل الإسلام منذ أكثر من ألف عام. ثم قال: ومن بعض توصيات المؤتمر ما يلي: أن القرآن الكريم لم يعد يصلح لإدارة شئون الحياة لأنه مُنتهِ ووقائع الحياة غير مُنتهية فكيف يصلح المنتهي لحكم غير المنتهي. الأحاديث النبوية مكذوبة إلا القليل منها. لا يجوز الاقتداء بالصحابة أو العمل بأقوالهم لأنهم هم الذين زوروا الأحاديث النبوية. إلغاء التعليم الديني الإسلامي لأنه يولد الإرهاب. إلغاء المادة التي تجعل الإسلام هو الدين الرسمي لمصر. إلغاء الفقه الإسلامي لأنه فقه ظلامي لا يصلح للعصر الحديث. التضييق علي المؤسسات الدينية كالأزهر الشريف والمجلس الأعلي للشئون الإسلامية والجمعيات الخيرية" وما سمعناه ورأيناه في معرض الكتاب هذا العام لا يفرق عما قيل في مؤتمر "نحو خطاب ثقافي عربي جديد" سنة 2003م. والغلو في الخطاب الديني واضح جلي في إتباع العلمانية وأشياعها. فمثلاً: سيد القمني "الحاصل علي جائزة الدولة التقديرية" لماذا؟ لأنه يتطاول علي القرآن ويطعن في سيد الأنام!! قال من فوق منصة حزب المصريين الأحرار وفي الفضائيات: "إن القرآن الكريم لا يصلح كله لكل زمان ومكان" وقال عن سيد الأنام أنه يحرض علي الاستيلاء علي كنوز وحضارة الدول المجاورة: "من هنا نفهم لماذا لم يتمن نبي الإسلام أن يصنع شعبه حضارة وكنوزاً لأنه يعلم أن شعبه قبائل غير منتجة وأن الإنتاج خاصية لجغرافيا أخري مستقرة. لكنه تمني لهم الاستيلاء علي ما حوله من حضارات فقال: "والذي نفسي بيده لتملكن كنوز كسري وقيصر" واتهم أمير المؤمنين عثمان بالسرقة من بيت المال فقال: "وقد وقعت الكارثة الأولي في زمن الخليفة عثمان الذي أخذا ما شاء من بيت المال ليوزعه علي أهله وأقاربه وزين حريمه بالجواهر والذهب المنهوب من البلاد المفتوحة". واتهم الرعيل الأول من الصحابة بالتخلف فقال: "لو كان للإسلام حضارة تنشئ معماراً ما وقف رسول الله يخطب في مسجده علي جذع نخلة. أو لأقاموا كعبتهم بأنفسهم بدلاً من إبراهيم اليهودي "يقصد نبي الله إبراهيم" بمساعدة الملائكة". ومعلوم "مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيّاً وَلاَ نَصْرَانِيّاً وَلَكِن كَانَ حَنِيفاً مُّسْلِماً وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ" [آل عمران:67] لكنه الغلو العلماني وخلط الأوراق في الثقافة الجديدة التي يريدون أن يعلموها لأبنائنا!!! ولقد كانت أعماله كلها تدور حول هدم الدين الإسلامي بمعول الغلو والتطرف العلماني وكان واضحاً جلياً في كتبه "الحزب الهاشمي. النبي إبراهيم والتاريخ المجهول. قصة الخلق. رب الزمان. الرسول الجزء الأول والثاني". ومن الغلو في الخطاب العلماني عند الدكتور صادق العظم ما قاله في كتابه "نقد الفكر الديني" عن الغيبيات والتشكيك بما جاء في القرآن فقال: "هل من المفترض في المسلم في هذا العصر أن يعتقد بوجود كائنات مثل الجن والملائكة وإبليس وهاروت وماروت ويأجوج ومأجوج وجوداً حقيقياً غير مرئي باعتبارها مذكورة في القرآن؟ أم يحق له أن يعتبرها كائنات أسطورية مثلها مثل آلهة اليونان وعروس البحر والغول والعنقاء؟" وقال عن قصة آدم وحواء: "أنها قصة تتناقض تناقضاً صريحاً مع كل معارضنا العلمية "يقصد نظرية دارون" فإن لم تنطبق القصة القرآنية علي الواقع "يقصد واقع علمه العلماني" فماذا تكون إذن؟ إلا أسطورة جميلة" "انظر كلهم سلمان رشدي ص23". أما الغلو في الخطاب العلماني عند وزير الثقافة الدكتور جابر عصفور القائل: "أنا مع العلمانية" فهي كثير ولن نذكر منها إلا القليل ولمن أراد المزيد فليرجع إلي مؤلفاته التي تطفح بحمد العلمانية مثل "نقد ثقافة التخلف. هوامش علي دفتر التنوير. أنوار العقل. أوراق ثقافية. مواجهة الإرهاب. الاحتفاء بالقيمة". وكان غلوه واضحاً فيما نشره بالأهرام: قال في مقال بتاريخ 13/8/2007م قال فيه: "إن تقبيل الممثل للممثلة ليس حراماً حتي ولو كانت أجنبية". وقال في مقال بتاريخ 21/9/2009م: "إن عصرنا خير من عصر الصحابة". وقال في مقال بتاريخ 14/6/2010م: "أن فريضة الحجاب لا أصل ديني لها" ورجع يكررها الآن. وقال في مقال بتاريخ 26/7/2010م: "أن المادة الثانية في الدستور سبب كل ما نعانيه من مشاكل وأن الأفضل تعديل النص ليصير: والديانات السماوية مصدر إلهام للتشريع بدلاً من ومبادئ الشريعة الإسلامية المصدر الرئيسي للتشريع". وما قاله في المقال المنشور في 24/6/2014م بعنوان "صراعات الخطابات الدينية في مصر" فقد رد عليه الدكتور عباس شومان وكيل الأزهر بما فيه الكفاية ولا تحتاج لتعليق وكانت المساجلات علي صفحات جريدة الأهرام الرسمية للدولة والكل عرف من هو الدكتور جابر عصفور بعدما رفع عنه الدكتور عباس شومان اللثام. لكنه تراجع واعترف بأن الأزهر معقل الوسطية والاعتدال. لكن ما يعتقده الإنسان في سنين من الصعب أن يقتلع في ساعات أو أيام. لكن ليس علي الله بعزيز فقلوب العباد بين أصبعين الرحمن يقلبها كيف يشاء. وهو الهادي إلي التوبة والاستغفار والرشاد. لكن الغلو في الفكر العلماني عند الدكتور جابر عصفور ليس بجديد ولا مستغرب فهو يؤمن بالفلسفة الوضعية الغربية التي أثمرت فصل الدين عن الحياة وليس هذا افتراء عليه فهو القائل في مقدمة كتابه "نقد ثقافة التخلف" ص13. ومعلوم ماذا يقصد بثقافة التخلف "أي الثقافة العربية الإسلامية": "إني لا أزال أومن أن الغالب علي تراثنا هو قيم التخلف لا التقدم. والدليل علي ذلك أن الحضارة العربية الإسلامية لم تزدهر إلا بمدي ما حققت من حرية الفكر والابداع. وأنها لم تعرف طريقها إلي الانحدار إلا عندما استبدلت التقليد بالاجتهاد والتعصب بالتسامح ..... فكانت النتيجة زيادة معدلات الانهيار. وتخلفنا بالقياس بالنهضة الأوربية. وأصبحنا نردد شعارات المهزومين: "أننا أصل الحضارة الأوربية. ولولانا ما قامت" دون أن نتعلم منها المبدأ الخلاق الذي دفعها إلي التعلم منا والاستفادة من علومنا. أننا نسينا أقوال ابن رشد العظيم عن الفصل بين العلم والملة "الدين" فأصبح الخطاب الديني السائد معادياً للعلم في زماننا. والانفتاح علي الآخر المغاير لنا في الملة "الدين" ووجد التخلف متسارع الإيقاع في الثقافة العربية المعاصرة. والسبب ما يستند إليه ويدعمه من ثقافة عصور الانحدار والانهيار القديمة التي تغلب فيها النقل علي العقل". والشئ من معدنه ليس بمستغرب. فهو تلميذ الدكتور عبد الرحمن بدوي أول فيلسوف وجودي في مصر بشهادة طه حسين. وقال الدكتور جابر عصفور إن من الذين تركوا أعمق الأثر في تكويني الثقافي العام والخاص هم: إسماعيل أدهم صاحب كتاب "لماذا أنا ملحد". وطه حسين. وسهير القلماوي وشكري عياد وعبد العزيز الأهواني .. الخ. أما عن الغلو في الخطاب العلماني في الكتب والمجلات التي تصدر عن وزارة الثقافة فحدث بلا حرج. فهذا بعض من الغلو في الخطاب العلماني . فمتي يكون نقد الفكر العلماني أمرا طبيعيا. ولا يتهم الناقد بالتطرف الديني والتخلف والجمود والإرهاب وتلفق له التهم بالقنطار. والله من وراء القصد.