* يسأل سامي صلاح أحمد من القاهرة: أحيانا وخاصة عندما يأتي مسافرين إلي القاهرة من إحدي البلاد المنتشر فيها نوع من الوباء.. يفرض علي القادمين الخضوع للحجر الصحي.. مما يسبب نوع من التذمر مدعين أن هذا الأمر يتنافي مع التوكل.. فما حكم الشرع في نظام الحجر الصحي؟ ** يقول الشيخ عبدالعزيز النجار مدير عام شئون مناطق الوعظ بالأزهر: هؤلاء الذين يعترضون علي الحجر الصحي واتخاذ الحيطة والحذر من نقل العدوي وانتشار الأمراض عن طريق القادمين من أرضها بحجة أن هذا يتنافي مع القدر واهمون ومخطئون وجاهلون بسنة الله الكونية وأحكامه الشرعية. وأسوق إلي هؤلاء بعض الأحاديث الصحيحة في ضرورة الوقاية من الأمراض بالطرق المثلي والتي منها الحجر الصحي. روي البخاري ومسلم في صحيحيهما عن عامر بن سعد بن أبي وقاص عن أبيه. أنه سمعه يسأل أسامة بن زيد: ماذا سمعت من رسول الله صلي الله عليه وسلم في الطاعون؟ فقال أسامة: قال رسول الله صلي الله عليه وسلم: "الطاعون رجز أرسل علي طائفة من بني إسرائيل وعلي من كان قبلكم فإذا سمعتم به بأرض. فلا تدخلوا عليه. وإذا وقع بأرض وأنتم بها فلا تخرجوا منها فرارا منه". وفي الصحيحين أيضا: إن عمر بن الخطاب خرج إلي الشام. حتي إذا كان بسرغ- قرية في طرف الشام ممام يلي الحجاز- لقيه أبوعبيدة بن الجراح وأصحابه فأخبروه أن الوباء قد وقع بالشام. فاختلفوا. فقال لابن عباس: ادع لي المهاجرين الأولين قال: فدعوتهم. فاستشارهم. وأخبرهم أن الوباء قد وقع بالشام. فاختلفوا. فقال له بعضهم: خرجت لأمر. فلا نري أن ترجع عنه وقال آخرون: معك بقية الناس. وزصحاب رسول الله صلي الله عليه وسلم. فلا نري أن تقدمهم علي هذا الوباء. فقال عمر: ارتفعوا عني. ثم قال: ادع لي الأنصار. فدعوتهم له. فاستشارهم. فسلكوا سبيل المهاجرين. واختلفوا كاختلافهم. فقال: ارتفعوا عني. ثم قال: ادع لي من هاهنا من مشيخة قريش من مهاجرة الفتح. فدعوتهم له. فلم يختلف عليه منهم رجلان. قالوا: نري أن ترجع بالناس ولا تقدمهم علي هذا الوباء فأذن عمر في الناس إني مصبح علي ظهر فأصبحوا عليه. فقال أبوعبيدة بن الجرح: يا أمير المؤمنين أفرارا من قدر الله تعالي؟ قال: لو غيرك قالها يا أبا عبيدة!. نعم نفر من قدر الله تعالي إلي قدر الله. أرأيت لو كان لك إبل فهبطت واديا له عدوتان. إحداهما خصبة. والأخري جدبة. ألست إن رعيتها الخصبة رعيتها بقدر الله تعالي. وإن رعيتها الجدبة رعيتها بقدر الله تعالي؟ قال: فجاء عبدالرحمن بن عوف وكان متغيبا في بعض حاجاته. فقال: إن عندي في هذا علما. سمعت من رسول الله صلي الله عليه وسلم يقول: "إذا كان بأرض وأنتم بها. فلا تخرجوا فرارا منه. وإذا سمعتم به بأرض. فلا تقدموا عليه". والطاعون وباء قتال. وهو ورم رديء يحدث في ثلاثة مواضع غالبا. في الإبط. وخلف الأذن وأرنبة الأنف- واللحوم الرخوة وهو مرض يفسد العضو ويغير ما يليه. وربما رشح دما وصديدا يؤدي إلي الموت السريع. وهناك أورام خبيثة لا تقل خطورة عنه وهناك أوبئة سريعة الانتشار قد ظهرت في هذا العصر لأسباب كثيرة معروفة. فكان من الواجب علي الإنسان أن يتقيها بكل طريقة ممكنة فالمحافظة علي الأبدان من الضروريات التي أمر الله بحفظها فمن أهمل في صحته فقد ارتكب إثما عظيما. والإسلام دين واقعي صالح لكل زمان ومكان يستجيب لمطالب الفطرة ويلبي رغبات الإنسان في حدود مصلحته. فيدعوه إلي تحصيل ما فيه من منفعته ودفع ما فيه مضرته بالطرق الممكنة والوسائل المتاحة فلا ينبغي لأحد أن يهمل الأسباب ويعطلها فإن ذلك اعتداء علي الدين ومخالفة لسنن الله الكونية. ومن نظر بعين البصيرة وفكر بعقله بعيدا عن الأهواء والتقليد الأعمي أدرك حقيقة ذلك بوضوح.