عند اليهود: إن فرق اليهود يرون استحالة النسخ عقلاً. فإذا أبطلنا ما أثاروه من شبه علي الجواز العقلي. وأثبتنا بواقع لاينكرونه أنه قد وقع في شريعتهم وفي الشرائع السابقة عليهم كان ذلك رداً علي الشمعونية والعنانية الذين ينكرون وقوع النسخ. وهذه هي الشبه التي تعلقوا بها: الشبهة الأولي: يقولون: لو جاز علي الله تعالي أن ينسخ حكماً من أحكامه لكان ذلك إما لحكمة ظهرت له كانت خافية عليه. وإما لغير حكمة. وكل هذين باطل. أما الأول فلانه يستلزم تجويز البداء والجهل بالعواقب علي علام الغيوب. وأما الثاني فلأنه يستلزم تجويز العبث علي الحكيم العليم اللطيف الخبير. والبداء والعبث مستحيلان عليه سبحانه بالأدلة العقلية والنقلية. فما أدي إليهما وهو جواز النسخ محال. والجواب علي هذه الشبهة: بأن نسخ الله تعالي ما شاء من أحكامه. مبني علي حكمة كانت معلومة له أولا. ظاهرة لم تخف عليه ولن تخفي عليه أبداً. غاية الامر أن مصالح العباد تتجدد بتجدد الزمان. وتختلف باختلاف الاشخاص والاحوال. وأسراره وحكمه سبحانه لاتتناهي. ولا يحيط به سواه. فإذا نسخ حكماً بحكم. لم يخل هذا الحكم الثاني من حكمة جديدة غير حكمة الحكم الاول. هي مصلحة جديدة للعباد في الحكم الجديد. أو هي غير تلك. وسبحان من أحاط بكل شيء علماً. وإذن فلا يستلزم نسخ الله لأحكامه بداء ولا عبثاً. ولكن هؤلاء غفلوا أو تغافلوا عن هذا. حتي جاء الترديد في شبهتهم ناقصاً لم يستوف وجوه الاحتمالات كما تري. ولو استوفوه لقالوا: النسخ إما أن يكون لحكمة ظهرت لله كانت خافية. أو لحكمة كانت معلومة له لم تكن خافية عليه. أو لغير حكمة. وأكبر الظن أنهم لم يفطنوا إلي هذا. ولو فطنوا له ما اشتبهوا. ولو اشتبهوا بعد فطنتهم له لاخترنا الشق الثاني من هذا الترديد. ثم أيدنا بتوافر أدلة العقل والنقل عليه كما قررنا. وللحديث بقية.