الثقافة هي مفتاح نجاح الأمم ودليل هويتها. وثقافتنا الإسلامية هي جزء لا يتجزأ من هويتنا. فهي التي تعبر عن توجهات الأمة الدينية والفكرية والأدبية والسياسية والاقتصادية. وهي التي تفصح عن مكنون ما في صدرها من معرفة وتنوير أو جهل وتضليل. فهي الترمومتر الذي يقاس به مستوي تقدم الأمم وقدرتها علي البقاء. ومسايرة جميع المتغيرات العصرية التي تنفع البلاد والعباد وتحقق مقاصد الشريعة الغراء في حفظ "الدين والعقل والنسل والنفس والمال والحرية" للبشرية. وإذا حدث تراجع - أو انتكاسة - لثقافتنا الإسلامية والعربية - في بلادنا - بسبب العولمة الغربية والضغوط الإعلامية المكثفة للترويج للعولمة. والمسبحون بحمدها في بلادنا والمدافعين عنها بكل ما أوتوا. وايضا بسبب الانغلاق علي الذات والجمود الفكري وغلق باب الاجتهاد. والتشدد في المسائل الخلافية المعتبرة. وإهمال فقه الواقع والمتغيرات الحديثة. ومع كل هذا فلم تنهار ثقافتنا انهياراً تاماً. بل هناك بصيص من الأمل في طائفة من علمائنا مرابطين ومجاهدين من أجل بعثها ونشرها وتنميتها وتجديدها علي النحو الذي يتلاءم مع قضايا العصر ومتغيراته. بشرط ألا ينفصل عن التعاليم الإسلامية الأساسية ولا يتعارض مع التوجهات النبوية. وهذا بالتحديد هو قاطرة تقدم البلاد والعباد في جميع المجالات. ولكي تنجح محاولات إحياء ثقافتنا الإسلامية والعربية في ثوب جديد يتناسب مع عصر العولمة لابد من إزالة العادات والتقاليد المذمومة الموروثة. والمستورة من الغرب. والتي لا تتفق مع أخلاقنا وثقافة بلادنا وتعاليم إسلامنا الحنيف. والتي بدورها أفرزت ثقافة التنطع واللامبالاة أو ثقافة الفوضي والهمجية البربرية. والتي بدورها عرقلت مسيرة الأمة وعطلت تقدمها لتصبح في مصاف الأمم الرائدة. والأمل في النهوض من مرقدنا الثقافي قائم وموجود تحت الرماد ينتظر من يبعثه من مرقده هذا. ويجليه للناس من غير التباس ليتمسكوا به بكل إحساس للعودة لماضيهم المشرق والأمل في غد أفضل. ولقد شهد بذلك مؤرخ العلم الدكتور جورج سارتون في كتابه "الشرق الأوسط في مؤلفات الأمريكيين": "إن العرب والمسلمين يمكن أن يعودوا إلي عظمتهم الماضية وإلي زعامة العالم العلمية والسياسية والاقتصادية كما كانوا من قبل. لو أنهم عادوا إلي فهم حقيقة وتراثهم وثقافتهم الإسلامية ورجعوا إلي العلوم التي حثهم الإسلام علي الأخذ بها". إن الثابت علمياً وتاريخياً إن العرب والمسلمين حملوا نور الإسلام إلي البلاد التي فتحوها ورفعوا بها لواء الحضارة الإسلامية والعلم والمعرفة قرابة ثمانية قرون فيما بين الأندلس غرباً وبلاد السند والهند شرقاً وجنوب فرنسا شمالاً والحبشة جنوباً. وتركوا للمعرفة الإنسانية تراثاً علمياً غنياً بكل مقومات التقدم والازدهار لم تتركه أمة قبلها ولا بعدها. وليس هذا دعوة إلي التقوقع في الماضي والركون إليه. بل هي صرخة أمل وصحوة ثائر لتحرك النفوس نحو ثروتنا الثقافية الغنية بكل مقومات الحياة. إن من حقنا أن نفتخر بثقافتنا لما تحتوي عليه من منظومة للقيم والأخلاق التي تدعونا للسمو فوق الذات. والاستعلاء علي الغرائز والشهوات. والحقيقة أن تراتنا الثقافي - العلمي والفكري - يساعدنا علي اكتساب الثقة بالنفس - بلا غرور - اللازمة للعودة إلي استيعاب مقومات حضارتنا مرة أخري. وخوض غمار السباق العلمي المطلوب لمجارات الأمم المتقدمة. تلك الأمم التي انبهر بها شبابنا أكثر من المطلوب حتي انحرف عن الجادة. ورسخ في نفوسهم الإحساس بالهزيمة أمامهم. وسلطوا علينا إعلامهم في الداخل والخارج بأنه أصبح من المستحيل علينا اللحاق بهم. وهذا والله كذب يدحضه تاريخنا وتاريخهم. إن كنا تأخرنا عن ركب الحضارة العصرية بعض الشيء فهذا لا يرجع للإنسان نفسه. ولا في تركيبته الوراثية كما يقولون. حيث أن هذا الإنسان المسلم هو نفسه الذي قاد مسيرة الحضارة في الماضي. فإن توفرت له المقومات الثقافية والمادية والبيئية انطلق كمكوك الفضاء لا يفرمله شيء حتي يصل إلي غايته. فالخطأ في حقيقة الأمر يكمن في التوجهات والأساليب والممارسات التي يقوم بها الحكومات والقيادات العربية والإسلامية. وكما قالوا: الناس علي دين ملوكهم. وملوكنا ورؤسائنا حالهم لا يخفي علي أحد. فالتفكك الفاضح بينهم وتقديم المصالح الشخصية علي مصالح الأمة وعدم القدرة علي تحمل المسئولية هو السبب الرئيسي لرقود ثقافتنا الإسلامية وتواري شمسها عن العالم. لذا لابد من ثورة ثقافية تجديدية تنادي بانتشال ثقافتنا الإسلامية من مستنقع الجمود والجحود. ونزع الصدأ وإزالة الأتربة المتراكمة فوق معالمه الناطقة. إن إحياء ثقافتنا الإسلامية فريضة غائبة والواجب المقدس علي علمائنا - قرة عيوننا وتيجان فوق رؤوسنا - أن يجيشوا الجيوش من أجل التصدي لحملات التغريب لثقافتنا. وتشكيل فريق عمل من المتخصصين لبعث الحياة في جسدها ونفخ روح التجديد فيها مع الحفاظ علي أصالتها الإسلامية والقومية. لتشرق شمسها من جديد علي البشرية. بعد أن ضاعت كرامة الإنسان في ظل العولمة الغربية المادية المتوحشة التي تقود العالم نحو الهاوية بسبب إفلاسها روحياً وأخلاقياً. ولا جدال أننا في حاجة ملحة اليوم إلي إحياء ثقافتنا الإسلامية وتراثنا العلمي في جميع مناحي الحياة.