ما زلنا نواصل الحديث عن حجية السنة ومكانتها من التشريع وتتضح لنا الأمور الآتية : أولاً : أن الوحي من عند الله تعالي إلي رسوله صلي الله عليه وسلم وحيان» وحي هو القرآن المجيد. ووحي هو السنة النبوية الشريفة. وقد ذكرنا الأدلة علي ذلك من آيات القرآن البينات. كما بينا الفروق بين الوحيين. أي بين القرآن والسنة. ثانياً : أن السنة النبوية المطهرة تأتي في المنزلة الثانية بعد القرآن العظيم في مصدرية التشريع. فهي المصدر الثاني بعد القرآن الكريم. أما من حيث الحجية فهي مع القرآن بمنزلة واحدة. بمعني أن دليل التشريع من السنة يعدل دليل التشريع من القرآن. فكلاهما مفيد للعلم. موجب للعمل بمقتضاه. علي أي نوع من الأحكام الخمسة كان العمل. ثالثاً: أن من رفض سنة رسول الله صلي الله عليه وسلم أو شغب عليها. أو رفض أمر رسول الله صلي الله عليه وسلم أو نهيه. أو رفض الاحتكام إلي رسول الله صلي الله عليه وسلم فيما يعرض له أو لم يقبل حكمه. كل من يفعل ذلك أو شيئاً منه يُعَدُّ فاسقاً عن الملة غير مؤمن. فإن الله تعالي قد جعل كل ذلك علامة الإيمان. ورفض ذلك أو شيء منه. آية الكفر والنفاق. وذلك في آياته البينات. رابعاً : لقد اعتمدنا في بيان ما قدمنا علي كتاب الله القرآن المجيد وحده. ولم نتكلم في السنة المطهرة أو آثار الصحابة وإجماع الأمة. ذلك أن هؤلاء الذين نخاطبهم في بحثنا هذا يزعمون أنهم ¢ قرآنيون ¢ لا يأخذون إلا عن القرآن. فآثرنا أن نخاطبهم بالقرآن الكريم. إن تاريخ منكري سنة رسول الله صلي الله عليه وسلم يكاد يقرن بتاريخ منكري رسالته صلي الله عليه وسلم . فالكفر بسنته عليه الصلاة والسلام هو قرين الكفر برسالته فهما أمران متقاربان زماناً متساوقان منزلة. ويكادان يكونان متماثلين حكماً. ولا يختلفان إلا باعتبار أن ثمة كفراً دون كفر. وإلا فإنكار سنة رسول الله صلي الله عليه وسلم وجحدها كفر. كما أن إنكار رسالته كفر . ومن المسلم به أنه لم يخل زمان من الأمرين جميعاً كذلك. فكما أنه لم يخل زمان من منكري رسالة رسول الله صلي الله عليه وسلم . فكذلك لم يخل زمان من منكري سنته صلي الله عليه وسلم مع زعمهم بأنهم مسلمون مؤمنون برسالته. والأخيرة هذه هي مثار العجب. إذ كيف يكونون مؤمنين برسالته صلي الله عليه وسلم ثم ينكرون سنته. ويرفضون اتباعه. ويصرون علي عدم الأخذ عنه. والاحتكام إليه. والتسليم له ويقبلون علي مخالفته في كل ما قال وفعل وأقر. فيقولون ما لم يقل. ويفعلون ما لم يفعل. ويرفضون ما أقره ورضي به. ولقد بدأت مسيرة إنكار السنة والشغب عليها علي هيئة فردية في حالات نادرة لا اعتبار بها. وكان ذلك في حياة رسول الله صلي الله عليه وسلم ومن ذلك ما روي أصحاب السنن في أسباب نزول الآية الكريمة: "فلا وربك لا يؤمنون حتي يحكموك فيما شجر بينهم. ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما" "النساء: 65". من أن الزبير بن العوام رضي الله عنه اختصم ورجل من أصحاب رسول الله صلي الله عليه وسلم لعله حاطب بن أبي بلتعة رضي الله عنه فحكم رسول الله صلي الله عليه وسلم للزبير أن يسقي زرعه أولاً. ثم يرسل الماء إلي صاحبه. فغضب الرجل وقال : يا رسول الله أن كان ابن عمتك ؟. أي حكمت له بسبب أنه ابن عمتك. فتلون وجه رسول الله صلي الله عليه وسلم وأنزل الله تعالي الآية في ذلك. لكن هذه الحالات شاذة ولا تذكر في معرض التأريخ لمنكري سنة رسول الله صلي الله عليه وسلم وذلك لأمرين: لشذوذها وندرتها. ثم لعودة أصحابها إلي الحق سريعاً وانقضاء أثرها.