واقع الطفولة والأمومة في مصر كارثي. ويحتاج إلي تضافر الجميع لإنقاذ السفينة قبل غرقها . ونزع فتيل الكثير من القنابل الموقوتة قبل أن تنفجر جميع افراد المجتمع وخاصة أن بعضها انفجر بالفعل وبدأنا نجني الثمار المرة للإهمال الطويل لهذه الفئة التي تمثل عصب المجتمع . من هنا تأتي أهمية هذا الحوار مع الدكتور عزة العشماوي . الأمين العام للمجلس القومي للطفولة والأمومة التي تحدثت بصراحة وكشفت حقائق لعلها تحركنا لإنقاذ سفينة الوطن التي تتعرض لأمواج عاتية من الداخل أكثر من الخارج * في البداية نود التعرف علي الواقع المؤلم للفئات المهضومة من الأطفال ؟ ** لا تتعجب إذا قلت لك أن احدي المشكلات الكبري التي نعاني منها عدم وجود إحصائيات دقيقة لواقع الأطفال في مصر وإنما هي مجرد إحصائيات اجتهادية أو تقريبية فقط ولكن الواقع مؤلم جدا وكارثي في مجال الطفولة ويتطلب سرعة التحرك الجماعي لأنه لا يمكن لمؤسسة وحدها التحرك وعلاج كل شئ . أما إذا استمر الوضع علي ما هو عليه فإن كل الفئات المهضومة من الأطفال ستتحول إلي قنابل موقوتة تنفجر في وجه الجميع . ويؤسفني القول بأن الجهات المعنية بالطفولة تعمل في جزر منعزلة والتعاون بين مؤسسات الدولة ومعظم الجهات المعنية بقضايا الطفولة والأمومة ضعيف و لا يوجد تنسيق كاف بينها. نتائج سلبية * ما هي الآثار السلبية لهذا الواقع المؤسف كما وصفتموه ؟ ** أهم النتائج السلبية انه لم يتم تحقيق نتائج ملموسة وسريعة علي أرض الواقع خاصة في قضايا تحتاج إلي تحرك سريع مثل إغاثة الاطفال وهذا يحتاج إلي آليات سريعة وفعالة ولهذا لابد أن تكون أجهزة الدولة أسرع استجابة في التحرك في وقائع تعذيب الأطفالپ ليس في القاهرة فقط بل في مختلف محافظات الجمهورية ولا يكون هذا التحرك بضغط من وسائل الإعلام وتحت تأثير الرأي العام. إغاثة المعذبين * كيف تتعاملون مع الواقع الأليم الذي تجسده ¢الطفولة المعذبة¢؟ ** نحن نشخص المشكلات ونرصدها ونحاول الإسهام في حلها بمختلف الوسائل فمثلا في حالات الأطفال الذين يتعرضون للإيذاء البدني والنفسي و نتقدم ببلاغات للنائب العام ووزيرة التضامن الاجتماعي للتحقيق في الوقائع ولكن المشكلة أن بعض البلاغات لا تؤخذ بجدية حيث يقوم المجلس بشكل يومي ومتواصل لحالات انتهاكات التي يتعرض لها الطفل المصري من خلال آلية خط نجدة الطفل 16000 باعتباره أحد آليات الرصد بالمجلس ضمن العديد من الآليات الأخري التي تعمل جميعا بهدف تقديم الحماية والرعاية للطفل المصري في كل مكان. جماعات إجرامية * حذرتم من وجود جماعات إجرامية تتاجر بأطفال مصر . نود التعرف علي حيثيات هذا التصريح الخطير ؟ ** مظاهر هذا الاتجار بالبشر عديدة منها علي سبيل المثال الهجرة غير الشرعية وهي جريمة ضد الدولة ومخالفة للقوانين المنظمة للهجرة وهناك جماعات إجرامية منظمة وراء تسليم ونقل الأطفال سراً مقابل منفعة مالية. ومن المفترض أن تنتهي العلاقة بين الطرفين بمجرد وصول الطفل لبلد المقصد ولكن نزوح الطفل بطريقة غير مشروعة مخالفاً للقوانين يعرضه لمخاطر قد تنهي حياته كما أنه يكون من الفئات التي تقع في براثن الاتجار والاستغلال في العمل القسري أو الدعارة أو بيع أعضائه نتيجة وجوده بطريقة غير مشروعة. كما أن الاستغلال السياسي والمعنوي للأطفال وتسخير الأطفال بالأعمال الانتحارية واستغلال النساء والأطفال وهذا يتم رغم وجود مادة صريحة تمنع الاتجار بالبشر ولهذا يجب تغليظ العقوبات وخاصة أن نسبة الاتجار بالأطفال زادت في مصر مؤخرا بسبب الوضعپ الأمني السيئ والأوضاع السياسية المتقلبة. نموذج عملي * نريد تقديم نموذج عملي في موضوع زواج القاصرات علي سبيل المثال. ** باختصار في العام الماضي سافرت إحدي الفتيات المصريات لدولة عربية ولكنها استنجدت بالقنصلية المصرية بها وتم إعادتها لمصر مرة أخري وتبين أن هذه الفتاة تبلغ عمرها 18 سنة وتزوجت 60 مرة بمعدل زوج كل 3 أيام ولهذا يؤكد أن زواج القاصرات هو نوع من الدعارة المقنعة ولابد من خطة قومية لحل مشكلات القاصرات في إطار زمني محدد ومن المؤسف أن مصر واحدة من أكثر الدول التي تشهد أتجارا بالأطفال. تعذيب الأطفال * كيف نمنع تكرار مآسي التعذيب في دور الأيتام مثلما تم في دار مكة؟ ** لاشك أن عدم التدقيق في الأشخاص القائمين علي تلك الدور سبب المشكلة فمثلا نجد الشخص الذي ضرب الأطفال المقيمين بدار ¢مكة¢ سيئ السمعة وتمت إدانته في قضية ارتكاب فعل فاضح عام 2009. ويستولي علي أموال التبرعات الخاصة بالدار لحسابه. فكيف هذا الشخص وأمثاله علي رأس مثل هذه المؤسسات التي ترعي أيتاما ولهذا لابد أن تعمل وزارة التضامن علي زيادة الرقابة علي دور الأيتام ووضع معايير محددة لمن يقوم بإنشائها خاصة أن العديد من تلك الدور يحدث به عنف للأطفال المقيمين بها الاستغلال السياسي * أنشأتم غرفة عمليات لرصد مكافحة الاستغلال السياسي للطفل - فكيف ترون هذا الواقع الأليم ؟ ** رصدنا خلال الانتخابات الرئاسية بلاغات من مؤسسة -فيس- وغيرها كشفت استغلال الأطفال خلال الأحداث السياسية . ونحن نحتاج إلي فروع لمؤسسة فيس في كل مدينة وحي وقرية لرصد مآسي الطفولة وكذلك لابد من تفعيل لجان حماية الطفل ضرورة ملحة في ظل الظروف الحرجة التي يمر بها المجتمع وبيان خطورة أن يتصدر الطفل المصري المشهد السياسي ويصبح وقودا للإرهاب والعنف ولهذا لابد أن ندرك أن حماية الطفل ينبغي ألا تتم بمعزل عن حماية الأسرة بأكملها وضرورة تنفيذ برامج تنموية تراعي العدالة الاجتماعية والعمل علي تجفيف المنابع التي تفرز مشكلات الطفولة ووللعلم فإن الصورة ليست سوداوية تماما وإنما هناك جهودا تبذل ولكن تغيير الواقع المؤلم يتطلب آليات لتفعيل قوانين الأطفال حتي لا تكون حبر علي ورق. الفن والأطفال * انتقدتم بشدة مجموعة من الكتاب والممثلين باستغلال موسم الإنتاج الفني في رمضان دون النظر لما تتضمنه مشاهدهم من سلوكيات سلبية تبث علي ملايين الأطفال.وكذلك بعض الأفلام مثل ¢حلاوة روح¢ وغيره من الأعمال الفنية التي تسيئ الي الطفولة . فما هي خطورة هذا التوجه؟ ** من المؤسف أن هذه الأعمال الفنية تؤدي إلي توحد الأطفال وتقمصهم شخصية البطل أو البطلة فيتحول الي طفل منحرف وذلك لإعجابهم بأبطال المسلسلات واتخاذهم قدوة لهم ويقلدون سلوكياتهم مثل: تدخين من الحشيش وتعاطي كل المخدرات مثلما يقوم بذلك الفنانون بشكل عام داخل المشاهد وكأنه أحد مصادر التحضر أو الرجولة واستخدام الأطفال للألعاب النارية المشاريخ ولهذا فإن المجلس تابع ورصد بعض الحلقات المذاعة عبر محطات التليفزيون - المصري والفضائيات, ووجدنا أن الواقع مأساوي ويستحق التجريم القانوني لأن أبطال الأعمال الفنية قدوة لمن هم في مراحل الطفولة والمراهقة - ويقتبسون العادات والتقاليد من خلال ما يبث في هذه الأعمال الدرامية - الخطورة في التقليد ليس في الملابس فقط وإنما - كذلك في تغيير بعض المفاهيم مثل الحرية والأنوثة والرجولة والعلاقات بين الطرفين وحدود ذلك وضعف دور الأسرة في إعادة صياغة ما يبث علي القنوات لأطفالهم أو تعريفهم ما هو مقبول وما هو مرفوض من أفكار وسلوكيات داخل هذه الأعمال. الإعلام غير المنضبط * كيف ترين خطورة الإعلام غير المنضبط أخلاقيا علي الأطفال والمراهقين وكل أفراد المجتمع عامة ؟ ** لاشك أن الجهاز الإعلامي بكل ما يتضمنه يعد شريكا أساسيا في تربية أطفالنا وإنتاج جيل جديد من حماة الوطن ولهذا فإن الأعمال الفنية تتحمل نسبيا جزء من المسئولية عما يقترفه الأطفال من جرائم أو سلوكيات سلبية كما أن هذه الأعمال هي بذور الدمار والانفلات التي يتم غرسها في شخصية الأطفال لتقوم الأسرة بزيادتها من خلال إهمال الأطفال وعدم رعايتهم ومتابعة سلوكياتهم فينتج لدينا جيل من الأطفال يمارسون العنف ويخربون في وطنهم بل ويتحرشون بأقرانهم ويرتكبون جرائم الاغتصاب ولهذا يجب أن نعرف أننا أمام جيل من الأطفال يعرف كل شيء ومعرفته مبنية علي ما يستقيه من البيئة المحيطة به ورفاق السوء ويقوم الإعلام بثقل هذه المعرفة وإضفاء الشرعية عليها? بزعم انه - تجسيد لواقع الحياة وغابت عن كثير أعمالنا الفنية القيم والأخلاقيات التي تعدل سلوكيات الأطفال للأفضل أو تحول طاقتهم إلي طاقة ايجابية- . ونحن نحتاج أن ينظر القائمون علي الأعمال الفنية إلي أطفال مصر باعتبارهم أطفالهم ويقيمون ما يقدمون من أعمال وما تتضمنه من مشاهد وفقا لما يرونه مفيدا لتنشئة أطفالهم وليس ما يحمله من عائد مادي وهذا لن يحدث إلا بتقديم الأدوار التي تتناسب والنماذج الايجابية في المجتمع خاصة أن هناك الكثير من الصور الايجابية التي يمكن عرضها الأسر والدولة * في تصريح خطير لكم أكدتم أن¢ فساد بعض الأسر يعود لعدم اهتمام الدولة بالعدالة الاجتماعية¢ ما الذي جعلكم تقولون هذا الانتقاد القوي ؟ ** ما جعلني أقول ذلك إنني أري قضية الأمومة والطفولة أمناً قومياً في المقام الأول وأن هذه القضية ليست بعيدة عن السياسة. بل إنها في قلب السياسة كما أن المجتمع بدون أسرة متماسكة سيكون هناك فوضي ¢عارمة¢ مثل ما نلاحظه يوميا وتزيد المأساة في ظل وجود انتهاك لحقوق الأطفال من أطفال مثلهم ومن جانب بالغين بالإضافة إلي النزاعات الأسرية بل إنني أؤكد أن فساد بعض الأسر يعود إلي عدم اهتمام الدولة بالعدالة الاجتماعية وانتشار الأمية والفقر وهذا أدي وجود استغلال سياسي وتجاري للأطفال ولهذا أطالب السلطة بضرورة وضع خطة قومية تتناول فيها قضايا الأسرة بشكل كامل والعمل علي حلها لأن كل هذه المشاكل كانت موجودة قبل ثورة 25 يناير إلا أنها انفجرت بعد الثورة وتفاقمت بشكل متزايد پ السجينات وأبناؤهن * إذا تحدثنا عن دور المجلس في رعاية السجينات وأبنائهم . فماذا تفعلون ؟ ** ننسق باستمرار مع مصلحة السجون لتنفيذپ حقوق الإنسان والطفل. ونقوم بزيارات لسجون النساء والتعرف علي ما يقدمه قطاع حقوق الإنسان بوزارة الداخلية للأمهات السجينات من حسن المعاملة والخدمة لاسيما خدمات رعاية الحوامل والولادة والاستماع لشكاوي المسجونات والبيانات اللازمة والتنسيق مع إدارة السجون لاتخاذ اللازم لعمل التوكيلات المطلوبة لتقديم الدعم القانوني ومخاطبة الجهات المعنية بشأن شكاوي السجينات فمثلا عرفنا أن الأمهات المسجونات عبرن عن شكواهن بشأن خروج الأطفال عند بلوغهن عامين خارج السجن في حالة استمرار تنفيذ الأم للعقوبة مطالبات بإيجاد مأوي لهؤلاء الأطفال ¢دار رعاية¢ والعمل علي استخراج شهادات ميلاد للمواليد وتمكينهن من رؤية أطفالهن حيث اشتكت بعض الأمهات من حرمانهن من رؤية أطفالهن واستحواذ عائلة الزوج عليهم . وكذلك طالبتنا بعض الأمهات السجينات بتوفير محامي لهن نظرا لعدم توفر دفاع عنهن والاهتمام بتقديم الخدمة الصحية للسجينات المرضي بأمراض مزمنة أو خطيرة. أطفال الشوارع * أطفال الشوارع قنبلة انفجرت فما العمل؟ ** سبق أن وصفت وضعهم بأنه ¢كارثي¢ ويحتاج إلي حلول جذرية وعاجلة وسريعة قبل انفجارها مواجهة وحل هذه المشكلة مسئولية جميع الجهات المعنية التي تعمل في جزر منعزلة ولهذا لابد من لجنة تنسيقية عليا لمتابعة عمل الجهات المعنية لأطفال الشوارع كما نحتاج للجنة قومية لاستيعاب أطفال الشوارع لأن تحجيم هذه الظاهرة يتطلبپ حلول جذرية ومن المنبع وإذا أردنا إسعاف عاجل فإن القوات المسلحة هي أفضل جهة يمكنها التعامل مع ظاهرة أطفال الشوارع وإيجاد حلول منطقية وسريعة وعملية لهذه الظاهرة. رؤية مستنيرة * ما هي الرؤية التي يجب أن يتحلي بها المجتمع بمختلف مؤسساته وأفراده في النظر للطفل ؟ ** يجب أن ندرك جميعا أن الطفل هو رصيد الشعوب وثروة الأمم . ولهذا فإن المجلس يشارك الأسرة في تحقيق رسالة نبيلة الغاية سامية الهدف وهي النهوض والارتقاء بالطفل المصري إلي المكانة التي يستحقها باعتباره الأمل والمسئولية معا فمثلا العنف الذي يشهده المجتمع المصري حاليا من بعض الشباب يعكس عيوب في التنشئة الأسرية لهم منذ الطفولة مما جعلهم غير قادرين علي التعامل مع الآخرين الذين يختلفون معهم في أفكارهم ولهذا فإن الدور المحوري الذي يقع علي عاتق الأسرة والمجتمع معا في تنشئة جيل تترسخ فيه القيم الديمقراطية وتحمل المسئولية واحترام حقوق الآخرين والتفاعل معهم والانتماء للوطن والرغبة العميقة في خدمته. إصلاح الواقع * في النهاية: كيف يمكن إصلاح واقع الطفل المصري ؟ ** لابد أن ندرك أن التعامل مع الطفل يعني البدء من المنبع لرسم ملامح المستقبل ويأتي ذلك من خلال رؤية واضحة تحدد معالم الطريق فمثلا إذا كان قانون الطفل يمثل المظلة التشريعية التي تضفي علي الطفل الحماية القانونية فإن دستور مصر الجديد هو ظهير الطفل أو منظومة ضمان كاملة له تعكس تمييزا ايجابيا لصالحه لما يشمله من حق الطفل منذ الولادة في إثبات هويته وما يترتب علي ذلك من حصوله علي كافة الحقوق بالإضافة إلي حق الأطفال المعاقين والحماية والتأهيل والاندماج في المجتمع.