"يارب أنت الذي خلقته وأنت الكفيل به" بهذا الدعاء استقبل عبدالسلام حسن ابنه المعاق لحظة ولادته. ولأن الله عند حسن ظن عبده به كما قال في حديثه القدسي الشريف. فكانت ثمرة دعاء هذا الأب ابنا ناجحا في حياته حتي أصبح اسما يملأ آذان المستمعين لإذاعة القرآن الكريم. رضا عبدالسلام نموذج إنساني رائع. مذيع متميز بإذاعة القرآن الكريم منذ 25 سنة. رغم إنه مولود من غير ذراعين. وهو أول مذيع علي الهواء بهذه الإعاقة في العالم. واجه معوقات كثيرة في حياته. لكنه تفوق في دراسته وحصل علي ليسانس حقوق وليسانس دعوة إسلامية ناهيك عن حفظه للقرآن الكريم في مرحلة الطفولة. كما حصل علي الماجستير ويعد حاليا للدكتوراه. رضا عبدالسلام يكتب بقدمه وفمه شارك في تغطية أكبر مسابقات القرآن الكريم بدبي. وتغطية الحج بالاضافة إلي الأمسيات الدينية والبرامج الحوارية منها برامج مساجد لها تاريخ. وقطوف من السيرة ومع الصحابة. ولديه وجهة نظر في مشاكل المعوقين. وله كتابان الأول عن اشهر معاقين في العالم. والثاني بعنوان "حياتي". "عقيدتي" أرادت أن تقتحم هذه الاسطورة الربانية لنتعرف عليها جميعا فكان هذا الحوار : * في البداية نود التعرف عليك بشيء أكثر تفصيلاً؟ ** انا مواليد قرية كفر الشيخ إبراهيم مركز قويسنا محافظة المنوفية أعمل مذيعا في الإذاعة المصرية منذ أكثر من 25 عاما وصلت وتدرجت في السلم الوظيفي بها حتي وصلت إلي درجة كبير مذيعين وخلال رحلتي داخل استوديوهات إذاعة القرآن الكريم قدمت العديد من الأعمال الإذاعية كان أبرزها برنامج مساجد لها تاريخ وقطوف من السيرة الذي ظللت أقدمه 15 سنة متصلة. وبرنامج مع الصحابة ومتزوج ولدي عبدالرحمن طالب في كلية الطب وأفنان تلميذة بالمرحلة الإعدادية. تحدي الإعاقة * تعيش في مجتمع ريفي بسيط كيف استطعت ان تتحدي ظروفك وتنجح؟ ** المعاق في الريف المصري لا يفعل أي شيء سوي الأكل والشرب فقط. ويقوم والده برعايته رعاية كاملة. وبعد الوالد يتولي الأخ هذه الرعاية. لكن والدي رحمة الله عليه كانت له وجهة نظر مختلفة. فكان يري أن التعليم والعلم هما سلاح الإنسان أي إنسان مهما كانت ظروفه. بالإضافة إلي أنه كان مؤمنا بأن كل إنسان يفعل ما عليه قدر المستطاع ثم يترك الأمر كله لله عز وجل. فكما يروون لي فإنه في لحظة ولادتي ظل الجميع يبكي علي الطفل المعاق. لكن والدي الوحيد الذي دخل واحتضنني وقبلني في رأسي ثم سجد لله شاكراً قائلاًَ: "يارب أنت الذي خلقته. فأنت الذي ستكفله" واعتقد أن هذا الدعاء هو سر نجاحي حتي يومنا هذا. * متي بدأت تشعر بأنك معاق وتعاني مشكلة؟ ** عندما ذهب والدي ليقدم لي في المدرسة الابتدائية بقريتنا ورفض مدير المدرسة أوراقي لإعاقتي وأضاع علي عاما دراسيا كاملاً. وفي العام التالي اصطحبني والدي إلي وكيل وزارة التربية والتعليم بالمنوفية وقال له: "لو كان عندك ابن بهذا الشكل هل كنت ستتركه من غير تعليم"؟! فصمت وكيل الوزارة فقال له والدي مرة أخري إن لم توافق علي دخوله المدرسة سوف اذهب به إلي الرئيس جمال عبدالناصر. وان لم يوافق الرئيس سوف اضربه بالنار في ميدان التحرير. وبعد أن انتهي والدي من الحديث معه طلب مني أن اصعد لمكتبه واكتب اسمي كاملاً واسم المدرسة الابتدائية التي بقريتنا وبالفعل نفذت ما طلبه مني الوالد وكتب ما طلب مني بقدمي. فبدأت علامات التعجب تظهر علي وجه وكيل الوزارة فوافق علي الفور علي التحاقي بالمدرسة الابتدائية مدونا ذلك علي طلب قدمه والدي "أوافق علي قبول أوراقه بمدرسة كفر الشيخ إبراهيم الابتدائية". وفي المدرسة تقابلت مع معلمة كانت تتعامل معي وكأنها أمي. فكانت مثالا حقيقيا للمعلم كما ينبغي أن يكون ولكن مشكلتي مع الإعاقة في المدرسة بدأت وأنا في الصف الثالث الابتدائي بعد أن بدأ المعلمون يطلبون منا الكتابة والإملاء في الفصل. فكان لا يصح أن اكتب بقدمي. وقال مدير المدرسة إما أن تكتب بطريقة أخري أو ترحل من المدرسة. بدأت أفكر ماذا أفعل فقمت بتدريب نفسي علي إمساك القلم بفمي والكتابة وهو في هذا الوضع. في البداية استغرقت وقتاً طويلاً حتي تعودت علي هذا. نظرات العطف * هل تضايقك نظرات العطف التي تشاهدها في عيون الناس؟ ** عمري ما شعرت بهذا الاحساس لأن بعد انتقالي إلي المدرسة الاعدادية والثانوية في مدينة قويسنا في مجتمع اوسع واشمل من القرية وجدت الجميع ينظر لي في الشارع والمدرسة. وهذا كان لا يحدث معي في قريتي لأن الناس عرفتني هكذا منذ ولادتي. وعندما تحدثت مع والدي عن نظرة الناس لي قال يجب أن تعلم انك شخص مختلف عن الآخرين ويجب الا اركز في هذا الأمر والا أجعل الناس تعطف علي أكثر من اللازم حتي في معاملته لي كنت أثاب وأعاقب مثلي مثل إخوتي. * لماذا التحقت بكلية الحقوق وهي في الأصل بعيدة عن مجال عملك الحالي؟ ** في الثانوية العامة حصلت علي مجموع يؤهلني لأن ادخل الكلية التي اختارها فكنت الثاني علي المحافظة بعد الكاتب الصحفي إبراهيم عيسي الذي كان الأول علي دفعتنا في المحافظة وقتها. ولكن كان حلمي وقتها أن أدرس القانون ثم ادخل مجال التدريس الجامعي وأعين معيدا بالجامعة لكن تقديري في السنة النهائية لم يمكني من تحقيق هذا الحلم. العمل بالإذاعة * كيف دخلت الإذاعة المصرية؟ ** بعد تخرجي عملت فترة قصيرة في أحد مكاتب المحاماه ولكن لم اجد نفسي في هذه المهنة. وظللت أفكر ما هي انسب وظيفة لي فوجدت أن افضل شيء هو أن اكون مذيعا بالإذاعة خاصة أن ما تتطلبه شروط هذه المهنة تنطبق علي فاللغة العربية لدي قوية حيث أجيد إلقاء الشعر والخطابة. فذهبت إلي أحد أساتذتي بكلية الحقوق بجامعة طنطا وقلت له أني اريد أن اعمل بالإذاعة وانني صرفت النظر عن السير في تحضير الدراسات العليا. وبالفعل قام استاذي بمساعدتي وارسلني إلي الكاتب الكبير عبدالوهاب مطاوع وبعد أن استمع إليّ ارسلني إلي الإعلامي الكبير فهمي عمر رئيس الإذاعة المصرية وقتها والذي سألني ماذا تريد أن تعمل. فقلت له مذيعا بإذاعة القرآن الكريم. ودخلت امتحان الإذاعة ولكني رسبت رغم نجاحي في فترة التدريب بشهادة من كان يدربنا. * وماذا بعد ذلك؟ ** بعد ظهور النتيجة شعرت وقتها بمرارة شديدة لعلمي أن السقوط ليس بسبب قصور في إمكانياتي بل لأنني معاق. فقررت وقتها ألا استسلم وأن اعمل فيما احب ما دامت مؤهلاتي تسمح. فذهبت مرة أخري للأستاذ فهمي عمر وسألته: لماذا عندما ينظر الناس لي أتراجع للخلف. وعندما ينظرون لأوراقي أتقدم للأمام فكان رد فهمي عمر: انت جاي تديني درس. فخرجت من المكتب ولكن قصة حواري معه علم بها رئيس إذاعة وسط الدلتا فطلبني أن أعمل معه. وبالفعل عملت عامين حتي علمت أن إذاعة القرآن الكريم تجري مسابقة لاختيار مذيعين جدد. فذهبت وقدمت مرة أخري وكان رئيس لجنة التحكيم وقتها الإعلامي الكبير حلمي البلك. فدخلت عليه وكنت مرتديا جاكت فقمت بخلعه دون أي مساعدة من أحد. ثم نظرت إلي البلك وطلبت منه عدم التعليق لحين انتهائي من إجابة كل الاسئلة الموجودة في ورقة الاختبار وبالفعل اجبت عليها كتابة بفمي ثم أمسكت بفمي وأطراف يدي وطلبت من البلك إجراء حوار إذاعي معه علي أن يكون القلم هو الميكرفون فحينما اشير له بالقلم يتحدث وحينما اتجه بالقلم لنفسي فهو من يتحدث. وبالفعل اقتنع البلك بي وقبل تعييني علي الفور كمذيع في إذاعة القرآن الكريم. أصعب موقف * ما هو أصعب موقف تعرضت له علي الهواء بسبب إعاقتك؟ ** طوال مدة عملي في الإذاعة لم أتعرض لموقف سبب لي مشكلة كبيرة فكلها أخطاء بسيطة في تفاصيل عمل. لكن ما كان يضايقني نظرة بعض الناس لي في بداية عملي حيث كان بعضهم يريد ان يقول لي ما الذي أتي بك إلي هذه المهنة. لكن كنت أتعامل مع هذه الأمور علي أنها صغائر وكنت اتخذ منها دافعا يقويني وأبهر من ينظر لي هذه النظرة الدونية بعملي. فيجب علي أصحاب الإعاقات أن تكون صدورهم رحبة في مثل هذه الأمور حتي لا يؤثر ذلك علي نجاحهم. * ماذا عن أهم أعمالك في إذاعة القرآن الكريم؟ ** شاركت من خلال عملي في إذاعة القرآن الكريم في تغطية مسابقة القرآن الكريم في دبي وشعائر الحج. وصلاة الفجر من أكبر مساجد القاهرة وأيضا صلاة الجمعة بحضور كبار المسئولين بالدولة وآخرهم المهندس إبراهيم محلب وقدمت العديد من البرامج منها وبشر الصابرين الخاص بمشاكل المعاقين. ومساجد لها تاريخ وقطوف من السيرة ومع الصحابة وأكثر من 500 أمسية دينية في مختلف قري ونجوع مصر وقمت بتأليف كتابين عن أشهر المعاقين في العالم. وكتاب أخر يحمل اسم "حياتي" وأري أنني من المحظوظين لأن الله جعل لي في كل مرحلة من مراحل حياتي من يساعدني علي تحقيق أحلامي وطموحاتي. * ماذا عن حياتك الاسرية؟ ** زواج المعاقين ليس بالأمر السهل لأن احتمالات الرفض من قبل أهل العروس أكثر من احتمالات القبول ناصحا غيره من المعاقين بألا يشعروا أن مجرد الرفض من فتاة هي نهاية الدنيا عليهم أن يجعلوا الناس ينظرون إلي ما وراء إعاقتهم وأنهم أفراد لهم هدف ورؤية في حياتهم وفي المجتمع الذي يعيشون فيه. انا متزوج ولدي ولد في كلية الطب اسمه عبدالرحمن. وبنت بالمرحلة الاعدادية وهي أفنان وعلاقتي مع أولادي قائمة علي الصداقة. وأولادي يفخرون بي وبعملي ويحاولون أن يقدموا لي يد العون والمساعدة في كثير من الأوقات. هموم المعاقين * من وجهة نظرك ما الذي يمكن تقديمه للمعاقين؟ ** تعديل وتطبيق القوانين الخاصة بهم. فنحن مازلنا نتحدث عن نسبة 5% التي يجب علي كل مؤسسة أن توفرها لديها من العمالة لأصحاب الإعاقات في وقت وصلت فيه اعداد المعاقين في مصر إلي 10 ملايين شخص طبقا لتقديرات المنظمات المهتمة بهذا الشأن التابعة للأمم المتحدة. * ما هي اللحظة التي تمنيت ألا تكون فيها معاقا؟ ** كل لحظة تمر علي أحمد الله وأشكره علي نعمه.