وضع الإسلام نظامًا فريدًا للاجتماع والتعاطف والتكافل والتكاتف المبني علي التعاون علي البر والتقوي والتناهي عن الإثم والعدوان. وقد خص الجار بمكانة فريدة ومتميزة لأنها اقرب موقعا من ذوي الرحم ولديه مكمن الأسرار وهو أول من يغيث الإنسان اذا وقع في مكروه. وأول من يشاركه الفرح. لهذا عظم الإسلام حق الجار علي جاره حتي ظن الرسول صلي الله صلي الله عليه وسلم أنه سيكون من ضمن الورثة. ولهذا فإن رمضان فرصة لإعادة المياه الي مجاريها مع الجيران وتصفية النفوس طاعة لله. في البداية يوضح الدكتور الأحمدي أبوالنور. وزير الأوقاف الأسبق وعضو هيئة كبار العلماء بالأزهر. أن الجار هو أقرب الناس إلي الإنسان وأكثرهم ملابسة له ومعرفة بأحواله بعد أهل بيته. وربما كان الجار في حالات كثيرة أقرب من ذوي الرحم وأكثرهم إعانة له من أقاربه وأصهاره لأن أهل البيت حين يفاجئون بمشكلة أو تحل بهم نازلة ويحتاجون فيها إلي إغاثة عاجلة فإنهم يهرعون مباشرة إلي جارهم بحكم قربه منهم وملاصقة داره لدارهم. وأضاف الدكتور أبو النور: إن كان العرب وهم في جاهليتهم يتفاخرون بحسن الجوار وإكرام الجار ورعاية حقوقه وصون حرماته وكف الأذي عنه وهذا ما اقره الإسلام من أخلاقهم فقال الله تعالي: ¢ وَاعْبُدُواْ اللّهَ وَلاَ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَي وَالْيَتَامَي وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَي وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالجَنبِ ...¢ النساء: 36. ونلاحظ هنا ان الله جمع بين الأمر بعبادته والأمر بالإحسان إلي خلقه ومنها الإحسان إلي الجار مسلمًا كان أم كافرًا. قريبًا أم غريبًا. ملاصقًا أم بعيدًا. فمثلا قوله تعالي: ¢ والجار ذي القربي ¢ أي: الذي بينك وبينه قرابة. و¢الجار الجنب¢ أي الغريب الذي لا قرابة بينك وبينه وهذا قول أكثر المفسرين.وقيل أيضا: ¢الجار ذي القربي ¢ هو الجار المسلم. و¢الجار الجنب ¢ هو الجار غير المسلم. وقيل ايضا ¢ الجار ذي القربي ¢ هو الجار القريب جواره. و¢ الجار الجنب ¢ هو المجانب. وهو من يصدق عليه مسمي الجوار مع كون داره بعيدة. وكل هذه المعاني صحيحة والآية تشملها وتدل عليها. وأوضح الدكتور الأحمدي. أن كل هؤلاء لهم حق الجوار. وإن كان حقهم متفاوتًا بحسب تفاوت أحوالهم. فقد قال الحافظ بن حجر: ¢ واسم الجار يشمل المسلم والكافر. والعابد والفاسق. والصديق والعدو. والغريب والبلدي. والنافع والضار. والقريب والأجنبي. والأقرب دارًا والأبعد. وله مراتب بعضها أعلي منپ بعض. فأعلاها من اجتمعت فيه الصفات الأول كلها. ثم أكثرها. وهلم جرا ¢ أوضح الدكتور احمد معبد. عضو هيئة كبار العلماء بالأزهر.أن الجار الذي بينك وبينه قرابة حقه آكد من حق الجار الأجنبي. وحق الجار المسلم آكد من حق الجار غير المسلم. والملاصق حقه مقدم علي حق البعيد. فقد سألت السيدة عائشة - رضي الله عنها- الرسول صلي الله عليه وسلم قائلة: قلت يارسول الله: إن لي جارين فإلي أيهما أهدي؟ قال: إلي أقربهما منك بابًا ¢. وأشار الدكتور معبد. الي أن النصوص الشرعية دلت علي أن الجيران ثلاثة أولهم: جار له ثلاثة حقوق. وهو الجار المسلم القريب. له حق الجوار. وحق الإسلام. وحق القرابة.وثانيهما: جار له حقان. وهو الجار المسلم. له حق الجوار. وحق الإسلام.وثالثهم: جار له حق واحد. وهو الجار الكافر. له حق الجوار. وقد اختلف العلماء في من يشمله اسم الجوار علي أقوال كثيرة من ذلك ما جاء عن الإمام علي بن ابي طالب أنه قال: ¢ من سمع النداء فهو جار ¢. فكل من يسمع صوت مؤذن الحي الذي يؤذن بدون مكبر صوت. فإنهم يعتبرون جيرانًا.وقيل أيضا: من سمع إقامة الصلاة. فهو جار. وقيل كذلك: من صلي معك صلاة الفجر في المسجد فهو جار. وقيل: من جمعتهم محلة أو حي. فهم جيران.وقيل: حد الجوار أربعون دارًا من كل ناحية. والراجح أن حد الجوار يرجع فيه إلي العرف. لأن القاعدة الشرعية تقول:¢ كل ما ورد به الشرع مطلقًا. ولا ضابط له فيه. ولا في اللغة. يرجع فيه إلي العرف¢ وعلي هذا فما اعتبره العرف جارًا فإنه جار. له حق الجوار من الإكرام وبذل الندي وكف الأذي ونحو ذلك. وعن عظم حق الجار الذ قصرنا فيه ونسيناه قال الدكتور احمد معبد:پ أوصي الإسلام بالإحسان إلي الجيران كلهم حفلت السنة النبوية بنصوص كثيرة توصي بالجار. وتؤكد حقه. وتأمر بإكرامه والإحسان إليه. وتتوعد علي إيذائه وعقوقه فقال النبي صلي الله عليه وسلم:¢ ما زال يوصيني جبريل بالجار حتي ظننت أنه سيورثه ¢. وعن عبد الله بن عمرو بن العاص ¢ أنه ذبح شاة. فقال: هل أهديتم منها لجارنا اليهودي. ثلاث مرات. ثم قال: سمعت النبي صلي الله عليه وسلم يقول: ما زال جبريل يوصيني بالجار حتي ظننت أنه سيورثه ¢ كما قال عليه الصلاة والسلام: ¢ من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم جاره ¢ وهذا يدل علي أن إكرام الجار وطيب المعاملة له من شعب الإيمان وسمات المؤمنين وأن من لم يكرم جاره لم يتم إيمانه. تمزق اجتماعي عن أهمية الجار من المنظور الاجتماعي قالت الدكتورة عزة كريم. استاذ الاجتماع بالمركز القومي للبحوث الاجتماعية: لاشك أن الصلة بين الجيران تعد من أهم الروابط الاجتماعية وذلك من شدة حاجة الجار إلي جاره. وقوة تأثيره فيه. وعظم حقه عليه. وأن القيام بحقه من أوجب الواجبات. ومن أكبر أسباب التكافل والتعاون في هذه الحياة. لتذليل عقباتها. وتخفيف مصاعبها. وأكبر أسباب الإعانة علي البر والخير. والحماية من الإثم والشر. وأوضحت الدكتورة عزة. أن هذا الحق العظيم للجار قد أهمله كثير من الناس اليوم. وانشغلوا عنه بخصوصياتهم وحب ذواتهم. وقعدوا عن القيام به بسبب أثرتهم وأنانيتهم. ولم يرعوه حق رعايته بسبب جهلهم وضعف إيمانهم. وتربع الدنيا علي قلوبهم. فأصبحوا لا يعيشون إلا لأنفسهم. ولا يهمهم إلا مصالحهم. غير مكترثين بما يجب عليهم تجاه إخوانهم وجيرانهم. فماتت فيهم عواطف الأخوة والمحبة. وخفتت في نفوسهم أخلاق السماحة والنجدة. وخلت قلوبهم من المعاني الإنسانية الجميلة. وربما حملهم حب الدنيا والمنافسة علي حطامها علي إيذاء جيرانهم وظلمهم. والاعتداء علي مصالحهم. وظلمهم واكل حقوقهم. وأنهت الدكتورة عزة كريم كلامها قائلة: ليتهم إذ لم يحسنوا إليهم ويقوموا بحقوقهم عليهم يكفَّوا عنهم ظلمهم وعدوانهم. ولهذا فإن شهر رمضان يعد فرصة ذهبية لفتح صفحة جديدة مع الجيران وتعويض ما فات من فرص التعارف والتواصل