كثيرة هي تلك الاقوال المأثورة في التراث الاسلامي التي نرددها ونحفظها عن ظهر قلب لكن كثيرا من تفاصيل تلك القصص التي كان من نتاجها هذه الاقوال المأثورة تغيب عن كثيرين منا .. نقف في هذا الباب عند قصص لأقوال مأثورة واليوم نقف عند ¢رجل تستحي منه الملائكة¢. بينما كان النبي صلي الله عليه وسلم مضطجعًا في بيت عائشة رضي الله عنها إذْ أقبل أبوبكر الصديق رضي الله عنه فاستأذن. فأذن له النبي صلي الله عليه وسلم. وهو علي حاله مضطجعًا. ثم أقبل عمر رضي الله عنه فاستأذن. فأذن له النبي صلي الله عليه وسلم. وهو علي حاله مضطجعًا. ثم أقبل عثمان رضي الله عنه فاستأذن فجلس رسول الله صلي الله عليه وسلم. وأذن له. فدخل وقال حاجته .فسألت عائشة رسول الله صلي الله عليه وسلم: يا رسول الله! جلست حين استأذن عثمان. ولم تفعل ذلك مع أبي بكر وعمر؟ فقال النبي صلي الله عليه وسلم: "إن عثمان رجل حييّ. وإني خشيت إن أذنت له وأنا علي تلك الحال ألا يبلغ إليّ في حاجته". يقول الدكتور محمد داود. أستاذ الدراسات الاسلامية والداعية الاسلامي المعروف. هذا موقف إيماني يفيض بالعبر النافعة والعظات الهادية أولاها: حكمة رسول الله صلي الله عليه وسلم في معاملة الناس وتقدير الفروق الفردية بينهم. مع مراعاة خصوصية حياء سيدنا عثمان رضي الله عنه. ولم يكن الأمر هنا في الموقف من باب الأفضل. ولكن كان من باب مراعاة الأنسب في حق كل منهم. وثانيتها: هي أن خُلُق الحياء من الأخلاق التي مدحها رسول الله صلي الله عليه وسلم» فالحياء لا يأتي إلا بخير. وفي الحديث قال النبي صلي الله عليه وسلم: "الحياء شعبة من شعب الإيمان". وقوله صلي الله عليه وسلم: "الحياء لا يأتي إلا بخير". يوضح أن المقصود هنا الحياء الإيجابي الذي يحمل علي فعل الخيرات وترك المنكرات. ويؤكد هذا المعني قول النبي صلي الله عليه وسلم لأصحابه:"استحيوا من الله حق الحياء". قلنا يا رسول الله: إنا نستحيي والحمد لله. قال: "ليس ذلك. ولكن الاستحياء من الله حق الحياء أن تحفظ الرأس وما وعي. والبطن وما حوي. ولتذكر الموت والبِلي. ومن أراد الآخرة ترك زينة الدنيا. فمن فعل ذلك فقد استحيا من الله حق الحياء".أضاف : أما الحياء السلبي الذي يمنع الإنسان من السعي للخير والبر فقد نهي الإسلام عنه» لأنه من السلبيات التي تحرمنا من خيرات كثيرة. وفي القرآن الكريم: "وَاللَّهُ لَا يَسْتَحْيِي مِنَ الْحَقِّ" "الأحزاب/53".وقوله:"إِنَّ اللَّهَ لَا يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلًا مَا بَعُوضَةً فَمَا فَوْقَهَا" "البقرة/26". ورأينا في الموقف أن رسول الله صلي الله عليه وسلم أثني علي حياء سيدنا عثمان رضي الله عنه. وقد جلس بعد أن كان مضطجعًا حين استأذن سيدنا عثمان رضي الله عنه. ويواصل الدكتور داود عند ثالث عبر هذا الموقف وهو حِرْص رسول الله صلي الله عليه وسلم علي قضاء مصالح وحوائج أصحابه. لقد خشي رسول الله صلي الله عليه وسلم أنه إن أذن لسيدنا عثمان رضي الله عنه بالدخول وهو مضطجع أن يمنع الحياء سيدنا عثمان رضي الله عنه من التصريح بحاجته» لذلك جَلَس النبي صلي الله عليه وسلم حتي يصرح سيدنا عثمان بحاجته. وفي هذا أسوة وقدوة للأمة في حسن المعاشرة بين الأصحاب. والحرص علي قضاء حوائجهم ومصالحهم ونفعهم. ومراعاة خصوصية كل منهم. فهذه الأخلاق من أقوي أسباب الحب والمودة بين الأصحاب. وهكذا يعلمنا رسول الله صلي الله عليه وسلم كيف ننشئ مجتمعًا تحكمه العلاقات الودودة الحميمة. وهكذا تنشأ المجتمعات الآمنة الصالحة.