أواصل مع حضراتكم حديثي عن الغفلة وخطورتها علي الأمة وتهوين عزيمتها نحو الخير وحسن تحصيل الزاد من الدنيا للآخرة وأقف هنا عن عند في غاية الأهمية خطورة الغفلة عن الغاية . إن الغاية التي من أجلها خلقنا هي عبادة الله وحده. والناس غافلون عنها الآن إلا من رحم ربك. قال الله تعالي: وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ "الذاريات :56". هذه هي الغاية التي من أجلها خلقت. ما خلقك الله عز وجل إلا لطاعته وعبادته. وإن أنعم الله عليك بالزوجة وبالأولاد وبالمنصب والأموال. فيجب أن تسخر هذا من أجل الغاية التي من أجلها خلقت. فلو عشت لهذه الغاية فاستعمل كل الوسائل للوصول إلي هذه الغاية. لكن إن ضيعت الغاية وعشت بلا غاية فسيضيع عمرك في غير طاعة. وكم من الناس الآن ينتسبون إلي الإسلام ولا يعيشون لهذه الغاية. بل لا يعرفون شيئاً عن هذه الغاية! ألم تسمعوا قول هذا المتسكع التائه الضائع الذي يقول: جئت لا أعلم من أين ولكني أتيت ولقد أبصرت قدامي طريقاً فمشيت وسأمضي في طريقي شئت هذا أم أبيت كيف جئت؟! كيف أبصرت طريقي؟! لست أدري ويقطع الطريق كالسائمة.. كالبهيمة لا يعرف لحياته معني ولا لوجوده غاية. جهل الغاية وضل طريقها. فهو يتسكع كالبهيمة. ولقد قال الله عز وجل في هذا الصنف الغافل عن الغاية: "وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِنَ الْجِنِّ وَالإِنسِ لَهُمْ قُلُوبى لا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنى لا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانى لا يَسْمَعُونَ بِهَا أُوْلَئِكَ كَالأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُوْلَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ "الأعراف:179". فيا أيها المسلم! ويا أيتها المسلمة! لابد أن نضع الغاية نصب أعيننا فإننا نعيش من أجل هذه الغاية.. من أجل طاعة الله وعبادته وحده. ومن أجل الآخرة. فلنسخر كل وسيلة من وسائل هذه الحياة الدنيا من أجل هذه الغاية. فإن كنت صاحب منصب إن عشت للغاية فستفكر كيف تسخر منصبك وكرسيك لطاعة الله. وكيف يقودك هذا الكرسي إلي رضوان الله وجنة الله. أما إن غفلت عن الغاية وجلست علي الكرسي فلن تتورع عن ظلم العباد. ولن تتورع عن أكل أموال الناس بالباطل. ولن تتورع عن نهب المال العام الذي أصبح الآن سمة من سمات هذا العصر الذي فسد فيه من كلفوا بالرعاية. ورحم الله من قال: وراعي الشاة يحمي الذئب عنها فكيف إذا الرعاة لها الذئاب ضل عن الغاية وما فكر فيها. وظن أن هذه الحياة أبدية سرمدية. فقال لنفسه: أدركي الوقت قبل فوات الأوان. أنفقت كذا وكذا في الدعاية الانتخابية. أدركي الوقت لتحصلي هذا المبلغ وأضعاف أضعافه. يقول: وجلست علي هذا الكرسي وأنا لا أضمن كم سأمكث عليه. فهيا لأقتنص هذه الفرصة وأغنم ولو من الحرام! أيها الأحباب! ما قال هذا إلا لأنه لا يفكر في الغاية. وظن هذا المسكين أنه سيأخذ هذا إلي قبره. ونسي قول المصطفي صلي الله عليه وسلم: "إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية. أو علم ينتفع به. أو ولد صالح يدعو له" وقال المصطفي صلي الله عليه وسلم: "يتبع الميت ثلاثة: ماله وولده وعمله. فيرجع اثنان: يرجع المال والأهل. ويبقي العمل" فلن ينفعك بين يدي الله إلا العمل الصالح فلا تغفل عن هذه الغاية. ولا تغفل عن طاعة الله. ويوم أن عرف أصحاب النبي صلي الله عليه وسلم هذه الغاية وعاشوا من أجلها. سادوا في الدنيا والآخرة. يقول ربعي بن عامر لقائد الجيوش الكسروية رستم. ليعلمه الغاية التي من أجلها وجدوا ولها خلقوا: "إننا قوم ابتعثنا الله لنخرج العباد من عبادة العباد إلي عبادة رب العباد. ومن جور الأديان إلي عدل الإسلام. ومن ضيق الدنيا إلي سعة الدنيا والآخرة". فلتعش أخي لهذه الغاية ولا تغفل عنها لأنك لو عشت لغاية لحددت الهدف وحددت الطريق. ولو غفلت عن الغاية ستنطلق في الطريق جاثماً علي وجهك لا تدري إلي أين تذهب وإلي أين ترجع. فاعمل للغاية تفز وتسعد. ففروا إلي الله فروا إلي الله. ها نحن نعيش أياماً معدودة قبل شهر رمضان وأحببت أن أذكر بهذه الفرصة نفسي وأحبابي وإخواني وأخواتي بالفرار إلي الله قبل رمضان. فالفرار نوعان: فرار السعداء وفرار الأشقياء: أما فرار السعداء فهو الفرار إلي الله. وأما فرار الأشقياء فهو الفرار من الله. ومع ذلك فلا ملجأ ولا ملاذ من الله إلا إليه. أين يذهبون؟! أين يفرون من الله عز وجل؟! أخي! بادر بالفرار إلي الله.. بادر بالتوبة إلي الله عز وجل. واعلم: "بأن الله يبسط يديه بالليل ليتوب مسيء النهار. ويبسط يديه بالنهار ليتوب مسيء الليل حتي تطلع الشمس من مغربها". والحديث رواه مسلم من حديث أبي موسي . سينتهي زمن التوبة يوم أن تطلع الشمس من مغربها. فإن عاد الكافر إلي الله في ذلك اليوم فلا يقبل الله منه الإيمان. وإن عاد العاصي فلا يقبل الله منه التوبة. تدبر معي هذا الحديث لتعلم أهمية التوبة ووجوبها. فقد ورد في صحيح مسلم من حديث أبي ذر رضي الله عنه: "أن النبي صلي الله عليه وسلم رأي الشمس تغرب يوماً فقال لأصحابه: أتدرون أين تذهب هذه؟ قالوا: الله ورسوله أعلم. فقال المصطفي: إن هذه تجري حتي تنتهي إلي مستقرها تحت العرش فتخر ساجدة لله جل وعلا. فلا تزال كذلك حتي يقال لها: ارتفعي وارجعي من حيث جئت فترجع فتصبح طالعة من مطلعها -أي: من المشرق- ثم تجري حتي تنتهي إلي مستقرها تحت العرش. فتخر ساجدة لله جل وعلا. فلا تزال كذلك حتي يقال لها: ارتفعي. وارجعي من حيث جئتِ ". يقول المصطفي صلي الله عليه وسلم: "فلا تزال كذلك لا يستنكر الناس منها شيئاً". أي: تشرق من المشرق كل صباح وتغرب في المغرب. ولا يستنكر الناس منها شيئاً. قال المصطفي: "حتي تنتهي إلي مستقرها تحت العرش فلا تزال كذلك حتي يقال لها: ارتفعي أصبحي طالعة من مغربك. قال: أتدرون متي ذلك؟! قالوا: الله ورسوله أعلم. قال: ذاك يوم لا ينفع نفساً إيمانها لم تكن آمنت من قبل أو كسبت في إيمانها خيراً" فإذا طلعت الشمس من المغرب أغلق باب التوبة. فيا عبد الله! الباب مفتوح لك الآن علي مصراعيه فبادر بالتوبة. قبل أن يأتي يوم يغلق فيه باب التوبة. فلا يقبل الله الإيمان من كافر ولا يقبل الله التوبة من مذنب عاصي. وفي صحيح مسلم من حديث أبي هريرة أنه صلي الله عليه وسلم قال: "ثلاثة إذا خرجن لا ينفع نفساً إيمانها لم تكن آمنت من قبل أو كسبت في إيمانها خيراً: طلوع الشمس من مغربها. والدجال. والدابة "فإذا طلعت الشمس من المغرب أغلق الله باب التوبة. فهيا عد إلي الله عز وجل أيها اللاهي!! أيها العاصي!! بل أيها المؤمن: "وَتُوبُوا إِلَي اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ" "النور:31". أيها الحبيب! دع عنك ما قد فات في زمن الصبا واذكر ذنوبك وابكها يا مذنب لم ينسه الملكان حين نسيته بل أثبتاه وأنت لاهي تلعب والروح منك وديعة أودعتها ستردها بالرغم منك وتسلب وغرور دنياك التي تسعي لها دار حقيقتها متاع يذهب الليل فاعلم والنهار كلاهما أنفاسنا فيها تعد وتحسب قال تعالي: "قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَي أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ". "الزمر:53".