اختارت وزارة الأوقاف موضوع أهمية التخطيط في حياة الأفراد والمجتمعات.. ليكون عنواناً لخطبة الجمعة القادمة في جميع مساجد مصر. حددت الأوقاف عدة عناصر هامة حول هذا الموضوع منها: أهمية التخطيط في الإسلام القرآن الكريم يرشدنا إلي التخطيط في حياة الأنبياء والرسل عناصر التخطيط الناجح حاجتنا إلي التخطيط لتغيير واقعنا المعاصر التخطيط الجيد يؤدي إلي استقرار الأسرة والمجتمع. إن الله "عز وجل" لم يخلق الإنسان عبثاً. بل جعل له في الحياة رسالة وهدفاً يسعي لتحقيقه. قال سبحانه وتعالي: "أفحسبتم أنما خلقناكم عبثاً وأنكم إلينا لا ترجعون * فتعالي الله الملك الحق لا إله إلا هو رب العرش الكريم" "المؤمنون:115. 116". وهذا الهدف لن يتحقق إلا بتدبير وإعداد وتخطيط. فالإنسان الذي يسير علي غير هدي لا يعرف له وجهة. ولا يدرك له غاية. فهو إنسان تتعاوره الضربات لتسقطه صريع المحن. بائس الحال. شقي النفس. قليل الإنجاز أو عديمه. قال عمر رضي الله عنه: "إني أكره الرجل أن أراه يمشي سبهللا" أي: لا في أمر الدنيا ولا في أمر الآخرة. "الآداب الشرعية لابن مفلح". وقد صح في الحديث عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال النبي صلي الله عليه وسلم: "نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس الصحة والفراغ" "صحيح البخاري". والتخطيط للمستقبل أخذ بالأسباب. وهو لا يتنافي مع التوكل علي الله تعالي. فلا حرج علي المسلم أن يقول "إن شاء الله سأفعل كذا". قال تعالي: "ولا تقولن لشيء إني فاعل ذلك غداً إلا أن يشاء الله" "الكهف: 23. 24". ومن أراد أن يتعلم التخطيط فليتأمل هجرة النبي صلي الله عليه وسلم فقد كان صلي الله عليه وسلم أنموذجاً للقائد والمعلم. فتراه وهو في رحلة الهجرة يخطط ويدبر ويثق في نصر الله عز وجل أولاً وأخيراً. إنه يأتي بعلي بن أبي طالب رضي الله عنه لينام في فراشه علي سبيل التمويه. ويسلك طريقاً وعراً غير مأهول ولا معتاد. ويختبئ في الغار حتي يهدأ الطلب عليه وعلي صاحبه. ويدبر من يأتيه في الغار بالأخبار والطعام. ومن يعفي علي الآثار. ويحسن انتقاء من يقوم بكل مهمة. وهو في هذا كله متوكل علي الله تعالي معلناً أنه في معية الله تعالي فيقول لصاحبه: ".. لا تحزن إن الله معنا" "التوبة: 40". ومن حسن التخطيط والأخذ بالمشورة معاً ما كان منه صلي الله عليه وسلم في غزوة بدر حيق أقل لأصحابه: "أشيروا علي في المنزل فقال الحباب بن المنذر: يا رسول الله أرأيت هذا المنزل أمنزل أنزلكه الله فليس لنا أن نتقدمه ولا نتأخر عنه أم هو الرأي والحرب والمكيدة؟ قال: "بل هو الرأي والحرب والمكيدة". قال فإن هذا ليس بمنزل انطلق بنا إلي أدني ماء القوم فإني عالم بها وبقلبها. بها قليب قد عرفت عذوبة مائه وماء كثير لا ينزح ثم نبني عليها حوضاً ونقذف فيه الآنية فنشرب ونقاتل ونغور ما سواها من القلب" "مغازي الواقدي". وفي غزوة أحد يدير المعركة باقتدار حقق به المسلمون النصر في أول المعركة. وهو يخطط للميدان تخطيطاً تميز بالمرونة. فقد انسحب عبدالله بن أبي بن سلول بثلث الجيش قبل بداية المعركة. ومع ذلك يعيد النبي صلي الله عليه وسلم توزيع الجيش ليسيطر علي الميدان. ويوزع المسلمين علي أماكن القتال. وعندما خالف المسلمون الخطة دارت عليهم الدوائر. وفي غزوة الخندق يخطط صلي الله عليه وسلم ويستشير أصحابه. ويأمر بحفر الخندق حول المدينة. وهو أمر لم يكن معلوماً في خطط العرب في القتال. ليحافظ علي الدولة من الأعداء المتربصين بها. المحاصرين لها. حتي كشف الله غمهم. وأزاح همهم. وإن من حسن التخطيط حسن توظيف المهارات. بأن تضع الرجل في موضعه المناسب ليحسن العمل. يظهر ذلك جلياً من خلال عدة مواقف للنبي صلي الله عليه وسلم نذكر منها: 1- اختيار لأسامة بن زيد رضي الله عنهما قائداً لجيش من جيوش المسلمين علي الرغم من صغر سنه. 2- ترتيبه لقادة الجيش في غزوة مؤتة» لأجل تحقيق النصر علي الروم. حيث وضع كل رجل في موضعه. 3- اختياره لزيد بن ثابت رضي الله عنه ليتعلم اللغة العبرانية ويتولي الترجمة له صلي الله عليه وسلم. 4- اختياره لمعاذ بن جبل رضي الله عنه لمهمة القضاء في اليمن» لفقهه وعلمه وبراعته. من هذا نري مدي إدراكه صلي الله عليه وسلم لمهارات كل فرد من أصحابه. ومدي الاستفادة منها بحسن توظيفها. وعلي المستوي الشخصي يوجه النبي صلي الله عليه وسلم أصحابه إلي النظر للمستقبل نظرة تدبير وحساب لصروف الزمن ومتغيرات الحياة. فها هو سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه يقول: كان النبي صلي الله عليه وسلم يعودني وأنا مريض بمكة. فقلت: لي مال. أوصي بمالي كله؟ قال: "لا" قلت: فالشطر؟ قال: "لا" قلت: فالثلث؟ قال: "الثلث والثلث كثير. أن تدع ورثتك أغنياء خير من أن تدعمهم عالة يتكففون الناس في أيديهم. ومهما أنفقت فهو لك صدقة. حتي اللقمة ترفعها في امرأتك. ولعل الله يرفعك. ينتفع بك ناس. ويضر بك آخرون" "صحيح البخاري". فهذا توجيه إلي أمرين: الأول: التخطيط للأسرة في مستقبلها المادي تخطيطاً يقيها صروف الزمان. الثاني:: فضل النفقة علي الأهل. وقد تعلم عمر بن الخطاب رضي الله عنه ذلك من الرسول صلي الله عليه وسلم فإذا به يخطط للدولة الإسلامية فيقيم فيها الدواوين. ويرتب الولاة. وينظم بيت المال. وحين تتعرض الدولة لمجاعة في عهده يحسن إدارة الأزمة والتخطيط لمواجهتها. وهو بهذا الفكر وهذه الإدارة يقفز بالدولة الإسلامية الفتية قفزات واسعة. سادت بها الدنيا شرقاً وغرباً. ثم جاء حفيده عمر بن عبدالعزيز رضي الله عنه الذي أعاد التخطيط للبلاد» ليعيد توزيع الموارد للبلاد بالعدالة الاجتماعية المرجوة. ويخطط لاستغلال الفائض من الزكاة» ليعيد توزيعه فيما ينفع الناس. فيوزع علي الفقراء. ثم يسد الديون. ثم يزوج الشباب الذي لا يستطيع النكاح. ثم يعطي فقراء أهل الكتاب. ولحسن تخطيطه وصدقه مع ربه يبارك الله له حتي أطعم الحيوان والطير علي رؤوس الجبال. ما أحوجنا إلي هذا التخطيط في حياتنا» لنحقق الكثير لديننا وأنفسنا وبلادنا! إن العظماء هم الذين يعرفون هدفهم فيخططون لبلوغه. فإن كانوا أفراداً كانوا ناجحين. وإن كانوا قادة كانوا لشعوبهم ملهمين وبالمسئولية قائمين. عباد الله: إن بلدنا في حاجة ماسة إلي أن نضع خططاً قوية تنهض بحاضرها ومستقبلها في كل المجالات الزراعية والتجارية والتعليمية والاقتصادية والعسكرية والإدارية. ولابد أن تراعي هذه الخطط الحفاظ علي الكفاءات. وتقيم مبدأ تكافؤ الفرص بما يحقق العدالة الشاملة. فبدون تخطيط سليم ووعي لمستقبلها. وإدراك لما حولنا لن يتحقق لنا تقدم ورفاهية. وفي الوقت الحالي تمر بلادنا بمنعطف خطير في تاريخها. لا يسمح بالفوضي. بل لابد من الإعداد الجيد. والتخطيط السليم. والأخذ بالأسباب. وحسن التوكل علي الله. والثقة فيه. فليحدد كل منا رسالته وهدفه في الحياة. وليجتهد لتحقيق هدفه. وبلوغ أمله. فالتخطيط السليم والعمل الجاد ثمرتهما حياة طيبة وأجر حسن. قال تعالي: "من عمل صالحاً من ذكر أو أثني وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة ولنجزينهم أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون" "النحل:97". وللتخطيط أهمية في حياتنا الخاصة. فإنهم يقولون: "التدبير نصف المعيشة". ويقولون: "ما عال من اقتصد". وحسن التدبير وتصريف الأمور وفق الإمكانات المتاحة وعدم تكليف النفس فوق طاقتها أحد أهم عوامل استقرار الأسرة والمجتمع.