هناك فوضي في الفتوي.. كل من يؤلمه ضرسه يسارع إلي المشايخ ليسألهم: خلع الضرس حلال أم حرام؟ كل من لا يعجبه رصف الشوارع يهرع إليهم سائلاً: حلال أم حرام ؟ كل من لا يفهم حقيقة مجلس الحُكم المؤقت في العراق يجري مصاباً بالهلع إليهم قائلاً: أفتونا.. حلال هذا المجلس أم حرام؟ لا شئ في حياتنا أصبح يمر دون العبور علي دار الإفتاء. الأحزاب السياسية. المناهج الدراسية. الرعاية الصحية. الشئون العائلية. الإشارات المرورية. العلاقات الدولية.. كل شئ صَغُر أم كَبُر. قَرُب أم بَعُد !! ومن حق رجال الدين يفتوا في كل شئ.. يقول سبحانه وتعالي: ¢ما فرطنا في الكتاب من شئ ¢ والتفسير: إن كل شئ يمكن فهمه في إطار القرآن. ولكن لا تجوز الفتوي إلا من أهل الاختصاص أو بعد الرجوع إلي أهل الاختصاص. فلو انهارت عمارة لا يجوز لشيخ من شيوخ الفتوي أن يقر بالغش فيها إلا بعد أن تقرر ذلك لجنة من أساتذة كلية الهندسة. ساعتها يقول الشيخ : إنها عمارة مغشوشة. ولو كان هناك دواء ما لم يُختبَر بعد لا يجوز أن يبيحه أو يمنعه شيخ من شيوخ الفتوي إلا بعد أن تفحصه لجنة متخصصة من أساتذة الصيدلة.. باختصار لا يجوز أن يفتي أحد في أمور الدنيا إلا بعد الرجوع إلي جهات الاختصاص. ولا أمان من الفتاوي الخطأ إلا بالثقافة الدينية .. ولا أمان منها إلا إذا عرف رجل الدين أن الدين مُنَزَّه عن صراعات الدنيا وحسابات السياسة. وعليه ألا يحشره في أي شئ. وقد كان مشاهير العلماء يتجنبون الفتوي بقدر ما يستطيعون.كان يحيي بن معين من كبار العلماء في عصره. وكان إذا سُئِل عن فتوي يقول شعراً: "أيُعبَد رب العالمين علي رأي يحيي بن معين" وأفضل من يُفتي هو من يقول: "لا أدري " فمن قال لا أدري فقد أفتي واستبرأ لدينه وعرضه . ومصدر الفتوي الوحيد هو رسول الله صلي الله عليه وسلم.. غير أنه أمر بأشياء ونهي عن أشياء وسكت عن أشياء ..فما سكت عنه رسول الله صلي الله عليه وسلم ليس جهلاً ولا نسياناً وإنما توسعة علي الأمة وعملاً برأي الله سبحانه وتعالي : ¢وما أتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا¢. ولكن حتي نعرف ذلك يجب أن نكون قادرين علي فهم الدين فهماً عميقاً ولا نأخذه بظواهر النص. لقد أفتي شيخ جليل بأن الإسلام يبيح الإرهاب وهو يفسر قوله سبحانه وتعالي: ¢وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم ¢ لقد فسر كلمة ¢ ترهبون به عدو الله وعدوكم ¢ بإباحة الإرهاب لكنه لم يقل لنا ما هي الشروط التي نحدد بها عدو الله وعدونا ؟هل هو الذي يحددها ويختارها؟ وللحديث بقية.