أواصل مع حضراتكم ما بدأناه العدد الماضي من حديث عن أهمية المؤاخاة الصادقة بين المؤمنين بعد الهجرة المباركة في قيام دولة الإسلام.. ونعيش في هذا المقال مع "معني الأخوة في الله وحقها". إن معني الأخوة في الله لا نظير له في جميع الشرائع الوضعية علي وجه الأرض. لأنه لا ينبني علي أواصر العرق واللون والدم والوطن. وإنما ينبني علي الأواصر الإيمانية. والروابط العقدية التي لا تنفصم عراها ولا تزول. فالمؤمنون جميعا اخوة مهما اختلفت ألوان بشرتهم. ومهما اختلفت أرضهم وديارهم وأوطانهم. يربطهم جميعا رباط الإيمان والإسلام. ومهما اختلفت أرضهم وديارهم وأوطانهم. يربطهم جميعا رباط الإيمان والإسلام. كأنهم روح واحد حل في أجسام متفرقة. أو كأنهم أغصان متشابكة انبثقوا من دوحة واحدة. هكذا ينبغي أن يكون المؤمنون. فإن وجدت إيمانا بلا اخوة صادقة فاعلم بأنه إيمان ناقص. وإن وجدت أخوة بلا إيمان فاعلم انه التقاء مصالح. وتبادل منافع. وليست أخوة إيمانية. إذ إن الأخوة ثمرة حتمية للإيمان. قال تعالي: "إنما المؤمنون إخوة" "الحجرات: 10". يوم أن ضاع هذا المعني العظيم. وأصبح المؤمن ينظر إلي أخيه الذي جاء من بلد مسلم آخر نظرة الغرابة والغربة. لما ضاع المعني الحقيقي للأخوة أصبح المسلم يري أخاه المسلم ويري أخته المسلمة تذبح هنا وهناك فينظر ويهز كتفيه ويمضي وكأن الأمر لا يعنيه. وربما يري علي شاشات التلفاز المسلم يُذبح في الصومال. أو فلسطين. أو العراق. أو كشمير. و طاجكستان. أو الفلبين. أو أي مكان. وهو ينظر بعينه وسرعان ما يهز كتفيه ويمضي وكأن الأمر لا يعنيه لا من بعيد ولا من قريب. لماذا؟ لأن الأخوة في الله أصبحت باهتة باردة لا تتعدي مجرد الكلمات. لا تتعدي مجرد لغة الشجب والاستنكار فحسب. حتي الشعور فقد مات. إلا من رحم ربك جل وعلا. صحيح ربما تنسي المصائب المصائب. لكن لا ينبغي أن تفقد حتي مشاعر الأخوة تجاه إخوانك وأخواتك هنا وهنالك. لابد أن يحمل كل واحد منا هم هذا الدين. وهم هذه العقيدة. وهم هذه الأمة. إن الهموم بقدر الهمم. فمن الناس من يحمل هم الطين. ومنهم من يحمل هم الدين. ومن الناس من يحمل هموم أسرته. ومنهم من يحمل هموم أمته. ومنهم من لا هم له سوي أن يجمع المال ولو كان من الحرام. ومنهم لا هم لهه سوي أن يستمتع بامرأة حسناء في الحلال أو في الحرام. ولو نظرنا إلي أحوال همومنا وهممنا وعرضناها علي هموم وهمم السلف. لبكينا دماً بدل الدمع! فها هو عبدالله بن عمر رضوان الله عليهما يجتمع في بيت الله الحرام هو وعروة بن الزبير ومصعب بن الزبير وعبدالملك بن مروان فيقول لهم مصعب بن الزبير: "تمنوا فنحن في بيت الله. تمنوا علي الله جل وعلا. فقالوا: ابدأ أنت يا مصعب مادمت قد طلبت ذلك. فقال مصعب بن الزبير: أما أنا فأتمني ولاية العراق. وأن أتزوج سكينة بنت الحسين. وعائشة بنت طلحة بن عبيدالله. فنال ما تمني وتلك همته وهذا همه. فقال عبدالملك بن مروان: أما أنا فأتمني الخلافة. فنال ما تمني. فقال عروة بن الزبير: أما أنا فأتمني أن أكون فقيهاً. وأن يحمل الناس عني حديث رسول الله. وقال عبدالله بن عمر: أما أنا فأتمني الجنة" إن الهموم بقدر الهمم. علي قدر أهل العزم تأتي العزائم وتأتي علي قدر الكرام المكارم. وتعظم في عين الصغير صغارها وتصغر في عين العظيم العظائم ولله در المتنبي إذ يقول: وإذا النفوس كانت كباراً تعبت في مرادها الأجسام فلما ضاع المعني الحقيقي للأخوة أصبحنا نري المسلمين والمسلمات يُذبحون في الشرق والغرب ذبح الخراف ولا تتحرك حتي مشاعرنا. تبلدت المشاعر وبردت إلا من رحم ربك. أسأل الله أن يجعلني وإياكم ممن رحم. من أجل ذلك أقول: ينبغي أن نتعرف أيها الأحبة علي حقوق الأخوة. وهذا هو عنصرنا الثاني بإيجاز شديد من عناصر المحاضرة. وإلا فإن كل عنصر من هذه العناصر يحتاج إلي محاضرة مستقلة. حقوق الأخوة الحق الأول: الحب في الله والبغض في الله لن تتذوق طعم الأخوة إلا بهذا. أصبح الولاء الآن علي غير هذا الأصل. وأصبح البراء علي غير هذه الغاية. الحب في الله والبغض في الله. ففي الحديث الصحيح الذي رواه أبو داود من حديث أبي أمامة أن النبي صلي الله عليه وسلم قال: "من أحب لله. وأبغض لله. وأعطي لله. ومنع لله. فقد استكمل الإيمان". والحب في الله شيء غال. وأمر عظيم. ففي صحيح مسلم من حديث أبي هريرة أن النبي صلي الله عليه وسلم يقول: "ينادي ربنا جل وعلا يوم القيامة: أين المتحابون بجلالي؟ اليوم أظلهم في ظلي يوم لا ظل إلا ظلي" لو عرفت هول الموقف» لاستشعرت حلاوة هذا الكلام النبوي. لو تصورت أن الشمس فوق رأسك. وانك غارق في عرقك. وأن جهنم قد جرت إلي المحشر. وقد أتي بها لها سبعون ألف زمام مع كل زمام سبعون ألف ملك يجرونها والحديث في صحيح مسلم لو تصورت أن الله قد غضب في هذا اليوم غضباً لم يغضب قبله مثله. ولن يغضب بعده مثله. لاستشعرت قول النبي صلي الله عليه وسلم: "ينادي الحق: أين المتحابون بجلالي؟ اليوم أظلهم في ظلي يوم لا ظل إلا ظلي" حديث عجيب جميل. وجزاء عظيم للحب في الله. بل لن تتذوق طعم الإيمان إلا بالحب في الله والبغض في الله. كما في الصحيحين من حديث أنس: "ثلاث من كن فيه وجد بهن حلاوة الإيمان: أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما. وأن يحب المرء لا يحبه إلا لله. وأن يكره أن يعود في الكفر بعد إذ أنقذه الله منه كما يكره أن يقذف به في النار". بل وفي صحيح مسلم من حديث أبي هريرة أيضا أن النبي صلي الله عليه وسلم قال: "إن رجلاً زار أخاً له في قرية فأرصد الله له علي مدرجته أي: علي طريقه ملكاً. فقال له الملك: أين تريد؟ قال: لأزور أخاً لي في هذه القرية. فقال له الملك: هل لك عليه من نعمة تربها عليه؟ أي: تريد زيادتها قال: لا غير أني أحببته في الله. فقال له الملك: فإني رسول الله إليك أن الله قد أحبك كما أحببته فيه" من أنت لتنال حب الله جل وعلا بالحب في الله والبغض في الله. ويقول عبدالله بن مسعود رضي الله عنه: "لو قام رجل يعبد الله بين الركن والمقام سبعين سنة لحشر يوم القيامة مع من يحب" وولاء وبراء. لا يصح لك دين إلا بالولاء والبراء. بالحب في الله والبغض في الله: "يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا اليهود والنصاري أولياء بعضهم أولياء بعض ومن يتولهم منكم فإنه منهم إن الله لا يهدي القوم الظالمين" "المائدة: 51". قال حذيفة بن اليمان: "فليتق أحدكم أن يكون يهودياً أو نصرانياً وهو لا يدري لقوله تعالي: "ومن يتولهم منكم فإنه منهم".