العميد السابق لكلية الدراسات الإسلامية والعربية بجامعة الأزهر حينما يتفكر الإنسان في خلق السماوات والأرض وما أبدعه الله تعالي من نعم فيهما. ظاهرة وباطنة. مسخرة لخدمة الإنسان» فإن فطرته ستقوده بلا شك ولا تردد إلي تحية المنعم. ذي الجلال والإكرام. لذا فإن أرجح الناس عقلاً هو أشدهم لله حبًا. إن الإنسان إذا عرف ربه أحبه. وإذا أحبه تمني وده. واستقام علي أمره. وعمل الصالحات ابتغاء وجهه. عندئذ يحس بحلاوة الإيمان الحقيقية. مصداقًا لقوله صلي الله عليه وسلم: ¢ثلاث من كن فيه وجد بهن حلاوة الإيمان. أن يكون الله ورسوله أحب اليه مما سواهما. وأن يحب المرء لا يحبه إلا لله. وأن يكره أن يعود في الكفر- بعد إذ أنقذه الله منه- كما يكره أن يقذف في النار¢ أخرجه البخاري. فحب الله تعالي ورسوله صلي الله عليه وسلم هو أصل الإيمان. وأصل كل عمل يقوم به. وكل ما يمنع أو يحول أو يزاحم هذا الحب هو- بلا شك- مُوهن ومُضعف للإيمان وقادح فيه. لقد فاز أهل المحبة بشرف الدنيا والآخرة. ذلك أن لهم من معية محبوبهم النصيب الأوفر. فالمرء مع من أحب. والمحبة هي الميل الدائم بإيثار المحبوب علي كل شيء. وأن تهب له إرادتك وعزمك ووقتك. وأفعالك وأقوالك ومالك. وتجعلها ابتغاء مرضاته وعفوه. وإذا تمكن حب الله في قلب العبد أوجب عليه هذا الحب- بلا تردد- أن يحب ما يحبه ربه. وأن يبغض ما يبغضه. فعلي سبيل المثال. الله سبحانه يحب إغاثة الملهوف. وإتقان العمل. والعدل بين الأولاد. والرفق في كل أمر. ويحب سماحة البيع والشراء. ويحب طلاقة الوجه وبشاشته. ويحب الفقراء ويحب العفة.. ويبغض البخل والفحش والإسراف وحب الدنيا- الذي ينسي الإنسان آخرته- ويبغض الطلاق وعقوق الوالدين والكبر. من هنا فإن الإنسان حين يدعي حبه لربه يكون مطالبًا بالبرهنة علي صحة هذا الحب. تحقيقا لقوله تعالي: "قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمْ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورى رَحِيمى" "آل عمران:31". ويقول الشاعر: تعصي الإله وأنت تزعم حبه هذا لعمري في القياس شنيع لو كان حبك صادقًا لأطعته إن المحب لمن يحب مطيع شواهد الحب: في البداية لابد أن نعلم أنه لا شيء أنفع لقلب الإنسان المؤمن وأجلب لمحبة الله من قراءة القرآن الكريم وتدبره» فهو الذي يورث الحب الحقيقي. فالسائر في الطريق يحتاج هاديا يهديه ويرشده من أين يبدأ؟ ومن أين ينتهي؟ وكيف يمضي؟ وكيف يتوقف؟ فإن لم يكن معه هذه الدليل فإنه يخبط في هذه الدنيا خبط عشواء. ونهايته الخسران والبوار. والحياة مع القرآن تفتح القلب وتنوره وتمنح الروح شفافيتها لأنها تعيش مع النور الرباني المنزّل. فيرتفع الإنسان من خلاله إلي منازل السائرين. ويتخفف من ثقل الطين وجاذبية الأرض التي تشده إلي أسفل. يؤكد هذا الإمام ابن القيم فيقول: ¢لا شيء أنفع للقلب من قراءة القرآن بالتدبر والتفكر» فإنه جامع لجميع منازل السائرين وأحوال العاملين ومقامات العارفين. وهو الذي يورث المحبة والشوق. والخوف والرجاء. والإنابة والتوكل. والرضا والتفويض. والشكر والصبر. وسائر الأحوال التي بها حياة القلب وكماله¢. أجل. إن تدبر القرآن طريق ميسر للوصول إلي مرضاة الله تعالي والأنس بمحبته. ولو علم الناس ما في قراءة القرآن بالتدبر لاشتغلوا بها. وصرفوا أوقاتهم إليها» لأنها أنفع للقلب وأدعي إلي صلاحه إذا ما هيأنا أنفسنا لاستقباله والانتفاع بما فيه "إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَي لِمَن كَانَ لَهُ قَلْبى أَوْ أَلْقَي السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدى" "ق:37". إن المحب لربه شخص مرهف الحس. يعطي كيانه كله لخالقه. يستمع في شوق ولهفة إلي كلامه. يستشعر كل نصيحة من شأنها أن تأخذ بيده إلي شاطئ النجاة وبر الأمان. الإكثار من النوافل : من الأشياء الجالبة لمحبة الله عز وجل التقرب إليه بالنوافل. والإكثار منها بعد الفرائض كما جاء في الحديث القدسي: ¢.. وما تقرب إليّ عبدي بشيء أحبّ إليّ مما افترضته عليه. ولا يزال عبدي يتقرب إليّ بالنوافل حتي أحبه. فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به. وبصره الذي يبصر به. ويده التي يبطش بها. ورجله التي يمشي بها. ولئن سألني لأعطينه. ولئن استعاذ بي لأعيذنه¢ رواه البخاري. أيضًا من الأسباب الجالبة لمحبة الله: محبة ما يحبه الله من الأعمال والأقوال. والمحبة في الله ولله. فقد ورد في صحيح مسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلي الله عليه وسلم قال: إن رجلاً زار أخًا له في قرية أخري. فأرصد الله له علي مدرجته ملكًا. فلما أتي عليه. قال: أين تريد؟ فقال: أخًا لي في هذه القرية. قال: هل لك عليه من نعمة تربها؟ قال: لا» غير أني أحببته في الله- عز وجل- قال: "أي الملَك" فإني رسول الله. إن الله قد أحبك كما أحببته¢. كذلك فإن من الأسباب الجالبة لمحبة الله سبحانه. مشاهدة بره وإحسانه. ونعمه الظاهرة والباطنة. فإنها أكبر البواعث علي المحبة» لأن القلوب جبلت علي محبة من يحسن إليها. ولا أحد أعظم إحسانًا علي العبد من الله تباركت أسماؤه» فإن إحسانه علي عبده في كل نفس ولحظة. وكلنا نتقلب في نعمه ليل نهار. وفي كل الأحوال.. إن النظر إلي كمّ الأمراض الهائلة. التي من الممكن أن نصاب بها. قد يجعلنا بالحسابات المادية نقول: إن الأصل هو المرض. وإن الصحة أمر نادر الحدوث. لكن حين ننظر إلي الواقع نري أن الأصل هو العافية والصحة عند غالب الناس. والمرض عكس ذلك. والأطباء يقررون أن وسائل الإصابة بالأمراض متعددة وكثيرة جدًا. ولكننا لا نعلم كيف تندفع عنا الشرور والأمراض. إنها نعمة الله عز وجل وفضله وكرمه. أمراض وشرور ومضار مدفوعة» لا نعلم عنها شيئا. ولا يحس بها كثير من الناس "قُلْ مَن يَكْلَؤُكُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ مِنَ الرَّحْمَنِ بَلْ هُمْ عَن ذِكْرِ رَبِّهِم مُّعْرِضُونَ" "الأنبياء:42" "فَاللَّهُ خَيْرى حَافِظًا وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ" "يوسف:64".