* تسأل سلوي محمود من الإسكندرية: ورد في حديث صحيح أن النبي صلي الله عليه وسلم كان يباشر زوجاته وهو صائم. فما معني هذه المباشرة؟ ** يقول الشيخ حسنين مخلوف مفتي الجمهورية الأسبق: روي البخاري في صحيحه عن عائشة رضي الله عنها قالت: كان النبي صلي الله عليه وسلم يقبل ويباشر وهو صائم وكان أملككم لأربه والمباشرة في الأصل التقاء البشرتين وتستعمل في الجماع ومنه قوله تعالي: "فالآن باشروهن والمراد بها في هذا الحديث لمس بشرة الرجل بشرة المرأة لا الجماع بدليل ما رواه البخاري عن عائشة نفسها في صدر الباب حين سألها حكم بن عقال: ما يحرم علي من امرأتي وأنا صائم: قالت: فرجها وحين سألها مسروق: ما يحل للرجل من امرأته صائما؟ قالت كل شيء إلا الجماع. وبدليل ما عرف من الشرع ضرورة من منافاة الجماع للصوم وإفساده له. فدل ذلك قطعا علي إرادة مادون الجماع من لفظ المباشرة في هذا الحديث من نحو القبلة والمعانقة والملامسة والمداعبة والمباشرة أعم من التقبيل فعطفها عليه من عطف العام علي الخاص "والأرب" بفتح الهمزة والراء: الحاجة. ويروي بكسر الهمزة وسكون الراء: أي العضو المعروف وقد أشار البخاري إلي ترجيح التفسير الأول ومعناه أنه عليه الصلاة والسلام أغلبكم لهواه وحاجته وفسره الترمذي في جامعة بقوله: أيكم أملك لنفسه فمعني لأربه لنفسه ورجحه الحافظ العراقي وقد أشارت عائشة رضي الله عنها بقوله: وكان أملككم لأربه إلي أنه يباح القبلة والمباشرة بغير الجماع لمن يكون مالكا لأربه دون من لا يأمن في الإنزال أو الجماع. وبين ذلك المازري بقوله: ينبغي أن يعتبر حال المقبل فإن أثارت منه القبلة الإنزال حرمت عليه لأن الإنزال يمنع منه الصائم فكذلك ما أدي إليه وإن لم تؤد القبلة إلي شيء فلا معني للمنع منها إلا علي القول يسد الذريعة. ويقرب منه قول النووي إن القبلة ليست محرمة علي من لم تحرك شهوته لكن الأولي له تركها "أي خشية الوقوع في الحرام" وفي حديث الصحيحين "من حام حول الحمي يوشك أن يقع فيه" وأما من حركت شهوته فهي حرام في حقه علي الأصح وقول الحافظ في الفتح إنه ينظر في ذلك إلي التأثر بالمباشرة ومنها القبلة وعدمه. قال القسطلاني: وروي البيهقي باسناد صحيح عن عائشة أنه صلي الله عليه وسلم رخص في القبلة للشيخ وهو صائم ونهي عنها الشاب وقال: الشيخ يملك أربه والشاب يفسد صومه ففهمنا من التعليل أنه دائر مع تحريك الشهوة بالمعني المذكور والتعبير بالشيخ والشاب جري علي الأغلب من أحوال الشيوخ في إنكسار شهوتهم ومن أحوال الشباب في قوة شهوتهم فلو انعكس الأمر انعكس الحكم. فقبلة الصائم ومباشرته بما دون الجماع من المباح ما لم تثر شهوته فإن صحبهما إنزال فسد الصوم لأن الإنزال بالمباشرة قضاء شهوة الفرج وهو مناف للصوم. قال النووي: ولا خلاف أن القبلة لا تبطل الصوم إلا إن أنزل بها. وقال ابن قدامة: إن قبل فأنزل أفطر بلا خلاف. وكأنهما لم يعتدا بما ذهب إليه ابن شبرمة من أن "القبلة" مفطرة ولو لم ينزل ولا بما ذهب إليه ابن حزم من أن التقبيل لا يفطر ولو أنزل: وإذا فسد الصوم بالإزال أثر التقبيل أو المباشرة بالمعني المذكور ففيه القضاء عند الجمهور والقضاء والكفارة عند المالكية. وفي الحالة التي تباح فيها القبلة والمباشرة ذهب قوم إلي كراهتهما كراهة تنزيه وهو مشهور مذهب المالكية والكراهة التنزيهية لا تنافي الإباحة كما عرف في الفقه. أما الجماع الذي يوجب الغسل شرعا فقد اتفق الأئة علي أنه مفسد للصوم سواء أولج أو لم يولج وسواء أنزل أو لم ينزل وفيه القضاء والكفارة والإثم العظيم. ومما يجب التنبيه له أن رسول الله صلي الله عليه وسلم حين كان يقبل زوجاته وهو صائم ويباشرهن بالمعني الذي أوضحناه وهو صائم إنما كان ذلك لعدم تأثره بهما لشدة تقواه وورعه وضبطه لنفسه وحواسه فكل من أمن علي نفسه الإنزال أو الجماع كان في معناه فيلحق به في حكمه ومن ليس في معناه فهو مغاير له في الحكم. وأنه إنما فعل ذلك لا لشهوة التقبيل والمعانقة بل للتشريع وبيان الرخصة والتيسير في أمر كثير الوقع محبوب للنفوس وهو بالمؤمنين رءوف رحيم وحسبك هذا في بيان الحديث والله يتولي هداك.