يقول تعالي: "ظهر الفساد في البر والبحر بما كسبت أيدي الناس ليذيقهم بعض الذي عملوا لعلهم يرجعون" الروم: 41. قال بعض مفسري القرآن الكريم أن المراد بالبر هو المعروف. وبالبحر هو البحر المعروف وإن اختلفت تفسيرات بعضهم في معني ظهور الفساد ومعني البر والبحر. فهم وهم الصالحون لم يتصوروا أن يصل الفساد إلي تلوث الهواء بالغازات السامة بفعل الوقود الحجري والأسلحة الكيميائية التي لم يكن لها وجود في أيامهم. ولا أن يلوث الماء بمخلفات المصانع من الكيماويات. ولا أن تدفن النفايات الذرية في البر والبحر.. ولم يخطر علي بال هؤلاء الصالحون أن الإنسان سوف يعيث في الأرض فساداً. ويستخدم الأسلحة الكيميائية والبيولوجية الفتاكة.. نعم لم يخطر ببال الصالحين من القرون السابقة أن يلوث الإنسان الهواء الذي يتنفسه والماء المخزون في جوف الأرض الذي يشربه. وتحدث القرآن عن فساد البر والبحر في وقت لم تكن حدود البر علي مستوي الأرض جميعاً معروفة لدي السابقين. وكذلك حدود البحر لذلك اختلف المفسرون في معني البر والبحر: فقال ابن عباس المراد بالبر هنا الفيافي وبالبحر الأمصار والقري. وفي رواية عنه: البحر الأمصار والقري ما كان منها علي جانب نهر وقال آخرون كما ذكر من قبل: بل المراد البر هو البر المعروف والبحر هو المعروف. وقال مجاهد فساد البر قتل ابن آدم. وفساد البحر أخذ السفينة غصباً. وقال عطاء: المراد بالبر ما فيه من المدائن والقري. وبالبحر جزائره. وعن معني الفساد ذكر المفسرون أنه عصيان الله في الأرض. وقالوا: قلة الغيث وغلاء السعر. وظهور الجدب في البوادي والقري ومدن البحر. وقوله تعالي: "ليذيقهم بعض الذي عملوا" الروم: 41. أي يبتليهم بنقص الأموال والأنفس والثمرات اختباراً منه ومجازاة علي صنيعهم "لعلهم يرجعون"» "أي: يتوبون". وظهور الفساد قد يشير إلي وجود مستتراً "مختفياً". أو ظهوره علناً. والأرض في أصلبها خلقت صالحة. والإنسان هو الذي أحدث فيها الفساد.. ونهانا رب العالمين عن الفساد في الأرض. فقال تعالي: "ولا تفسدوا في الأرض بعد إصلاحها" الأعراف:: 85 سبحانه سخر البر والبحر للإنسان» فلا شبهة إذا في إبداع الفساد في البر والبحر. وينص معني الظهور لا عن فساد في الأصل. ولكن عن ظلم الإنسان. وظهور الفساد قد يأتي مفاجئاً. وقد يأتي متدرجاً. وقد يأتي متداخلاً وفقاً لدرجة إفساد المفسدين. فإلقاء النفايات الذرية في البحر ينتج عنه فساد أسرع وأخطر من إلقاء مخلفات مياه الصرف الصحي. وتسرب النفط في المياه يفسد الماء ويهلك الأحياء. والإفساد المتدرج مثل التسرب طويل الأجل للمواد السامة إلي مياه الأنهار والمياه الجوفية. وما نسميه الآن بتلوث البيئة يمثل مرحلة من الفساد في البر والبحر. وحينما يعم التلوث ويصبح الصدر ضيقاً حرجاً. وحينما يصبح الماء لا يطفيء ظمأ. لأنه أصبح أجاجاً. وحينما تصبح مياه الأنهار قاتلة للأسماك. ومياه البحار مميتة لأحياء البحار لكثرة السموم بها حينئذ لن يجد البشر سوي مصطلح ظهور الفساد. ولولا رحمة الله ما استطاع الناس العيش في ظل تلوث البيئة وفسادها من حولهم. وسبحانه وتعالي رءوف رحيم بعباده وبمخلوقاته يقول عز وجل : "وربك الغفور ذو الرحمة لو يؤاخذهم بما كسبوا لعجل لهم العذاب بل لهم موعد لن يجدوا من دونه موئلاً" الكهف: .58 لا يستوي إفساد البيئة مع إصلاحها. فالفساد تلوث ودمار. والمحافظة علي البيئة أمن وأمان وجمال. والإصلاح يعني المحافظة علي البيئة مما أفسده الإنسان بصنعه بكامل قواه العقلية. والقاعدة الأساسية في ذلك هي أن رب العاملين أودع في الأرض الصلاح. وأن الأرض والسماوات مسخرة لصالح الإنسان. ولكن الإنسان الظلوم الجهول. ألف العادة ولم يطع أمر المنعم بسبب العلو والكبر الجهل. فضيع أمانة الاستخلاف في الأرض. فأفسد الهواء الذي يتنفسه. والماء الذي يشربه. والبحر المسخر لأجله. والنتيجة "ظهر الفساد" الروم: 41. وفي الآونة الأخيرة تيقن الجميع من ظهور الفساد. وأين ظهر الفساد؟ الرجابة التي لا يختلف عليها اثنان هي في البر والبحر معاً.